العصارات في ملوي.. أيدي تحيا على "العسل الأسود"
-
عرض 7 صورة
-
عرض 7 صورة
-
عرض 7 صورة
-
عرض 7 صورة
-
عرض 7 صورة
-
عرض 7 صورة
-
عرض 7 صورة
كتبت-إشراق أحمد:
تصوير-جلال المسري وإسلام فاروق:
لم يكن محبوب موسى عبد المسيح يتجاوز عشرة أعوام، حين اعتاد سماع أبيه يقول "إكبر عشان تطلع معانا على العساسيل". تربى محبوب بينما يرى والده "رئيس طباخين" في "عصّارة" قصب السكر، وكذلك أعمامه من أبناء "عزبة صادق"- مركز ملوي في المنيا- يذهب الجميع يوميًا لعملهم المتوارث عن الأجداد، فعلي أيديهم يصير القصب "عسل أسود".
حال أهل قريته، ورث محبوب "الصنعة"، وصار رئيس للطباخين مثل أبيه، أو "ريس العمال" كما يوضح "لو في أي حاجة بين العمال وصاحب المال ببقى مسؤول عنها، فبدل ما يتعامل مع الانفار كلها، يتعامل مع فرد واحد". ذلك المنصب الذي وصل إليه الرجل الأربعيني، بعد خبرة دامت أكثر من 20 عامًا.
تعد "ملوي" مركزا لزراعة القصب، وفي زمن مضى، للتغلب على تحكم شركة صناعة السكر، أقام المزارعون "العصارات"، للاستفادة من المحصول كما يقول محمد العمدة، مالك معصرة تعود للستينيات، ويلقبها أصحابها بـ"العساسيل" نسبة إلى كونها مركز صناعة العسل الأسود.
أبصر محبوب "العصّارة" بينما تديرها الماشية، أما اليوم تعمل بالمولدات والكهرباء، مما جعل انتاجها أكثر حسب قول رئيس الطباخين. 10 ساعات هي مدة العمل داخل موطن صناعة العسل الأسود "بنعمل حوالي 70-75 قنطار وكل ما يكون القصب حلو يعمل أزيد يعني ممكن نوصل لـ80 و100 قنطار" يوضح محبوب، بينما يشير إلى أن ذلك يعادل فدان قصب سكر أو 17 قيراطًا، فيما يمكن أن تغطي "العصّارة" سنوياً ما بين 300 إلى 400 فدان.
أما مراحل انتاج العسل الأسود، فتبدأ من نقل قصب السكر "كنا نشيله على أكتافنا دلوقت باللودر". ثم تحويله إلى مصاصات أو "الخشنة" ما يعرفها أهل الصنعة، بعدها تحين إحدى أصعب المراحل "نحطها في النار لغاية ما تبقى مزهرة يعني عصير زي اللي بيتشرب"، ومنها إلى الأحواض.
تنقسم الأحواض إلى ثلاث مراحل؛ أولها وثانيها للتنقية والتصفية، وتكون عبر ما يسمى "الجيزان أو حلل" وهي قدور كبيرة، وأخيرا التسوية، إذ يعكف العاملون على التقليب حتى يتحول السائل إلى عسل أسود مع درجة الغليان، وهنا يتجلى دور "الطباخ": " لما تجمر –تسخن- الحلة، يضطر يرفعه على "قرابيل" ودي مواسير ماشية منه تودي حيضان- أحواض- العسل"، وعند التعبئة تنتهي مهمة العاملين البالغ عددهم في "العصّارة" الواحدة نحو 25 عاملاً.
بتحويل قصب السكر إلى عسل أسود، تبدأ مهمة العمدة، ليس في البيع، وهو عمله الأساسي، بل بالتأكيد على تنقية وتركيز العسل. أغلق الرجل معصرته، ومنذ عام 2005 استهل عمله الجديد في توريد منتجًا مركزًا "العسل بيبقى لسه في شوائب اكتشفت أنه لازم يتركز تاني قبل ما يتباع"، يفعل العمدة ذلك، ويُمني نفسه بأن يصبح العسل الأسود منتجًا عالمياً.
"أي شغلانة ليها تعبها" يقولها محبوب متنهدًا، فصانعي العسل الأسود، ليس لهم من اسمه سوى استعارته الشهيرة على سوء الحال. لا يستطيع رئيس الطباخين إحصاء عدد مَن مسهم ضر "العصّارة" نتيجة حرق جراء نار قدورها الكبيرة أو بتر ذراع أحدهم بسبب نتيجة تقليب العصارة، كل ما يعرف المحبوب أن "في ناس بتموت كتير ضحايا للعصارة" حسب قوله.
ورغم مأساوية الحوادث، غير أن العائد لا يثمن، يقول محبوب إنهم قد يعملون 4 أيام فقط في الأسبوع "لما يحصل عندنا عطل نشتغل نص يوم أو صاحب العصارة يقول لنا نفصل ساعتين النهاردة"، فما يخرج للعامل ربما لا يتعدى 350 جنيه في الأسبوع، وهو ما يعتبره رئيس الطباخين " حاجة تغني عن الشحاتة لكن متكفيش بيت".
يُعتصر أصحاب صنعة "العسل" لكن لا يستطيعون تركها، فهي إحدى مصادر دخلهم المعتاد أبا عن جد، يتوارثون الحفاظ عليه كأسمائهم، يفتخر محبوب بأن قريته مشهورة بـ"طباخين" معاصر العسل، لمهارتهم يعددهم بقرابة 26 شخصًا "العسل فيه عيب لو الواحد لو مهتمش بيه ونضف الحلل والمكن خلال 20 يوم هيلاقي لونه غير". يتناسى الرجل كل شيء بلحظة يخلص فيها العمل "كل واحد لو عمل شغله صح هيطلع عسل نضيف وحلو والناس هتدعي له وهيبقى مرتاح البال".
خمسة أشهر فقط هي مدة عمل "العصارات" بدءً من شهر نوفمبر حتى أواخر إبريل "ويوم ما تزيد تبقى آخرها 15-5"، فذلك موسم حصاد قصب السكر، بنهايته، تتوقف "العساسيل" وأهلها عن العمل، يعود بعضهم للفلاحة، فيما لا يجد منهم عملاً "لغاية ما تلف عليه الشهور ويطلع على العصارة من تاني..العصارات ملهاش مصدر تاني غير العسل والعصر".
فيديو قد يعجبك: