جميلة بوحيرد.. نضال فتاة جزائرية يهواها الشعراء
كتبت-رنا الجميعي ومحمد زكريا:
في سنوات النضال بالخمسينيات ظهرت جميلة بوحيرد، كانت شيمتها الجرأة، لذا اتخذت السجن مُستقرًا، فعرفها العالم رمزًا لمقاومة الجزائر في وجه الاحتلال الفرنسي، أنشد فيها الشعراء على طول القُطر العربي، وصلت جميلة لعُمر الثمانين، لكنها مازالت في ذاكرة العرب، واليوم يتم تكريم البطلة الجزائرية من قِبل المجلس القومي للمرأة.
أكثر من 70 قصيدة غنّى فيها الشعراء ببطولة شابة لم تتجاوز حينها عمر الثانية والعشرون، وُلدت جميلة وسط 7 أولاد عام 1935، خلال سنوات الاحتلال الفرنسي الذي بدأ عام 1830، منحتها والدتها تونسية الجنسية درسًا في الهوية، أصّرت رغم التحاقها بالتعليم في مدرسة فرنسية على نشأتها الجزائرية، تمنّت لها أن "الله يقتلك على الحق يا جميلة".
شبّت جميلة بحلم تتشارك فيه مع ملايين الجزائريين، هو زوال الاحتلال، كان هو الغاية والمُنى، ما إن اندلعت الثورة الجزائرية عام 1954 كانت الجميلة" أولى المؤمنين بحق بلدها في امتلاك ناصية القرار، لذا انضمت إلى جبهة التحرير الوطني الجزائرية، وهي في العشرين من عمرها، فصارت على قائمة مطاردات الاحتلال الفرنسي.
كان عام 1957 فيصلًا بالنسبة لجميلة، وجدت رصاصة طريقها إليها أثناء مُداهمة قوات الاحتلال لأحد مواقع المقاومة، وفي السجن بدأ فصل جديد من حياة جميلة، في نفس العام كان الشعر يتخذ من الشابة موضوعًا، ناداها الشاعر المصري "أحمد عبد المعطي حجازي" بـ"قديستي"، فقال فيها "كان اسمها جميلة، أفديه من سمى، الوجه وجه طفلة لم تترك آلامًا، والعين عين ساحرة، مضيئة كحيلة، كأنما اصطادت رموشها الطويلة، من السما نحبها".
في يوليو من العام ذاته، كان موعد الجزائرية مع المحاكمة، حيث وقفت أمام محكمة فرنسية، بقدم ثابتة وعيون مفتوحة، لا تأبه بما ينتظرها من حكم، تعرف أنه سيكون بقسوة المحتل، كانت تعرف أن الحكم سيكون بنهايتها، فما كان منها إلا أن قالت "أعرف أنكم ستحكمون علي بالإعدام، لكن لا تنسوا أنكم بقتلي تغتالون تقاليد الحرية في بلدكم، ولكنكم لن تمنعوا الجزائر من أن تصبح حرة مستقلة".
هل كانت جميلة تعرف أنها تُسّطر بأقوالها وأفعالها شعرًا يفوق ما قيل فيها؟، حيث تغزّل فيها شاعر الحب والمرأة "نزار قباني" سنة 1957، حين قال "الاسم جميلة بوحيرد، رقم الزنزانة تسعونًا، في السجن الحربي بوهران، والعمر اثنان وعشرونًا، عينان كقنديلي معبد والشعر العربي الأسود كالصيف كشلال الأحزان".
بالفعل نطق القاضي بحُكم الإعدام، فما كان من جميلة إلا أنها استقبلت ذلك بالضحكات العالية، فانفجر رئيس المحكمة صارخًا "لا تضحكي.. فالأمر خطير"، كان الموقف ماثلًا أمام عيني الشاعر العراقي "حسن البياتي" حين كتب "ضحكة جميلة"، التي قال فيها "أي ضحكة، فجرّت في فم جلاد حقير صرخة: "لا تضحكي، الأمر خطير"، صرخة تنبض بالرعب، بأحقاد فرنسا الهمجية، أي ضحكة، هزأت بالموت، بالسجن.
صارت الفتاة رمزًا، والرمز دومًا أعلى من صوت صاحبه، مساء الخميس 7 مارس 1958 كتب الشاعر المصري "نجيب سرور" قصيدته عنها، بعنوان "الجمعة الحزينة"، حيث كان الجمعة هو اليوم الموعود بحكم الإعدام، فقال الشاعر "غفرانك فالعين بصيرة، وذراعي يا أخت قصيرة، جدّ قصيرة، والكف بها كلمات عزاء، لا تُجدي في يوم الجمعة".
جاء يوم الجمعة، ولم تُعدم جميلة، كان دويّ قضية الجزائر قويًا بين الدول، في لحظة إلهية مُدّ في عمر سيدة النضال، التي حكم عليها بالسجن مدى الحياة، في الـ7 من مارس 1958، حيث قضت عامين ونصف في سجن سركاجي بالجزائر، قبل أن ترّحلها السلطات إلى فرنسا، ظلت في سجون المحتل على أمل أن تحقق الثورة غاية بلدها، حتى انتزعت الجزائر استقلالها عام 1962، وأطلق سراح سيدة النضال.
تظلّ جميلة إلى الآن صورة قوية مرسومة في ذهن العرب، حين يُذكر النضال وسنوات التحرير تُذكر هي، وكان للشعر أثره القوي في إبقاء تلك الصورة الرومانسية.
فيديو قد يعجبك: