تزوير الكتب.. خطر عالمي بعد اقترانه بغسل الأموال القذرة
القاهرة (أ ش أ)
لم تعد ظاهرة تزوير الكتب وقرصنتها هما للناشرين والمبدعين فحسب وإنما باتت تشكل خطرا داهما على مستوى العالم بعد أن اقترنت مؤخرا بظاهرة غسل الأموال القذرة.
وسواء في الشرق أو الغرب كان المبدعون والمثقفون يتحدثون بمرارة عن ظاهرة تزوير الكتب وقرصنتها باعتبارها "تهدد صناعة النشر بما في ذلك الكتب الرقمية" لكن الجديد الآن أن ظاهرة استخدام الكتب المزورة في غسيل الأموال القذرة فرضت نفسها حتى على مواقع الكترونية ومنصات عالمية شهيرة لبيع الكتب فيما تتحدث الصحافة الثقافية الغربية عن خطورة هذه الظاهرة وتنقل اقوال وشهادات مؤلفين عن استخدام أسمائهم على كتب مزورة لغسل أموال قذرة.
وإذ تدخل صناعة الكتاب بهذه الظاهرة في دهاليز الاحتيال وأقبية غسل الأموال القذرة تلقي الصحافة الثقافية الغربية أضواء كاشفة على تلك الدهاليز والأقبية المظلمة التي تتضمن مثلا تحديد أسعار بأرقام فلكية أحيانا لكتب لا قيمة حقيقية لها ونقل الأموال عبر الفضاء الرقمي لباعة كتب هم في الواقع من المحتالين وأصحاب الباع الطويل في الجريمة بصورها واشكالها المتعددة.
وتنقل اليسون فلود وهي صاحبة اسم معروف في الصحافة الثقافية البريطانية عن أحد المؤلفين قوله انه فوجئ باسمه على كتاب مزور معروض للبيع عبر موقع على شبكة الانترنت وشعر بالدهشة لأن السعر المحدد لبيع هذا الكتاب المزور يتجاوز ال17 ألف جنيه إسترليني ويعادل نحو 24 الف دولار امريكي الأمر الذي عزز شعوره بأن تجارة الكتب المزورة امست تشكل مدخلا جديدا لعالم غسل الأموال القذرة.
لكن الأخطر في هذا السياق ان تجري هذه اللعبة القذرة لغسل أموال قذرة باتفاق مابين مؤلف ما واشخاص ضالعين في دهاليز الجريمة فيما تساعد ظاهرة انتشار وتكاثر المواقع الانترنتية لبيع الكتب وما يعرف بمنصات النشر الذاتي والتي يصعب مراقبتها جميعا بصورة جادة على استفحال هذا النوع الجديد من الجريمة الذي يجمع ما بين الكتاب المزور وغسل الأموال القذرة ومابين باعة مجهولين ومشترين مجهولين حتى ان البائع قد يكون هو المشتري ذاته وان تخفى هذا او ذاك وراء اسم وهمي ووثائق مزورة!.
وبعض مواقع التجارة الإلكترونية للكتب تتيح للبائع ان يحدد السعر الذي يريده للكتاب وتلك على أي حال مسألة تبدو طبيعية غير ان ما هو طبيعي يمكن استغلاله على نحو غير طبيعي في ظواهر إجرامية ابعد ماتكون عما هو طبيعي ناهيك عن انها لايمكن ان تعرف معاني متداولة في عالم الكتاب مثل شرف الكلمة.
وظاهرة الكتب المزورة او المقرصنة جريمة في حد ذاتها حافلة بالكثير من ألوان الانتهاك الصارخ لحقوق المؤلفين ودور النشر لكنها عندما تقترن بجريمة مثل غسل الأموال القذرة تكون قد بلغت حدا يهدد الأمن والاستقرار في عالم يعاني أصلا من الافتقار للأمن والاستقرار!.
وهذه الظاهرة لاتفرق بين عالم الجنوب وعالم الشمال او مابين الشرق والغرب وهاهو باتريك ريميس احد مؤلفي الكتب المتضررين من الظاهرة في الولايات المتحدة الأمريكية يقول ان احد الضالعين في تزوير وقرصنة كتبه استخدم رقمه التأميني لنشر كتبه المقرصنة.
ومع التزواج الشرير بين قرصنة الكتب وغسل الأموال القذرة باتت بعض الكتب المقرصنة والمعروضة للبيع في منصات الفضاء الالكتروني لاتتضمن سوى الهراء لأن الهدف في الحقيقة بين الباعة والمشترين غسل أموال قذرة في لعبة معقدة اختارت صيغة جديدة بدخولها عالم الكتاب.
ومن ثم فمن الطبيعي ان يثير ذلك الاقتران الآثم بين قرصنة الكتب وغسل الأموال القذرة اهتمام خبراء امنيين مثل بريان كريبس الذي تقول الصحفية والمحررة الثقافية البريطانية اليسون فلود انه أول من انتبه لخطورة هذا الزواج الشرير وتداعياته مثل فتح حسابات لدى دور نشر شهيرة في عالم الكتاب الرقمي بما يساعد في غسل الأموال القذرة بقدر مايثير التباسات في مجالات متعددة من بينها الضرائب.
وبعض المؤلفين الذين أضيروا بشدة من تلك الظاهرة الجديدة مثل باتريك ريميس شرعوا بطابع الحال في إجراءات لحماية أنفسهم وحقوقهم المهدرة غير ان مسار تلك الإجراءات التصحيحية كما يقول باتريك ريميس له تكاليفه وقد يطول أحيانا اكثر مما ينبغي مستشهدا بحقيقة تتمثل في استمرار عرض عناوين كتب مزورة عبر منصات انترنتية رغم اخطار المعنيين بحقيقتها.
ومن هنا يقول باتريك ريميس ان دور النشر الرقمي للكتاب عليها النهوض بمسؤولياتها دون ابطاء لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة والحيلولة دون تسلل الأموال القذرة لعالم الكتاب فيما أصدر كيان شهير في عالم النشر الرقمي وهو "آمازون" بيانا اكد فيه على ان "ضمان امن الحسابات في امازون يشكل أولوية قصوى وان هناك إجراءات مشددة على هذا الصعيد".
ولا أحد يعرف ما الذي يمكن ان يحدث ان استمر هذا الزواج الآثم بين تزوير الكتب وغسل الأموال القذرة كما انه لم يعد هناك مجال لقبول ماكان يردده بعض المستظرفين وهم يردون على شكوى الناشرين من ظاهرة الكتب المزورة والمقرصنة بأن عليهم ان يشعروا بالامتنان لوجود قراء لإصداراتهم!.
وكانت بيانات لمكتب حماية حقوق الملكية الفكرية في بريطانيا قد أفادت بأن نسبة تصل الى 17 في المائة من مجموع الكتب الرقمية او ما يصل عدده لأربعة ملايين كتاب هي كتب مقرصنة وتقول الكاتبة البريطانية سامانثا شانون ان "الكتب المقرصنة واقع وحقيقة في سياق صناعة النشر المعاصرة بينما اطلقت زميلتها القاصة الأمريكية ماجي شتيفتر تحذيرا للقراء "بأنهم إذا استمروا في تحميل الكتب المقرصنة رقميا فان المؤلفين سيكفوا عن الكتابة لأنهم لن يجدوا في وضع كهذا مايكفل لهم البقاء على قيد الحياة كأناس تعد الكتابة مصدر رزقهم".
وجاء هذا التحذير من جانب هذه القاصة المتخصصة في "كتابات الفانتازيا" بعد ان ابلغها أحد القراء عبر موقع تويتر للتدوينات القصيرة بأنه "لم يشتر ابدا أي كتاب من كتبها لأنه يقرأ كل ماتكتبه من قصص في نسخ رقمية مقرصنة".
وأضافت بأسى واضح ان ناشر قصصها ابلغها بأنه سيقلص عدد النسخ المطبوعة من قصتها الجديدة بأكثر من النصف حتى يقلل من خسائره جراء التزوير الورقي والقرصنة الرقمية فيما تقول ان هذه المعضلة تأتي في وقت تواجه فيه صناعة النشر مايكفي من المشاكل معتبرة ان "سوق الكتاب امست سيئة".
ويشكل الناشرون جزءا حيويا في البنية الأساسية للثقافة حتى يحق وصفهم "بملح الأرض الثقافية" وتلمح العين كتبا تصدر من حين لآخر في الغرب عن هذا العالم وسياسات النشر فيما باتت ظاهرة تزوير الكتب الورقية فضلا عن القرصنة الرقمية إشكالية تهدد صناعة النشر الغربية كما تهدد الكاتب والمبدعين في الصميم اما ظاهرة اقتران تزوير الكتب بغسل الأموال القذرة فتهدد العالم ككل في الصميم خاصة وان غسل الأموال القذرة يشكل أحد أهم مصادر تمويل الإرهاب حسب العديد من الدراسات والبيانات المنشورة.
ويؤكد رئيس رابطة الناشرين في بريطانيا ستيفن لوتينجا أن مسألة الكتب الرقمية المقرصنة تشكل على وجه الخصوص "مصدر قلق بالغ للناشرين" موضحا ان هذه الرابطة تتعقب مواقع الكتب المقرصنة على شبكة الانترنت وتسعى لأغلاقها وتحطيم روابطها الالكترونية.
ومن نافلة القول ان تصاعد ظاهرة الكتب الرقمية المقرصنة يعني بالضرورة انخفاضا تلقائيا في مبيعات الكتب الرقمية المشروعة للناشرين بينما يعيد ستيفن لوتينجا للأذهان ان الظاهرة طالت من قبل الأفلام والموسيقى على الشبكة العنكبوتية واثرت سلبا على صناعة السينما.
ورغم تسليمها بأن تلك الظاهرة امست طبيعية في سياق صناعة النشر المعاصرة تستدرك الكاتبة سامانثا شانون لتقول ان تزوير الكتب وقرصنتها امر محبط لأي كاتب ولا يشجع ابدا على الابداع فيما تصف الظاهرة ككل بأنها تمثل بالتباساتها وتعقيداتها المتشابكة "منطقة رمادية في عالم الصناعات الإبداعية".
وواقع الحال انها باتت "منطقة رمادية مابين العالم الافتراضي والعالم الواقعي بعد ان اقترن تزوير الكتب بغسل الأموال القذرة" وهي مسألة لا يتحملها عالم يعاني من ظواهر كالإرهاب الذي يمكن ان يتغذى على مردود هذا الزواج الآثم بين ظاهرتين من ظواهر الشر في العالم المعاصر.
واذا كان من بين التباسات ظاهرة تزوير الكتب أن الكثير من المتورطين في عمليات تزوير الكتب او قرصنتها رقميا ليسوا من أصحاب الدخول المحدودة او أولئك الذين يعانون من شظف العيش بحيث يمكن التماس أي مبرر لما يفعلونه كما قال رئيس رابطة الناشرين في بريطانيا من قبل مشيرا الى ان "قراصنة الكتب يتمتعون في اغلبهم بمستوى اقتصادي جيد ولا يمكن وصفهم بأنهم أناس لا يستطيعون شراء الكتب" فما الذي يمكن ان يقوله الآن بعد ان ذاعت انباء الزواج الآثم بين تزوير الكتب وغسل الأموال القذرة؟!.
وكان ستيفن لوتينجا قد أوضح ان الكثير من المتورطين في جرائم تزوير الكتب ينتمون لفئة عمرية تتجاوز الثلاثين عاما وحتى سن الخمسين عاما فيما يؤكد مجددا على ان المتورطين في ظاهرة تزوير الكتب وقرصنتها "انما يدمرون صناعة بأكملها" وهاهم الآن يحملون خطر الدمار للعالم بعد ان تزاوجت ظاهرة تزوير الكتب بظاهرة غسل الأموال القذرة.
وحسب دراسة أجريت في بريطانيا فان ظاهرة تزوير الكتب وقرصنتها أفضت لانخفاض حقيقي في دخول المؤلفين بنسبة تقترب من ال 30 في المائة فيما يخشى ان تسفر الظاهرة على الأمد الطويل عن افلاس الناشرين وتوقف صناعة نشر الكتاب وهو ما حدث بالفعل لبعض الناشرين في بريطانيا.
وظاهرة الكتب المزورة يعاني منها أيضا الناشرون في مصر والعالم العربي بينما يتحدث بعض المؤلفين بمرارة عن رؤيتهم لكتب بأقلامهم تباع في نسخ مزورة بأسعار رخيصة.
وتتفق آراء الكتاب في مصر والعالم العربي مع أقرانهم في الغرب بشأن خطورة ظاهرة الكتب المزورة التي يمكن ان تدمر صناعة النشر فيما يرى رئيس مجلس إدارة دار الشروق المهندس إبراهيم المعلم ان "تزوير الكتب يهدد صناعة النشر في مصر بالفناء".
ولم يتردد الناشرون فى الاستفادة من خبرات هوليوود السينمائية فى التوصل لصيغة لتقليل الخسائر التى تتكبدها دور السينما جراء عرض الافلام على المواقع الالكترونية لشبكة الانترنت او بيعها بسرعة فى نسخ الكترونية كإشكالية شبيهة بإشكالية الخسائر التى تتعرض لها الكتب الورقية بسبب الكتب الالكترونية.
وقال الناشر جان فون ميرين ان فكرة النشر المبكر للطبعات ذات الأغلفة اللينة او غير السميكة بدأت تؤتى ثمارها فى خضم منافسة لاتعرف الرحمة بين الكتب الورقية والكتب الالكترونية معتبرا ان الأفكار الجديدة والمبتكرة هى السلاح الأكثر اهمية فى هذه المنافسة الشرسة.
ويبدو الآن ان ثمة حاجة لأفكار جديدة ومبتكرة لمواجهة الزواج الآثم بين تزوير الكتب وغسل الأموال القذرة في عالم ليس بحاجة لمزيد من الشرور وقمره الذاهل يتدلى في خيوط الألم التي ترسمها طرق الدماء وخرائط الوجع!.
هذا المحتوى من
فيديو قد يعجبك: