لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

في يوم الطبيب المصري.. "دكاترة" قصر العيني تحت رحمة الروتين وضعف الإمكانيات

10:17 م الأحد 18 مارس 2018

مستشفى قصر العيني

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- علياء رفعت:

لا يعلمون أنه يومهم، ولا يحتفلون به. يُهرولون في كُل الاتجاهات مُرتدين "البالطو" الأبيض ليساعدوا هذا، أو ليجلبوا كيس دِم لذاك، بينما يصارعون الوقت والظروف لإنقاذ حياة أحدهم بعملية جراحية طارئة، أو التحايل على نقص الإمكانيات الذي قد يعوقهم عن الوفاء بقسم المهنة الذي يُحتم عليهم بذل وقتهم وأنفسهم للحفاظ على حياة الناس.

هكذا بدا المشهد في مستشفى "قصر العيني".. "مصراوي" عايش الأطباء في يوم الطبيب المصري، مُتنقلًا بين الأقسام المختلفة، راصدًا أمانيهم، وأبرز مشاكلهم، وطموحاتهم. مُسجلًا رسائلهم الموجهة لزملائهم بالحفاظ على إنسانيتهم ومهنتم السامية.

20180318_120638

بين أروقة العيادات الخارجية، وفي طريقه إلى قسم الجراحة؛ كان "عبدالله الكريتي" يحمل ملفاتٍ وأوراقًا كثيرة. يُجيب على تساؤلات الزائرين تارة وهو يدُلهم على أماكن الأقسام، ويساعد بعض المرضى على النهوض أو الوقوف تارة أخرى أثناء خروجهم من وحدة الغسيل الكلوي.

قبل سِتة أشهر؛ انتقل عبدالله -الشاب العراقي- من روسيا إلى القاهرة بهدف قضاء فترة "نيابته" بمستشفى قصر العيني تقليلًا للنفقات الباهظة التي كان يتكلفها في روسيا بعد أن أتم دراسته للطب هُناك. اختلافاتٌ جذرية عايشها الطبيب ورصدها بين أحوال الأطباء والمرضى في البلدين، بداية من انتشار الثقافة الطبية في روسيا بين الأطفال قبل البالغين ما يسهل عملية العلاج، مرورًا بتقدير الأطباء في أوروبا عن مصر، ووصولًا لكيفية تعامل إدارات المستشفيات المختلفة مع الأطباء.

ورغم تقدم أوروبا الشديد في المجال الطبي، إلا أن "عبدالله" يرى أن الطبيب المصري يتميز عن نظيره الأوروبي "هناك بيتعاملوا مع المرضى على إنهم حالات، لكن الأطباء هنا بيحسوا بالناس كأنهم أهلهم وبيبذلوا كل شيء في وسعهم عشان ينقذوهم".

مواقف عديدة مر بها الشاب العشريني منذ قدومه إلى القاهرة، لا زالت محفورة بذهنه "عمري ما هنسى لما سهر 10 دكاترة عشان ينقذوا طفل حديث الولادة من الموت بسبب مشكلة في الكبد، فضلوا يومين مطبقين من غير ما يفكروا إن المقابل المادي اللي بياخدوه زهيد، اللي حركهم ضميرهم المهني وبس".

حوالي 300 مريض، هو مجمل الحالات التي يلتقيها كُل طبيب بقصر العيني يوميًا بحسب "عبدالله". "ده عدد هائل بيشكل ضغط نفسي على الطبيب لأنه عمره ما هيقدر يتابع الحالات دي كلها بنفس الدقة" يقولها الشاب العشريني مُشيرًا إلى أنه في أوروبا من المستحيل أن يلتقي الطبيب كل هذا العدد من المرضى، وأنه برغم صعوبة الأمر في مصر، لكن الأطباء يحاولون التعامل معه بسِعة صدر رغبة في إنقاذ الأرواح.

ويوافق يوم 18 مارس من كُل عام تاريخ افتتاح أول مدرسة للطب بأبوزعبل منذ 187 عامًا، ليتم نقلها فيما بعد لقصر العيني باشا عام 1837 لتكون بذلك أول مدرسة للطب في مصر والشرق الأوسط وافريقيا. فتقرر نقابة الأطباء بمصر الاحتفال بذلك اليوم من كُل عام بإقراره عيدًا للطبيب تكريمًا لجهوده، وتذكيرًا للأطباء بشرف مهنتهم للحفاظ عليه.

 "عبدالله": "خلي حلمك وهدفك قدامك طول الوقت برغم أي ظروف أو إمكانيات"

أمام بنك الدم؛ وقفت "هند محجوب"، طبيبة الامتياز، رفقة اثنين من صديقاتها في انتظار الحصول على كيس دم لإحدى المرضيات بقسم الباطنة. أوراقُ عديدة قدمتها الفتاة العشرينية للموظفة بينما أخدت صديقاتها في ملء استماراتٍ أخرى للحصول على كيس الدم. تلك العملية الروتينية هي واحدة من أبرز المشاكل التي ترى الفتاة أنها تواجه طلاب السنة النهائية في كلية الطب "بتستهلك مننا وقت المفروض نقضيه في متابعة المرضى، والاستفادة من النواب قدر الامكان بشكل عملي".

وترى الفتاة العشرينية أن الحل يكمن في تطبيق "السيستم الالكتروني" الذي يسمح للجميع بتداول وتسجيل كل شيء بشكلٍ أسرع ويوفر الجُهد والوقت والطاقة.

التخصص هو أحد أبرز المشاكل التي تواجه طلاب السنة النهائية بكلية الطب -بحسب هند- لكون الدراسة نظرية، إلا أن التطبيق والممارسة العملية هي "الطامة الكُبرى" بالنسبة لهم.

"هند": "إنقاذ المرضى هو مهمتنا الأولى والأخيرة.. عاملوا الناس برحمة لأن ده جوهر مهنتنا".

"بنقضي كل سنين الكلية في دراسة نظرية أغلب الوقت، وبنوصل للسنة النهائية تايهين ومش عارفين نمارس عملي بشكل كبير على عكس برة" تقولها "هند". فبرغم تأكيدها أن الأطباء المقيمين يسعون إلى تعليمهم، لكن الأمر يستغرق وقتًا طويلًا لإنتاج طبيب متميز، ولهذا تحديدًا تعتقد أن الحل في القرار الذي يُناقش حاليًا، بإقرار كُلية الطب 5 سنوات للدراسة النظرية وعامين للدراسة العملية بالمستشفيات "لأنه هيساعدنا نتخرج واحنا مؤهلين للشغل فعلًا مش لسه بنتعلم أو بنجرب".

20180318_121920

بجوار أحد المرضى بقسم الجلدية، جلست الطبيبة "يارا أحمد" تتابع إحدى الحالات التي خرجت لتوها من غرفة الكي. فبرغم انقضاء ساعات عملها الرسمية، أصرت الفتاة العشرينية على متابعة مريضها والجلوس جواره حتى الاطمئنان على سلامته قبل مغادرته.

"مهضوم حقنا" بتلك الكلمات القليلة لخصت يارا وضع الأطباء في المستشفى، كونهم كما تقول غير مُقدرين معنويًا أو ماديًا. فالمعايشة اليومية أثبتت لها أن القاعدة التي تسري "المريض دايمًا على حق" حتى إن كان الواقع غير ذلك. فإذا تقدم أحد المرضى بشكوى يتم تصدير إهمال الطبيب في الصورة برغم إساءة بعض المرضى للأطباء والتعدي عليهم لفظيًا "مبقولش إن كل الدكاترة كويسين وملايكة، بس في أوقات كتيرة بنتبهدل ونتعرض لمواقف صعبة ويتهمونا بالتقصير رغم أننا بنبذل أقصى ما في وسعنا مقابل ملاليم".

"ضعف الإمكانيات" هو مُشكلة الأطباء العُظمى حسبما توضح يارا "بنشتري الجوانتيات على حسابنا الشخصي وبنحتاج حاجات كتير منلاقيهاش.. سلامتنا وأمانا وأمان العيانين مُعرضين للخطر لو مصرفناش عليهم من جيوبنا". رُبما لهذا يتحايل بعض الأطباء على الروتين لإنقاذ المرضى "ساعات بنطلب من المرضى أدوات من برة عشان نقدر نعالجهم بيها، وبعضهم بيحس إننا بنستغلهم ويشتكي، بس الحقيقة إننا بنبقى عاوزين نساعدهم ونسعفهم برغم قلة الامكانيات".

لا تطمح "يارا" بأكثر من معاملة لائقة ومُرتب يعينها على حياة كريمة بعدما أفنت سبع سنواتٍ من عُمرها وسط الكُتب والمراجع الطبية، وأربعة أخرى في علاج المرضى بحُب يتنافى مع الضغط العصبي والنفسي، وبرغم ذلك فالأمل الذي يطل يومياً من أعين المرضى، في قدرة الأطباء على علاجهم يكفيها ويفيض "بحس إننا مينفعش نخذل حد اتشعلق في رقابتنا بأمل الشفا ولو بالنظرة، ويمكن ده اللي مصبرنا على المهنة ومحببنا فيها".

"يارا": "اعملوا عشان ربنا لأن مفيش حد هيديكو حقكو غيره". 

20180318_121926

فيديو قد يعجبك: