لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

في سوق الجمعة.. "البلاك فرايداي" طول السنة "بس الناس مبتشتريش"

07:25 م الجمعة 23 نوفمبر 2018

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-دعاء الفولي:

أسفل جدار مقبرة قديمة، رتبت "أم إبراهيم" الملابس في انتظار المشترين، اعتادت ألا ترفع سعر القطعة الواحدة عن عشرة جنيهات "وإلا محدش هيشتري". في سوق الجمعة بمنطقة السيدة عائشة، وفيما يهرع المشترون اليوم لتخفيضات "الجمعة السوداء" العالمية، تستمر الأسعار الزهيدة داخل سوق الجمعة طوال العام، ورغم ذلك، لا يُلاقي المكان إقبالا ضخما.

يُقام سوق الجمعة أسبوعيا بمصر القديمة، يمتد على مساحة شاسعة، يضم كل شيء؛ الحيوانات، الملابس، الخُردة، والأثاث، يلجأ له الناس للشراء بأسعار أرخص من الخارج.

ظهر التأفف على وجه "أم إبراهيم" صاحبة الخمسين عاما، تُشير لقميص مُعلق قائلة "بقول لزبون بعشرة جنيه قاللي هرجع لك ومجاش لحد دلوقتي"، يختلط صوتها بنبرة ضيق "أنزّل السعر عن كدة إيه، لو راح العتبة هيلاقيه بـ100 جنيه"، تعتبر السيدة نفسها غير خبيرة في الملابس "لما زوجي اتوفى اضطريت أشتغل عشان كدة فيه حاجات مكنتش عارفة إنها غالية وبعتها بالرخيص"، تحاول دفع الندم عنها "بس أنا بصرف على 2 بناتي اللي متطلقين ولازم أرجع بفلوس".

صورة   1

تعرف جيهان جابر تخفيضات "الجمعة السوداء" جيدا "المحلات اللي بنروحها بعتولي رسايل خلال الأيام اللي فاتت عشان الخصومات"، لكنها فضّلت قضاء اليوم في السيدة عائشة.

لا تُحب جيهان التسوق من مكان واحد فقط "هنا في سوق الجمعة فيه حاجات مش موجودة في محلات الماركات"، تحكي عن الأحذية الرياضية قائلة "جبت لابني من ماركة معروفة واتقطعت برضو فقلت طب ما اشتري من هنا بربع السعر مادام كله بيبوظ".

بشكل دائم تزور جيهان سوق الجمعة "بشوف ناس هنا بسيطة ماديا بس بتنقي حاجات كويسة وبتقيفها ولا أجدعها محل، المهم اللي يعرف ينقي، مش الماركة"، غير أنها أيضا لا تغفل المحلات الشهيرة "بروح وقت الخصومات ودة بيحصل طول السنة مش لازم ازنق نفسي في الزحمة".

عام 1869 مرت الولايات المتحدة الأمريكية بأزمة مالية ضخمة، اضطرت المحلات بسببها لتخفيض أسعار البضائع للتغلب على الكساد الاقتصادي. تلك التخفيضات بدأت في الجمعة التالية لعيد الشكر بأمريكا، والذي يأتي أواخر نوفمبر من كل عام، حيث تكون الشوارع والمتاجر مزدحمة بشكل مُلفت، ومنذ أعوام قليلة انتقلت عدوى التخفيضات للوطن العربي، خاصة التابعة لماركات عالمية.

"الجمعة السوداء" مصطلح يعرفه عمرو عدلي جيدا؛ يرتبط عنده بالسوق، إذ يتعين عليه حجز مكان من السادسة صباحا "وفي الآخر لنبيع لمنبيعش"، لا يتاجر الشاب العشريني في ملابس مرتفعة الثمن بشكل ضخم "عندي جواكت بخمسين جنيه وبرة بتتباع بـ200"، يُشفق رغم كل شيء على حال الزبائن، يتكلم معهم بحكم عمله "واحد قاللي الخمسة جنية اللي انت مش هتخصمهالي دي ولادي أولى بيها وسابني ومشي".

"الفصال" مع المشترين ليست الأزمة الوحيدة "ساعات الحكومة بتيجي تقولنا ادخلوا جوة"، يسأل الشاب "فين الشوارع اللي هتساعنا جوة؟"، يتمنى مرور يومه بسلام، وأن يبيع ولو جزء مما معه.

في المقابل، فهم محمد عُمر طبيعة السوق "أغلى حاجة عندي بـ150 جنيه، أكتر من كدة برجع بيها". وقف الرجل الأربعيني أمام فرشة تحوي أزواج متعددة من الأحذية. الظروف أجبرته على الانضمام للسوق "كنت بشتغل في مجال التجارة بس فلّست"، يحاول بناء نفسه من جديد "جبت شوية أحذية وأديني بنزل كل أسبوع من سبع شهور"، يلمس الأب تغيرا ملحوظا في إقبال الناس "اللي اشترى امبارح مش هيجيب انهاردة، الأسعار بتعلى وبالتالي حتى لو جزمة دايبة هيلبسها غصب عنه".

عقب الواحدة ظُهرا، خفتت الحركة قليلا في السوق، لذا خرجت سها كريم رفقة ابنها للتسوق. لا تشتري ربة المنزل كل ملابس الأسرة منه "لبس البيت أكتر والسراويل الداخلية"، حين تعقد مقارنة بين الأسعار ترجح كفة سوق الجمعة، رغم ذلك لا تزوره بشكل دوري "جوزي موظف، مبنقدرش نشتري هدوم كل فترة وفلوسنا رايحة على تعليم الولاد التلاتة"، لذا تُركز الوالدة عند النزول على "الهدوم اللقطة".

في شارع جانبي، ارتكنت نبيلة أحمد إلى الحائط، بحوزتها بعض الأحذية. لم تسمع السيدة الخمسينية عن تخفيضات الجمعة السوداء، لا يعنيها ما يحدث خارج محيط السيدة عائشة "حتى لما بنزل أتفرج على الأسعار بتبقى مقاربة لهنا، مليش دعوة بالجزم أم خمسمية جنيه دي"، لا يتعلق الأمر فقط بالزبائن الذين لن يشتروا سلعة غالية "أنا كمان على أد حالي، عشان كدة بقول خلينا في الحنين ملناش دعوة بالمحلات الكبيرة".

صورة   2

عانى الموجودون داخل السوق اليوم مرتين بسبب الأمطار، أبعد الباعة بضاعتهم حين هطلت المياه في الصباح الباكر، ثم تكرر الأمر عقب الظهر، لذلك لملم معظمهم ما معه وقرر العودة من حيث جاء، فيما كانت خسارة سميرة عبيد مضاعفة.

خرجت الأم من منزلها لهدفين "أبيع حاجة معايا وأشتري لولادي". حين فرزت السيدة الثلاثينية ملابس الشتاء "لقيت جاكيت مش بستخدمه فقلت إحنا أولى بفلوسه"، كمن وجد كنزا خرجت به، عرضته على إحدى البائعات، فأخبرتها أن ثمنه لا يزيد عن عشرة جنيهات، اُسقط في يد الوالدة "انا قلت هستفيد بالفلوس دي"، في المقابل، لم تشترِ سوى قطعة واحدة بـ60 جنيها لابنها "تي شيرت أهو ملوش لزمة وغالي، لما هنا وبالسعر ده اومال نجيبه من برة بكام؟".

فيديو قد يعجبك: