من الحادث الأليم.. كيف واجه الأهالي بالإسكندرية انفجار "المعسكر الروماني"
كتب- شروق غنيم ومحمد مهدي:
تصوير- حازم جودة
شهد شارع المعسكر الروماني بمنطقة رشدي في الإسكندرية، ظهر اليوم، انفجارًا أسفر عن استشهاد كل من علي جلال سائق سيارة الحراسة، والمجند عبد الله محمد عبد الله بينما أصيب 5 آخرين. فيما قالت وزارة الداخلية إن الحادث ناتج عن عبوة ناسفة وضعت أسفل سيارة على جانب الطريق،بهدف استهداف موكب مدير الأمن.
حّل الانفجار على المنطقة بسوء، هزّ مشاعر السُكان المحيطين، مصراوي تواصل مع أشخاص عايشوا لحظة مرعبة، من أصّمت الحادث أذناه وأفقدته القدرة على التركيز من هول الصدمة، مكفوفين ظنوا في البدء أن صوت الحادث بسبب الرعد، نصف ساعة فصلت سيدة عن موعدها باتجاه الحادث. مصور التقط أول مشاهد للحادث، وآخرين تابعوا الأمر من فندق وعقار مجاور.
خيال المكفوفين
صباح اليوم كانت 9 فتيات منهمكات في ورشة تعليم أعمال يدوية اعتدن عليها داخل جمعية "دُنيتنا" للمكفوفيين، لكن سماعهن لدوى صوت قوي أوقفهن عن العمل، إذ يقع المقر في شارع أحمد شوقي على بعد شارعين من مكان الانفجار.
ظنت الفتيات أن ما مرّ على سمعهن هو الرعد، لكن إحساسهن بحرارة الشمس طرد الفكرة من عقلهن "بدأنا نسمع أصوات عربيات الإسعاف كتير بدأت البنات تحس بالخطر" تحكي حنان حشيش، صاحبة الجمعية.
ربكة سرت بين الفتيات "بقت كل بنت تتخيل حاجة مختلفة"، إحداهن هتفت "ممكن يكون أنبوبة بوتجاز"، لكن الدوى القوي للصوت لم يكن مُشجعًا لتخيلها. "دربكة" حّلت في الشارع "وبقت ناس تتكلم عن إن في انفجار، قررت أكدب عليهم وأقول يمكن تكون إشاعات عشان ميخافوش"، لكن وتيرة الرعب زادت داخل نفوس الفتيات "بقوا يسألوني طيب إحنا هنروح إزاي".
لعبة القدر
قرابة الحادية عشرة ونصف صباحًا سمعت مشيرة صالح صوت قوي هزّ وجدانها، هرولت تجاه نافذة منزلها المُطِل على شارع سوريا بمنطقة رشدي، رأت دُخانًا كثيفًا قادمًا من خلف عمارات شارع المعسكر الروماني "اتخضيت جدًا، الرعب بيبقى أكبر لما متبقاش عارف إيه بالظبط اللي بيحصل".
لجأت مشيرة إلى وسائل التواصل الاجتماعي، كتبت علّها تجد إجابة على تساؤلاتها "بقى أكتر من شخص يقولي إنه سمع الصوت برضو"، انهمرت التعليقات على منشور السيدة، حتى كتب لها شخص إنه انفجارًا كان يستهدف مدير أمن إسكندرية ووضع لها صورًا من مكان الحادث "اتفاجئت، مديتش خوانة إنه ممكن يكون انفجار مقصود".
دائمًا ما تقرأ مشيرة عن القدر وتصريفاته، اليوم رآت ذلك بنفسها "النهاردة أجازتي وكنت ناوية أخرج وطبيعي كنت هعدي على الشارع ده بس ربنا ستر، كمان المنطقة دايما مليانة، على الساعة واحدة الدنيا بتبقى زحمة عربيات وبشر.. ستر ربنا إن التفجير كان بدري شوية".
تحكي السيدة عن طبيعة منطقة رشدي الحيوية "ده شريان مهم بالنسبة لنا، موجود على الترام وهو اللي بيطلعنا على البحر"، فيما تصفه بالمنطقة السكنية المليئة بالمحلات المختلفة "لموبايلات، ومليان مدارس وحضانات، أي حد عاوز يروح مكان لازم يخرّم من عنده".
درس أحياء لم يتم
في شارع بجانب المعسكر الروماني، بدأ درس أحياء لطلبة ثانوي، دون أن يصل الطالب "يوسف نضال" كان مايزال في طريقه إلى المكان، تأخر عن الموعد لدقائق، مر من أمام فندق مشهور بالمنطقة "وبعد ما بعدت بـ30 أو 40 متر، سمعت صوت مرعب" وقع الانفجار، اهتزت الأرض أسفل أقدام الطالب الثانوي "ومبقتش سامع غير صوت صفارة في ودني".
نيران، دخان كثيف، عشرات الناس يهرولون بعيدًا عن المكان، يتحركون بجانبه، أحدهم يصطدم به "وأنا عاجز عن الحركة، أعصابي باظت" جلس إلى الأرض، جسده لا يطاوعه، الأفكار المخيفة تدور في عقله، يصرخ دون أن يخرج صوته "يا جماعة حد يلحقني يخرجني من المكان دا" لكن لا أحد يلتفت.
لـ 30 دقيقة، ظل نضال في مكمنه، يرى أثار الانفجار، نقل المصابين "كنت خايف لا يكون فيه نزيف في ودني" رُعب يملىء جسده، قبل أن يفيق من ثباته "كملت واحد صحبي في المنطقة، قولتله أنا جايلك ومحتاج أروح لدكتور" تحرك ببطء من المكان، شاهد عن قُرب أحد الضحايا، الدماء تُغرق جسده، ابتعد قدر إمكانه فرارًا من رائحة الموت، وصل إلى صديقه "خدني روحنا للدكتور، قالي عندك ارتجاج، بس أنت كويس".
توجه نضال إلى البيت، شعر بالأمان، اطمئنت والدته، تحدث إليها عن ما جرى، الصدفة التي جعلته يمر من هذا الطريق "رغم إني كل مرة بركب مواصلة بتوديني مكان الدرس من شارع تاني" الأمتار التي فصلته عن موت مُحقق، وعدم إنقاذه من قِبل الفارين من الشارع "وكلمنا المدرس نقوله على اللي حصل، واعتذر عن عدم حضور الدرس، مصدقش في الأول" يقولها ضاحكًا.
نظرة من أعلى
داخل إحدى الفنادق القريبة من منطقة الانفجار، عايشت سعاد رجب –اسم مستعار- ما حدث، رائحة دخان نفّاذة خيّمت على المكان، فيما تهشّمت النوافذ الزجاجية "الدنيا اتهزّت جامد لدرجة إني فكرت ان الانفجار في الفندق".
دّب القلق في أرجاء المكان "البوابات كلها اتقفلت واتمنع حد يدخل أو يخرج"، لكن البوابة الرئيسية ظلت مفتوحة لدقائق فسمحت للبعض بالخروج والإطلاع على المشهد. بداخل الفندق زادت الهيستيريا "النجف وقع، وفيه ناس أغمى عليها من الخضة" تسبب الحدث في إلغاء البعض للحجوزات بالفندق "رغم إن الدنيا أمان جوة عندنا".
في الفندق نفسه، كان المصور "أحمد مسعد" يهم بالرحيل بعد تجهيز حقيبته داخل إحدى الغرف، حينما أحس بالانفجار، هرول ناحية النافذة "شوفت موتسيكل وعربية متفحمين ونار" أمسك سريعًا بكاميرته وأخذ يلتقط العديد من الصور للواقعة.
لم يمر الكثير من الوقت وحضر العشرات من سيارات الإسعاف والشرطة "قفلوا الشوارع الرئيسية، وبدأوا ينقلوا الجرحى" فيما لم يترك الكاميرا من يديه، ليكون أول من حصل على صور للحادث، ليتم نشرها في عدد من الوكالات العالمية.
رغم إغلاق الفندق للمداخل والمخارج، إلا أنه سُمح للنزلاء الراغبين في الرحيل، بالخروج "الوضع كان سلس، والناس متعاونة" غير أنه غادر من بوابة خلفية من أجل تأمينهم.
الزلزال قادم
على بُعد أمتار من المعسكر الروماني تسكن الشابة العشرينية "مي عفيفي"، اهتز العقار من شدة الانفجار "افتكرت البرج اللي جنبنا وقع، وإن دا هيحصلنا" ارتجفت من الخوف "كنت مرعوبة" اتجهت إلى غرفة والدتها بينما تفكر سريعًا في كيفية التعامل مع الأمر "أجمع إيه ولا أمشي إزاي قبل ما العمارة تقع".
مرت دقائق، لم ينهار العقار، هدأت الفتاة، لجأت إلى هاتفها المحمول "لقيت رسايل كتير من صحابي على الواتس اب" علمت من أصدقاء أن ثمة حادث كبير وقع بالقرب من منزلهم "وإنه حادث إرهابي، والناس فضلت تبعتلي صور" تابعت ما جرى بجانبها من حادث وسقوط ضحايا.
في منطقة كفر عبده، البعيدة عن مكان الحادث، شعرت صديقتها "سلمى سمير" بالانفجار "متهيألي إسكندرية كلها حسيت بالموضوع" انقلب حال الشارع في لحظة، سيارات شرطة وإسعاف وحماية مدنية "كلها ماشية عكسي رايحة ناحية المعسكر الروماني".
مع اتجاه الصخب، انطلقت سمير، الزحام شديد، المارة لا يصدقون ما حدث "عمالين يبصوا لبعض بيسألوا إيه اللي حصل" بينما أخرجت هاتفها المحمول لتوثيق الحدث الغريب عليها "فضلت أصور طول الطريق" فيما تتواصل مع عفيفي للاطمئنان عليها.
بعد ساعات، انتهت آثار الأزمة، كان على عفيفي الخروج في موعد عام، استأذنت الأم "والخطر كان خلص، فمكنش فيه مشكلة من الخروج" نزلت إلى الشارع، الشوارع خالية، هدوء كأن الموت لم يأتِ إلى هناك "وروحت مشواري، لأني مش هوقف حياتي بسبب ناس عايزة تخوفنا".
فيديو قد يعجبك: