مغتربو الأقاليم على موائد القاهرة: "رمضان وحشنا"
كتبت - نانيس البيلي
في أحد الممرات المتفرعة من حارة الصالحية بمنطقة الحسين، بينما تصدح إذاعة المسجد بالابتهالات الدينية التي تنذر بقرب أذان المغرب، أخذ الأصدقاء "محمود، أحمد، حسين" يلتفتون يمينًا ويساراً، بينما بدا الإحراج على وجوههم "أول مرة نتحط في الموقف ده" يقول "محمود" الذي يعمل مع رفاقه في ورش صناعية بمدينة نصر "ده أول رمضان نقضيه بعيد عن أهلنا".
ينتمي الأصدقاء الثلاثة إلى محافظات مختلفة "المنوفية، الشرقية، الدقهلية"، ولديهم نفس العمر تقريبا 23 عاما، يحملون نفس الشهادة التعليمية "دبلوم صناعة"، يذكر "حسين" أنهم تعرفوا إلى بعضهم خلال أداء الخدمة العسكرية بالجيش لـ3 سنوات "ومن وقتها بقينا أصحاب ومبنفارقش بعض، على الحلوة والمرة سوا".
للمرة الأولى، تطأ أقدام الرفاق مائدة رحمن، وفق ما يقول "أحمد"، يشير إلى أنهم لم يُرتبوا لها "كنا معديين بالصدفة، لقينا أصحاب المائدة بيقولولنا اتفضلوا كلوا عندنا"، بينما في الأسبوع الأول من الشهر الكريم كانوا يُدبرون طعام الإفطار بأنفسهم "مرة نطبخ، مرة نقضيها حاجات ناشفة".
"وحشتنا اللمة وسط العيلة والعزومات"
اللمة وسط العائلة والعزومات هي أكثر ما يفتقده المغتربون الثلاثة، وفق ما يذكر أحمد "الروح اللي بتبقى مع الأهل بتفرق، دي أكتر حاجة بتأثر في الواحد".
يتنهد "محمود"، ويقول إنه رغم قسوة الغُربة في البعد عن الأهل والمنزل، غير أنها منحتهم دروسًا في الحياة "علمتنا إزاي نقف جنب بعض، ونشيل بعض، وإن ملناش إلا بعض".
تتكفل بمائدة الحسين، سيدة خمسينية تدعى "أميرة"، تمتلك منزلاً ومحل فضيات بذات الشارع، تقول إنها بدأتها منذ 10 سنوات بـ12 مقعدا فقط حتى وصلت الآن إلى 150 مقعدا، وتضيف أنها تتولى طهي الطعام بنفسها، وتحرص على التنويع فيه ليشبه الطعام البيتي "ممكن أعمل سمك وفراخ وملوخية ولسان عصفور".
"ملحقناش نعمل أكل النهاردة"
في بادئ الأمر، تحفظ "مصطفى، عمرو، حمدي" - العمال بشركة إنشاءات في مدينة نصر - على الحديث، قبل أن يذكروا أنها المرة الأولى لهم في تناول الإفطار بمائدة رحمن، يقول "مصطفى" إنهم اعتادوا على طبخ الطعام لأنفسهم في رمضان داخل مسكنهم المستأجر بأطراف مدينة نصر "بس النهاردة اتأخرنا شوية وملحقناش نعمل أكل".
منذ أكثر من 20 عامًا، جاء العمال الثلاثة الذين تخطوا العقد الخامس، من محافظات "الغربية وسوهاج والدقهلية"، والتحقوا بنفس الشركة، يقول "حمدي" إنهم كانوا يسيرون في طريقهم إلى الجامع الأزهر، فلفتت مائدة الرحمن بالغورية انتباههم "لقينا المنظر كويس والناس داخلة بنظام، قولنا نجرب".
صلاة التراويح في بلدتهم، هي أكثر شيء يفتقده الرفاق الثلاثة، بحسب "حمدي"، رغم أنهم يواظبون على أدائها في مساجد قريبة من مسكنهم بالقاهرة "بس بتفرق لما بتكون مع أهل بلدك وأصحابك وشيخ المسجد انت عارفه".
"كنا مكسوفين أول مرة، لكن دلوقتي اتعودنا"
على ذات الطاولة، جلس 4 طلاب لا تتخطى أعمارهم 20 عاما، أمامهم كتب ومذكرات بينما انهمكوا في المذاكرة، يقول "خالد" الذي يدرس بكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر إنهم قدموا لتوهم من امتحان آخر العام "وعندنا امتحان كمان يومين".
يدرس الأصدقاء الأربعة بالسنة الثانية بكليات التربية والدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، جميعهم قادمون من محافظة بني سويف ويسكنون بشقة في أطراف مدينة نصر.
يذكر "شريف" الطالب بكلية التربية قسم اللغة الإنجليزية، أنهم اعتادوا على قصد مائدة الرحمن طوال شهر رمضان منذ العام الماضي كنا مكسوفين في أول مرة نيجي هنا، لكن دلوقتي اتعودنا".
"الشباب دول بيفكروني بـ30 سنة فاتوا" قالها "مصطفى" الذي يشاركهم بذات الطاولة، ويشير إلى أنه عاش نفس ظروفهم وقتما كان يدرس بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة "يعني هو إيه اللي جايبه هنا غير إنه صايم وجعان ومش عارف يطبخ ومغترب عن أهله، وكمان الظروف المادية صعبة فمش حمل يشتري وجبة جاهزة".
بينما يَحن الطلاب الأربعة إلى أهلهم ومنزلهم وقت الإفطار، يتذكرون الأكل وسط لمة الأسرة "جودة الأكل كمان بتفرق" يقول "خالد"، ويضيف أن الجميع يفضل التواجد في الشهر الكريم وسط أهله مهما كان المستوى المادي له "متقدرش إنك تستغنى عن رمضان في البيت" لكن ظروف الامتحانات او العمل هي التي تجبر الناس على قضاء رمضان بعيدا عن ذويهم.
فيديو قد يعجبك: