"عيش" و"صلاة" و"مدرسة".. رجاء منصور تمزج القديم والحديث في معرض فني بالأوبرا
كتبت-دعاء الفولي:
دائما ما أحبّت رجاء المنصور التاريخ. وجدت في حياة المصريين القدامى تفاصيل مُبهرة، وأصابها الحزن حين أحست أن المصريين الحاليين ابتعدوا كثيرا عن تقاليد أجدادهم، وباتت عاداتهم دون هوية واضحة، لكن بمزيد من البحث اكتشفت الطبيبة أن الهوية ماتزال موجودة في أشياء متعددة، لذا أرادت تجسيد ذلك داخل لوحات فنية، تجمع بين القديم والحديث.
في قاعة زياد بكير بدار الأوبرا المصرية، امتدت ثماني لوحات لرجاء منصور. تحمل كل واحدة منهم حكاية مختلفة، مزجت الطبيبة بين ما رُسم على جدران المعابد وبين العادات الآنية، اختارت الأنثى عنصرا أساسيا في معرضها "الجذور الممتدة" الذي بدأ 18 نوفمبر الجاري، وينتهي اليوم.
"اختيار الأنثى كان مهم عشان يثبت إن القدماء المصريين كانوا حاطينها في مكانة مرتفعة جدا ودة متنافي مع اللي بيحصل حاليا، لحد دلوقتي الستات مش واخدة حقها بشكل كافي"، تقول رجاء.
لم تعتمد الطبيبة على مزج العادات فقط؛ بل ومزجت الأدوات أيضا، ففي إحدى لوحاتها كان العنصر الأساسي هو "المشط" المستخدم في تصفيف الشعر، فيما كُتب جانبها نبذة عن ذلك "من أقدم الأمشاط التي وُجدت أمشاط منحوتة من الخشب والعظام، واستخدمت المصريات قديما أمشاط غاية في الجمال، ودبابيس شعر، ومرآة يد مصنوعة من المعادن"، فيما زيّلت ورقة المعلومات بأمثلة مصرية قديمة عن المشط.
قبل عام بدأت رجاء في العمل على المعرض "كنت قبلها بفترة بشوف المعابد المختلفة المصرية بس مكانتش الفكرة اتكونت في دماغي"، ما ان اختمرت الفكرة باشرت الطبيبة الرسم، عاشت الحكايات التي قرأتها من جديد، استعانت بالانترنت لاستعادة الجداريات التي شاهدتها في المعابد وبحثت في كتب التاريخ القديم، رغم ذلك فقد احتاجت بعض اللوحات منها مجهودا أكبر "عشان أفكر إزاي أمزج العناصر القديمة والجديدة من غير ما شكل اللوحة يبوظ، دة حصل معايا في لوحة الصلاة".
تلك اللوحة هي الأقرب لقلب الطبيبة؛ جمعت فيها بين تفاصيل الصلاة عند الأجداد "لما دورت لقيت إن كان عندهم ركوع وسجود مع اختلاف المعتقدات، وكان عندهم إله لكل حاجة"، حتى أن المؤرخ هيرودوت قال في القرن الخامس قبل الميلاد إنهم من أكثر الشعوب تديّنا.
مع التمعن في التفاصيل زاد شغف الطبيبة بالرمزيات الدينية القديمة "مثلا الإله ماعت كانت سيدة وترمز للحق والعدل، رسموها وعلى رأسها ريشة متساوية الأطراف تماما عشان تمثل التساوي"، أما الأذن فقد استخدموها في الحفر والرسم لتؤكد أن الإله يسمعهم إذ يعبدونه.
ردود فعل جيدة استقبلتها رجاء بعد المعرض، لكن أكثر ما أحبته كان تعليق إحدى العاملات في دار الأوبرا "قالت لي إن لوحة العيش جميلة، فكرتها بأهلنا في الصعيد"، خبز العيش هو فكرة إحدى لوحات المعرض؛ فقد كان قديما عماد الوجبات المصرية، حتى أنه كان يُعطى أحيانا كأجر للعمال "ومايزال ده الوضع الحالي ساعات.. عشان كدة حاولت أرسم اللوحة كأنهم أسرة مصرية كبيرة بتخبز"، كما كان للخبز أهمية كُبرى في الحياة الأخرى، لذا يوجد كثيرا على جدران المقابر.
ذلك المعرض ليس الأول لرجاء، فمنذ عامين أقامت واحدا في دار الأوبرا، بالاشتراك مع أطباء آخرين. لم يشمل "جذور ممتدة" عادات اجتماعية فقط؛ بل شملت لوحتين عن تعليم البنات؛ في الأولى جمعت بين فتاتين تُمارسان مهنة الهندسة، أما في الثانية فصوّرت مدرسة البنات قديما وحديثا، تلك الأخيرة لمست رجاء بشكل شخصي "مدرستي الثانوي كانت شبه أجدادنا من حيث التزامنا واحترامنا للزي المدرسي، رغم إني كنت في تعليم حكومي".
فيديو قد يعجبك: