إعلان

تقلبات الجو.. كيف انعكست التغيرات المناخية على حياتنا اليومية؟

02:03 م الأربعاء 28 مارس 2018

التغيرات المناخية

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

تقرير - مها صلاح الدين:

تتعجب "حنان" من السؤال، تطلق ضحكات ساخرة، وتقول "الربيع ليس مرتبطا معي بأي شيء، لا بالأزهار المتفتحة، ولا حتى بأغنيات سعاد حسني". لا تتذكر الشابة شيئا عن الربيع سوى أول حالة إعياء مرت عليها بسبب حرارة الجو.

قبل ثلاث سنوات، كانت حنان "صبية" في عامها الأخير بكلية الإعلام، لا تتذكر الشهر بالضبط، ربما أواخر مارس أو بداية إبريل، كل ما تتذكره أنها كانت تسرع الخطى نحو الكلية، لتشهد "البروفة الأولى"، لمشروع التخرج.

حاولت "حنان" ألا تصدق شعورها بأنها لا تستطيع أن تلتقط أنفاسها، وبالفعل وصلت على موعد المحاضرة، قبل أن تفقد الوعي بمجرد أن دخلت المدرج. انخلعت عليها قلوب الجميع، وقف أصدقاؤها بجوارها حتى اطمأنوا أنها أصبحت بخير، ورافقوها إلى ساحة مشروعات التخرج، لإشغالها عن الإجهاد الذي بدا عليها بالعمل الخفيف، لكن محاولاتهم باءت بالفشل.

بدت وكأنها فقدت الوعي للمرة الثانية، لكنها كانت تشعر بكل شيء، هكذا تتذكر، كانت ترغب في الصراخ من فرط الحرارة، شعور لم تقوى على تنفيذه، لم تفق من كبوتها حتى نُقلت إلى مكان رطب.

بعد مرور ثلاث سنوات، أصبحت تلك المشاهد معتادة لـ"حنان" ورفاقها، مع موجات ارتفاع درجات الحرارة، منذ بداية الربيع وحتى نهاية الصيف. لم تسلم الصبية من مزاح أصدقائها بعد التخرج، فكلما التقتهم انهالوا عليها بالأسئلة "حنان.. لسة بتفقدي الوعي؟"، ترد عليهم بنفس نبرة المزاح، وفي داخلها شيء يريد أن يتمادى في الشكوى، قائلا: "وكل عام يزداد الوضع سوءا عما قبله".

قبل يومين من قدوم فصل الربيع، أصدرت هيئة الأرصاد الجوية، بيانا من ثلاثة عشر بندا تنذر فيه المواطنين من التقلبات الجوية، ولكنها تتمسك أيضا بوصف الطقس بالاعتدال.

كيف تحول الفصل المعتدل الذي تغنت له القصائد، من أفضل فصول السنة إلى أكثرها اضطرابا، وكيف أثرت التغيرات المناخية التي اجتاحت العالم على مناخه؟.. أسئلة يجيب عنها مصراوي خلال هذا التقرير.

عواقب تغير المناخ

ظاهرة تغير المناخ وفقا لقاموس أعدته وزارة البيئة المصرية، تعني اختلاف في الظروف المناخية المعتادة كالحرارة وأنماط الرياح والمتساقطات التي تميز كل منطقة على الأرض، وتؤدي وتيرة وحجم التغيرات المناخية الشاملة على المدى الطويل إلى تأثيرات هائلة على الأنظمة الحيوية.

كما تؤدي درجات الحرارة المتفاقمة إلى تغير أنواع الطقس كأنماط الرياح وكمية المتساقطات وأنواعها، ما يؤدي إلى عواقب بيئية واجتماعية واقتصادية واسعة التأثير ولا يمكن التنبؤ بها.

بإسقاط ذلك على ربيع العام، يقول رئيس وحدة التغيرات المناخية بوزارة البيئة السيد صبري، إن درجة الحرارة هي أهم سمات تأثير التغير المناخي على فصل الربيع، درجات الحرارة ستكون أعلى مما سبق، كما ترتفع عدد الموجات الخمسينية، والاضطرابات المناخية.

يوضح صبري أن التغيرات المناخية هي باختصار عبارة عن اختلاف المناخ الذي اعتدنا عليه، وهو ما تجلى في اختلاف بداية الفصول عن مواقيتها الرسمية، فأصبح فصل الصيف أطول مما اعتدنا عليه، وفصل الشتاء أقصر بكثير من الماضي، أما فصل الربيع فباتت درجة حرارته مرتفعة ليلا ونهارا على عكس المتعارف عليه.

تغير المناخ ليس وليد اللحظة، بينما بدأ منذ قرون، بسبب عوامل طبيعية وبشرية، أبرزها تباين كثافة الشمس، والتغيرات البطيئة في حركة دوران الأرض حولها، والثورات البركانية، والحقبة الصناعية، وفقا لدراسات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغيرات المناخية (IPCC).

الأمر الذي جعل مصر تدرك الأزمة مبكرا، وتبدأ في توقيع عدد من الاتفاقيات الدولية لمواجهة أزمة تغير المناخ، كما هو موضح في التسلسل الزمني التالي.

رئيس هيئة الأرصاد الجوية أحمد عبد العال، أكد أن تأثير التغيرات المناخية على مصر بدا ملحوظا، موضحا أنها لم تغير في السمات الأساسية لفصل الربيع، -فعلى الرغم من أن هذا الفصل معروف باعتداله، إلا أنه أيضا يتخلله موجات من التقلبات الجوية-، لكنها جعلت التقلبات أكثر حدة، إضافة إلى أنه بات يبدأ مبكرا عن موعده.

ويقول عبد العال، إن هيئة الأرصاد الجوية تعمل على إعداد دراسات علمية ترصد خلالها تأثير التغيرات المناخية على موعد فصول السنة وسماتها، لكن علماء الهيئة لم تنته منها بعد.

ووفق دراسات وزارة البيئة المصرية، فإن تغيّر المناخ أدى لتأثيرات سلبية على مصر، أبرزها، ارتفاع مستوى سطح البحر، وارتفاع درجات الحرارة، وقلة الموارد المائية والري، والتأثير على الزراعة عبر نقص إنتاجية المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية ومصادر الغذاء وعوائدها ستصل إلى ما يقرب من 30% في بعض المحاصيل بحلول عام 2050.

التغيرات المتوقعة فى إنتاجية المحاصيل المختلفة بحلول عام ٢٠٥٠

ما يبدو أرقاما، يتجسد على أرض الواقع، في أرض بسام عرابي، فلاح من محافظة قنا، احترف زراعة قصب السكر لما يقرب من 40 عاما.

بلهجته الصعيدية يتحسر عرابي على حجم إنتاجية أرضه الذي يتضاءل كل عام، فحرارة الجو في موعد التزهير، تحرق براعم القصب في صغرها، وتفسد المحصول، إضافة إلى أن درجة الحرارة، جعلت المياه أكثر ملوحة، وهو ما يفسد القصب، وجعل عدد كبير من الفلاحين يقلعون عن زراعته.

في العام الماضي، لم يحقق عشرات من مزارعي القصب أرباحا من محصولهم، لأنه في يوم وليلة توحل إلى قصب محروق، بفعل ارتفاع درجات الحرارة، يحكي الرجل الصعيدي بصوت يملؤه الفزع.

رغم إدراك مصر التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية، وتأثيرها على كافة المجالات، وصدور قرار من رئيس مجلس الوزراء رقم 1912 لسنة 2015 بتشكيل المجلس الوطني للتغيرات المناخية، نشر الموقع الرسمي لوزارة البيئة المصرية، وثيقة تحمل عنوان "الموقف المصري من مفاوضات تغير المناخ بالتوافق مع الموقفين الأفريقي والعربي".

جاء في سطور الوثيقة: "جهود خفض غازات الاحتباس الحراري المطلوبة من الدول النامية يجب أن تأتي في إطار طوعي وغير إلزامي، وترتبط بدوافع الدعم المالي والتكنولوجي وبناء قدرات المقدم من الدول المتقدمة، نظرا لعدم مسؤولية الدول النامية عن هذه الانبعاثات، على الرغم من ذلك فتلك الدول الأكثر تضررا من ظاهرة تغير المناخ".

Document-page-001

موقق مصر

يرى خبير الأرصاد الجوية وحيد سعودي أن التغيرات الموسمية هي التي تنعكس على التغيرات المناخية وليس العكس، فلابد أن تجري وزارة البيئة دراسة على درجات الحرارة في مدة لا تقل عن 30 عاما كي نستطيع أن ندرك حجم التغيرات المناخية على درجات حرارة أحد الفصول في أحد البقاع.

يشير سعودي إلى أن فصل الربيع بالفعل فصل انتقالي، ينقلنا من برد الشتاء إلى حرارة الصيف، ورغم وصفه بالاعتدال إلا أنه يتخلله موجات ارتفاع وانخفاض في درجات الحرارة بشكل مفاجئ، تسمى بالموجات الخمسينية، وهو أمر طبيعي في شكل فصل الربيع في مصر، إلا أن التغيرات المناخية على مر العصور جعلت هذه التقلبات أكثر حدة، ما يؤثر بشكل مباشر على صحة الأفراد.

وهو ما تؤكده منظمة الصحة العالمية في تقريرها المنشور عن التغيرات المناخية، الذي توقع أن يتسبب تغيّر المناخ ما بين عام 2030 وعام 2050 في وفاة نحو 250000 شخص سنويا، جراء سوء التغذية والملاريا والإسهال والإجهاد الحراري.

التقرير نفسه يشير إلى أن درجة حرارة العالم ارتفعت بمقدار نحو 0.75 درجة مئوية على مدار العقود الثلاث الماضية، وعلى سبيل المثال سجلت أكثر من 70000 حالة وفاة إثر الموجات الحارة في صيف عام 2003 في أوروبا، كما أن عدد الوفيات إثر الكوارث الطبيعية الناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة في الدول النامية، تجاوزت 60000 وفاة منذ الستينيات.

لا توجد إحصاءات رسمية في مصر، لعدد الوفيات بسبب تغير المناخ، بينما تتناثر أخبار حالات الوفيات والإصابة جراء ارتفاع درجات الحرارة. كلما بكّر الحر عن موعده كل عام، فقبل عام من الآن نشرت الصحف المصرية خبرا عن أول حالة وفاة بسبب الإجهاد الحراري في العام الماضي.

كانت سيدة تسير في عقدها الثالث تدعى جيهان، أصيبت بهبوط حاد في الدورة الدموية، بعدما طرد جسدها كل يملكه من مياه لمواجهة الحرارة، وانخفضت نسبة السكر في دمائها.

حالة جعلت المحيطين بها يهموا لنقلها إلى مستشفى الحميات بالمنيا، إلا أنها التقطت أنفاسها الأخيرة الأخيرة.

للبشر دورا في هذه النتيجة بالتأكيد، لهذا أعدت وزارة البيئة دليلا استرشاديا للمواطنين، لن يُعيد الربيع إلى سابق عهده، ولكن على الأقل قد يُحد من تفاقم الأزمة.

العناصر-الفعالة-نحو-مجتمع-صديق-للمناخ

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان