"على أد لحافك اشتري الكتب".. الميزانية تتحكم في "جيوب" زوار المعرض
كتبت- دعاء الفولي ورنا الجميعي:
تصوير- محمود بكار
بين عام وآخر يبقى موسم معرض القاهرة الدولي فرصة لمُحبي الكتب، وفُسحة تأتيهم لشراء ما يريدون. ولأن الأسعار ترتفع دائمًا، يحاول المترددون على الحدث وضع ميزانية مُعينة، تحميهم من إطلاق العنان للبذخ؛ بعضهم اضطر لرفعها ذلك العام لتوائم احتياجاتهم، وآخرون لجأوا لسور الأزبكية أملا في أسعار أقل.
في إحدى مكتبات المعرض كانت دعاء حسين تدور حول نفسها، تُمسك 3 كُتب، تقلبهم ذات اليمين واليسار، تقفز الحيرة من عينيها "مش عارفة أشتري إيه وأضحي بإيه". لا تُفوت الشابة التي تعمل بالترجمة المعرض أبدًا، تستعد له ماديًا بشكل كبير "بحوش طول السنة وباجي أصرف الفلوس بنفس راضية".. تقول ضاحكة.
تضع دعاء ميزانية تتراوح بين 1500 إلى 2000 جنيها قبل الزيارة، كان ذلك الرقم يكفي احتياجاتها عادة "ببقى عاملة قايمة بالحاجات اللي لازم تتجاب"، تشتري إصدارات عديدة مترجمة، ما يقضي على جزء كبير من الميزانية، وذلك العام ازداد الأمر سوءً "جبت كتاب واحد بس بـ500 جنيه.. كدة ربع الفلوس راحت".
تضطر الشابة لاقتراض المال أحيانًا من والدتها أو والدها "بيبقى غصب عني عشان في كُتب في المعرض مش هعرف أطولها بعد كدة"، كما أنها تتنازل عن الكثير من الرفاهيات طوال العام "وآخر شهر قبل المعرض بتقشف حرفيًا عشان أضمن إن يبقى معايا فلوس زيادة لو احتجت كتاب حلو".
لا تعلم دعاء كيف ستسيطر على الميزانية خلال الأيام القادمة، لاسيما وأن المعرض بدأ لتوّه "هحاول أعيد ترتيب الأولويات عشان موقعش حاجة وربنا يستر وعيني متزوغش على كتاب كدة ولا كدة".
في المقابل لا يضع الطبيب محمد السعدني حدًا لميزانية المعرض. لا يتشتت مثل البقية، ينزل الأب الثلاثيني رفقة ولديه وزوجته كل عام "عشان عارفين إن الأسعار بتغلى فبنشوف ونشتري".
تعرف الأسرة أهدافها بسهولة، لا يشتري السعدني سوى كتب لأطفاله فقط، ما يهوّن الأمر عليها كثيرًا "الموضوع محصور جدًا".
طيلة حياته التي عاشها بالقاهرة كمواطن سوداني، لا يُغيّر كمال الدين الوسيلة عاداته، ينتظر موسم الكُتب سنويًا، ترى هيئته داخل سور الأزبكية كمُثقّف عتيق، وجهه الأسمر يؤصّل لتاريخ عريق يربط بين مصر والسودان، يحمل ظهره حقيبة يضع فيها الكُتب.
بين الكتب القديمة يقف كأنه صاحب مكان، يعرف جيدًا أين يبحث عن اهتماماته "تاريخ وسياسة وفلسفة"، قدمه لا تنجذب لأيًا من أجنحة المعرض، وجهته الرئيسية هي السور فحسب، فيما تستقر ميزانيته على رقم مُحدد، لا يتغير مهما تبدّلت الأوضاع الاقتصادية "حوالي 100 جنيه".
لا ينقطع كمال الدين عن المعرض، يذهب يوميًا إلى سور الأزبكية، يُفتّش بين بضاعة الكتب الكثيرة على ما يهمّه، لا يعرف معنى للفصال، فالغنيمة لديه هو وصوله للكتاب المُراد، ودفع ثمنه دون الدخول في معارك صغيرة.
أمام رف للكتب الإنجليزية في سور الأزبكية أيضا، يقف حسام رجب، يُركّز في عناوينها، يُدرك أن أسعار تلك الكتب مهما ارتفعت لن تصل لسعر ما دفعته جيوبه منذ قليل "اشتريت كتاب واحد بـ200 جنيه"، يهتم رجب بمجالي التنمية البشرية والمصريات، هو العامل كمرشد سياحي.
في رحلته السنوية إلى المعرض يعدّ رجب ميزانية تصل إلى 500 جنيه، يتجّه نحو المجالات التي تهمّه غير عالم بأسعارها، لكن آثار التعويم التي وصلت إلى سوق الكتاب في مصر "السنة دي عشان أعرف أشتري لازم يبقى معايا فوق الألف جنيه".
على أحد المقاعد المنتشرة بمعرض الكتاب جلس ابراهيم عراقي، أمامه وضع حقائب ملآى بالكتب، يبدو كأنها استراحة مُحارب، فيما ينتظر زوجته التي ذهبت لإحدى دور النشر المجاورة.
في فخر يحكي عراقي عن مداومته الذهاب إلى معرض الكتاب "متعود آجي من 20 سنة"، من الفيوم يجيء عراقي ليوم واحد فقط، يصف نفسه بـ"المتخصص في قراءة كتب القرآن"، وكذلك أسرته.
يدرك عراقي ارتفاع أسعار الكتب التي يبحث عنها، يُشير لإحدى المجلدات التي اشتراها "يعني دا مثلا بـ500، المجلد الواحد بس"، لا يضع عراقي ميزانية مُحددة للكتب، كما أنه لا يعرف الأسعار قبل التوجه للمعرض "بتفاجئ بتغير في الأسعار"، بالنسبة له لا يرى أنها أزمة كبيرة لأنه مُدمن قراءة "بشتري الكتاب مهما كان غالي"، فيما يخطر بباله أن ارتفاع الأسعار أزمة تطول محدودي الدخل.
فيديو قد يعجبك: