لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

على حافة السجن.. كيف نجت أربع سيدات من قضايا الديون؟

03:21 م الإثنين 26 نوفمبر 2018

أرشيفية

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب-إشراق أحمد ودعاء الفولي:

قبل حوالي عام، حاولت كريمة نبيل الانتحار "كنت زهقت بسبب الديون اللي عليا والوضع المالي"، غير أن الظروف خبّأت لها شيئا جيدًا؛ حين سمعت عن جمعية رعاية أطفال السجينات، كان مبلغ الدين يصل إلى 10 آلاف جنيها، كادت الأم لولدين أن تدخل السجن "بس الناس في الجمعية لحقوني واتكلموا مع الراجل إني أسددهم على شهور".

لم يكن بين كريمة والسجن سوى خطوات، حال العديد من النساء اللاتي أصبحت لهن "حياة جديدة"، استبدلن لقب "غارمات" بـ"سجينات" بعدما كادت الديون أن تهدم أسرهن، لولا أن تداركتهم العناية الإلهية وأيادي القائمين على جمعية رعاية أطفال السجينات، الذين استهدفوا إنقاذ النساء من تنفيذ الأحكام عليهن، مطلقين مشروعًا حمل اسم "حياة جديدة"، أقامت الجمعية حفلا له، الخميس الماضي.

على طاولة جمعت عدد من السيدات اللاتي شارفن على دخول السجن، جلست كريمة. كانت حياة صاحبة الأربعين عامًا مستقرة قبل الديون؛ تُدير رفقة زوجها وشقيقه مصنعاً لإنتاج الحلاوة الطحينية، لكن المكان تم إغلاقه فيما بعد بسبب اتهام شقيق زوجها بحيازة أسلحة، حُوكم شقيق الزوج بعام ونصف في السجن، فيما بات عليها إدارة المكان بمفردها "جوزي مريض قلب ميقدرش يمشي المكان".

اضطرت كريمة أن تكتب وصولات أمانة عدة مرات "كنت بعمل ده عشان أحنا لينا فلوس مع ناس في السوق"، اعتمدت الزوجة على أن الدين سيتم تسديده عقب خروج شقيق الزوج من السجن "لكن الناس اتنكرت ليه ومخدش حقه، ضاع علينا حوالي 50 ألف جنيه".

أفضل ما فعلته الجمعية كما تقول كريمة، هو إقناع الطرف الآخر بالتنازل عن سجنها "كان زماني دلوقتي بعيدة عن ولادي"، بات صاحب الدين أكثر تفهماً "لما عرف إني مكنتش بضحك عليه وافق يقسط لي المبلغ".

دائما ما أحبت كريمة الحياكة، صنعت في منزلها الحقائب وأصلحت الملابس البالية، لذا عندما عرضت عليها الجمعية العمل في نفس المجال وافقت على الفور "حتى عملت شنطة وعرضوها في أكتر من معرض ليهم".

الآن، تستطيع كريمة التقاط أنفاسها قليلاً "روحت لدكاترة نفسيين وبقيت أحسن"، تشعر أن القادم أفضل، تُشير لابنها عبد الرحمن صاحب الـ11 عاما، الذي انضم لكورال الجمعية وفريق كرة القدم بأحد النوادي "أصله نفسه يطلع لاعب كورة"، تدفع عنها ما تبقى من الضيق، وتنظر لمستقبل أكثر إرهاقا، لكن خالي من الاستدانة.

لا تختلف حكاية إنعام محسن عن زميلاتها في الجمعية. كانت الأم لخمسة أبناء ربة منزل، قبل أن يدخل زوجها السجن "بسبب خناقة"، اضطرت حينها لاقتراض المال من أكثر من شخص "مكنتش بكتب ورق على نفسي بس محتاجة أصرف على البيت"، لم يتسن لها الخروج للعمل "عندي أربع بنات وعايشين في منطقة عشوائية، كنت بخاف أخرج وأسيبهم لوحدهم".

حين سُجن زوجها، انقطعت كل سبل المال عن والدة الأطفال، لكنها سمعت عن جمعية قد تستطيع مساعدتها "لما روحت الجمعية قولتلهم عايزة أشتغل"، وجهها العاملون إلى أحد المصانع لتتدرب على الخياطة "قعدت شهر ودلوقتي أقدر أشتغل"، لكنها تنتظر أسابيع قليلة لتفطم ابنتها الصغيرة عن الرضاعة، ثم تخرج لسوق العمل.

"أنا كنت هبلة وفاكرة إني لما استلف من ده وده هعرف أسد"، تراكم الديون عليها كشف لها عكس ذلك، اتفقت مع الدائنين لسد ما عليها بالأقساط، ماتزال تعاني من ضائقة مالية، حتى أن ابنتها الأكبر صاحبة الستة عشر عامًا أرادت ترك دراستها للعمل أيضا "بنتي اتدمرت بسبب اللي مرينا بيه بس أنا مرضتش أخليها تخرج، الحاجة الوحيدة اللي مش هتنازل عنها عن ولادي يتعلموا، مش هيبقى أنا بشقى وهما كمان".

كذلك عانت هناء محمد، قبل عامين انفصلت عن زوجها، تألمت صاحبة الواحد والأربعين ربيعًا مرتين. احتفظ الزوج بأولادهما الثلاثة، فيما تدهورت الأوضاع المادية للسيدة التي لم تعرف أقدامها الطريق إلى العمل وكسب الرزق، وأصبح لِزامًا عليها تسديد الديون "كنت شارية غسالة وتلاجة وسخان بالقسط"، تراكمت الأموال على هناء حتى بلغت 10 آلاف جنيهًا. كانت تقتطع من مصروف المنزل بالسابق، لكن ما عاد هناك ميزانية، وذات يوم رفع صاحب الدين قضية وحكم على هناء بالسجن عامين.

اهتزت هناء. كيف لها أن تتجنب السجن ومن أين تأتي بالأموال؟. جاءها الفرج مع كلمات إحدى الجيران، تقترح عليها الذهاب إلى جمعية تسمى "رعاية أطفال السجينات" الكائنة في منطقة الدقي.

كالغريق المتشوق لطوق نجاة، ذهبت السيدة لمقر الجمعية، وبعد تقديم كل الأوراق المطلوبة من مستندات القضية وشهادات ميلاد أبنائها، تعهد القائمون على المكان بمساعدتها، وخلال شهر تحررت هناء من ديونها وتم التنازل عن القضية.

دخل السرور إلى قلب الأم، وزادت فرحتها بعدما طالبت زوجها بعودة أبنائها إلى حضانتها، ثم أصبح شاغلها الأكبر العمل، ليتذلل ذلك الأمر أيضًا "الجمعية علمتني صناعة الصابون وجابولي الخامات وبقيت شغالة معاهم". صار للسيدة دخل تنفق منه، وتغيرت حياتها "مبقتش محتاجة لحد ولا مستنية حاجة من حد"، تمتن هناء لأوقاتها داخل المكان، خاصة بعدما عاد بالخير على أبنائها.

جلست هناء بين مجموعة السيدات اللاتي حضرن حفل ختام مشروع "حياة جديدة"، الذي أقيم الخميس الماضي. تبتسم بينما تنظر لصغارها المشاركين في كورال أطفال الغارمات "بقوا يعملوا أنشطة ويحبوا الدراسة"، تُوضح الأم كيف تدهورت الحالة النفسية لابنها الكبير، سيد، حتى أنه رسب في بعض المواد.

"كان كل يوم يعدي عليا بقول لو مُت يبقى أحسن" كذلك مرت الأيام على نورا حسن، منذ علمت بشأن القضية التي حكم فيها بالسجن عليها 6 أشهر. كان ذلك في فبراير المنصرف حينما علمت بأن البنك الذي اقترضت منه مع مجموعة من النسوة مبلغًا لسد احتياجات أبنائهم.

تقول السيدة إنها استدانت لأجل أولادها، خاصة أنها لم تعرف لها حرفة تعينها على الحياة والانفاق على أسرتها، وزوجها المريض الذي لا يقدر على العمل، أما الآن فأصبحت نورا تمارس الحياكة بعدما تعلمت في الجمعية، وتبدل الهم إلى الحمد على النجاة، وإيجاد ما ينفق على أطفالها الأربعة.

فيديو قد يعجبك: