صور| رئيس ومشرف وكمسري وفني.. كيف واجه طاقم قطار البدرشين الحادث؟
كتبت - مها صلاح الدين وعبد الرحمن سيد:
كان كل شيء على ما يرام، خرج القطار الإسباني المتجه من القاهرة إلى قنا في موعده بالتمام والكمال من رصيف رقم 8 داخل محطة مصر، بدأ رئيس القطار سعيد حسن براجع تذاكر ركاب العربة رقم 1، وقبل أن تشير عقارب الساعة إلى الثانية ظهرًا، بعد خروج القطار بأقل من نصف ساعة من المحطة، بدأ كل شيء يتغير، وجد رئيس القطار الخمسيني، جسده الممتلئ يتأرجح يمينًا ويسارًا، سمع صوت ارتطام، "الموضوع مش طبيعي"، هكذا حدث نفسه، ازدادت الاهتزازات، وغلف الغبار المتطاير القطار بأكمله.
أيقن رئيس القطار أن حادثة قد وقعت، كان قريبًا من فرملت الخطر، هرول نحوها، وكسر الوجه الزجاجي بقطعة صلب "مفتاح" كما يطلق عليها، لا تفارقه، شد الفرملة، وتوقف القطار.
اجتاح الذعر قلوب الركاب، وانتشر الهلع بينهم، "القطر هيولع" صاح الجميع، حاول "سعيد" تهدئتهم، صعد على أحد الكراسي وأخذ يصيح "مافيش قطر هيولع"، يحاول جاهدًا وقف حالة الهلع، يلتقط أنفاسه بصعوبة: "عملت كدة علشان الكارثة متكبرش، ومحدش يرمي نفسه من القطر"، كانت محاولاته ناجحة.
توجه رئيس القطار نحو باب العربة الأمامية، فتحها للركاب، وبدأ في إنزالهم بهدوء، ثم توجه نحو بقية العربات كي يطمئن، لكنه وجد ما هو أصعب "لقيت آخر 4 عربيات منفصلين ونايمين على جنبهم"، أخرج هاتفه وبدأ يتصل بزملائه، الأول رد عليه بصوت متهدج: "إلحقني أنا بموت يا عم سعيد.. أنا في العربية إللي وقعت".. انقطع الاتصال، فاتصل بآخر، ووجده بحالة جيدة، أمره أن يتوجه على الفور إلى القضبان لعمل وقاية خلف القطار، مفسرًا: "علشان مافيش قطر ييجي من ورا ونعمل حادثة تاني"، وبالفعل نجح في مهمته.
كانت مكالمته التالية لمراقب الميناء "قلت له أنا رئيس قطر 986 والقطر حصله حادثة وحكيتله إه القطر خرج عن مساره، وعندي 4 عربيات واقعين"، طلب منه أن يتواصل مع الإسعاف والمسؤولين ويخبرهم بما حدث، أغلق الخط وتوجه نحو برج المراقبة، ووجه إشارة إلى جميع القطارات بالحادث.. ثم عاد إلى القطار من جديد.
"رجعت القطر فضلنا نطلع في المصابين مع الركاب على ما تيجي الإسعاف، والحمد لله مكنش فيه وفيات"، حضرت الإسعاف بعد ربع ساعة من إشارة رئيس القطار، وفي خلال ساعة أخرجت جميع الركاب، وتوجهت بهم نحو المستشفيات.
أدرك رئيس القطار أن رأسه قد ارتطم بالحديد، وأنه أصبح يشعر بآلام شديدة في الكتف حتى أنه لم يعد قادرًا على تحريكه، فوجد نفسه هو الآخر محمولًا داخل عربة إسعاف، لينتهي به الحال على أحد الأسرة بمستشفى الهرم.
في مشهد مشابه، استلقى "سمير محمد عبد الحسيب" على أحد الأسِرة في جناح آخر داخل المستشفى، بدأ يحكي بملامح منهكة وهو يغالب دموعه: "معرفش إيه اللي حصل أنا لقيت نفسي بنام عالناس"، وقت وقوع الحادث كان الرجل الخمسيني يباشر عمله الذي اعتاده منذ 32 عامًا، كان يحجز تذاكر للركاب المخالفين داخل عربية 8 "فجأة القطر اتقلب بينا.. حسيت إن فيه عيال بتموت تحت مني، بقيت أحاسب لأدوس عالعيال".
لحظات معدودة كانت أشبه بالزلزال العنيف داخل العربة، انكفأ الكمسري على وجهه، لا أحد يرى ولا أحد يعرف ما الذي يحدث؟، غالب آلامه، وبدأ يبحث عن الأجساد الضئيلة، ويتفحص الأطفال، ويزج بهم من الشبابيك التي باتت في أعلى القطار، وسط صراخ يتعلى من داخل وخارج القطار.
"أول مرة من 32 سنة يحصلي حادثة.. مش عايز أطلع السكة الحديد تاني" يقولها الرجل الأشيب وهو يغالب دموعه ويعتذر عن حالته النفسية السيئة جراء ما شهده "معرفش غلطة مين، أنا في قلب القطر من جوه، بس لو فيه ضمير مكنش ده حصل"، يُضيف صارخًا.
في الغرفة نفسها، وعلى السرير المعدني المقابل، جلس مشرف القطار شاكر شحاتة، بحالة أفضل، يتلقى اتصالات هاتفية من أقاربه وزملائه يخبرهم بما جرى "أنا كنت بفرز القطر بشوف الركاب المخالفين وبخلي الكمسري يقطعلهم تذاكر.. فجأة لاقيت عفرة من الشمال واليمين".
كان الرجل النحيل يتوسط العربة 9، انكفأ على وجهه، وتناثر منه إيراد التذاكر على أرض القطار، التي لم تستطع عيناه رؤيتها من خطوات الركاب المرتعبة "نزلت رحت للسواق علشان أعرف إيه إللي حصل بس ملقيتهوش ولاقيت 4 عربيات من القطر واقعين على جنبهم"، بدأ الرجل في تهدئة الركاب، ومساعدتهم على النزول، وركوب عربات الإسعاف التي كانت قد وصلت بعد ربع ساعة من انقلاب القطار.
تلك الحادثة الثالثة التي شهدها شاكر شحاتة، خلال 32 عامًا من عمله في السكة الحديد، كانت أولهم على خط الواحات البحرية، والثانية كانت على خط البدرشين نفسه، أما حادثة اليوم فكانت الأصعب بالنسبة للرجل الذي تجاوز الخمسين من عمره.
التقط تامر أحمد، فني الكهرباء بالقطار، الذي كان يجلس على السرير المواجه من مشرف القطار أطراف الحديث وبدأ يسرد ما شهده قائلاً: "إحنا كنا ماشيين بالسرعة العادية على نفس الخط إللي بنمشي عليه كل مرة من القاهرة لقينا فجأة مرة واحدة نفسنا في التخزين والعربيات كلها اتدربكت".
يحاول الشاب الذي يسير في أواخر الثلاثينيات تفسير أسباب الحادث "أعتقد إن ده خطأ برج مراقبة.. العربيات إللي ورا كلهم اتقلبوا والباقيين خرجوا عن السكة".
كانت الفني في العربة الأخيرة من القطار، وجد كل شيء يهتز بحركات عشوائية عنيفة، تعالت أصوات صراخ النساء والأطفال، وحجب الغبار عن الجميع الرؤية، بدأت محاولات الإنقاذ من الأهالي المحيطين بشريط القطار، وبدأوا في إخراج الركاب من الشبابيك وأبواب القطار بعد كسرها، وبعد أقل من نص ساعة حضرت سيارات الإسعاف، وأكملت بقية المهمة.
تابع حادث انقلاب قطار البدرشين لحظة بلحظة .. (اضغط للتفاصيل)
فيديو قد يعجبك: