لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"داخليًا وخارجيًا".. الثورة تحاصر "منة الله"

11:31 ص الخميس 25 يناير 2018

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- فايزة أحمد:

انقضت أيام الثورة، وجاءت أخرى مليئة بأحداث جسام، ظهر أُناس غير هؤلاء الذين ألفتهم لحظات الميدان، ذلك الذي لم يتبق منه سوى ذكريات طُبعت آثارها على جسد "منة الله" ولم تبرحه حتى الآن، إذ إنها اعتادت اشتداد الألم في ذراعها وظهرها صباح كل جمعة وتحديدًا في التوقيت الذي تلقت فيه الضربة، وكأن الذكرى تأبى على الفراق.

مازالت تتذكر "منة الله" أحداث ذلك اليوم جيدًا، حيث كان الحماس يغمر القلوب، والنفوس متحفزة لحدث كبير غير معلوم الأبعاد، لكن المخاطرة كانت مؤكدة وظلت نصب الأعين طيلة أيام أُطلق عليها لاحقًا "ثورة يناير"، تلك التي لم تكن تدركها التي هرولت في ذيل والدتها عقب أن فرغ المصلون من أداء صلاة "جمعة الغضب"؛ بحثًا عن أحد أقاربهم الذي يُقيم معهم في المنزل؛ لمنعه من المشاركة في أي تظاهرات ضد النظام آنذاك، لكنهما لم تعثرا عليه، لتجدا بدلًا منه مسيرات غاضبة لم يبذل مشاركوها أي مجهود لجذبهما "أول لما شوفنا المسيرات نسينا كل الحاجة ولقينا نفسنا بنهتف مع الناس".

ما إن وصلت هذه المسيرة قرب مسجد عمر مكرم"، حتى انهال الضرب والركل عليهم من كل جانب، فأخذت الفتاة العشرينية نصيبها منه، حتى انكفأت على وجهها، لتنكسر ذراعها المُلبدة بالخرطوش جراء طلقات من جانب الشرطة، فيما حاول بعض رفاقها نجدتها عن طريق جرها من الذراع نفسها، مما تسبب في قطع "الضفيرة العصبية"، التي تسببت في أن توقف ذراعها عن الحركة تمامًا، لتبدأ فصلًا آخر لم تعهده سابقًا من العمليات الجراحية" عملت أكتر من 15 عملية في ضهري ودراعي"، لكن ثمرة هذه العمليات كانت "خرجت على كرسي متحرك بسبب عملية في ضهري".

كانت آخر رحلة ابنة منطقة الضاهر" مع العمليات الجراحية، تلك التي أجرتها خلال شهر أكتوبر الماضي في ذراعها بـ(88 غرزة) وشمت جانبًا إلى جانب أعلى ذراعها، لطالما أخبرها الأطباء أنه لن يفد معهن إجراء أي عمليات تجميلية، تشير إليهن ضاحكة "واخدين شكل التاتو"، لكن ذلك لم يحزنها " دا شرف.. هوريهم لولادي وأقولهم أمكم كانت مناضلة"، وهو السبب نفسه الذي جعلها تحتفظ بثلاث طلقات خرطوش في ظهرها أُصيبت بها يوم الإصابة "لحد النهاردة بفضل أصرخ بصوت عالي من شدة الألم كل جمعة، كأن لسه متصابة من ساعات، وأروح المستشفى وأحيانا يدخلوني العناية المركزة". .

لم تكن الأسرة في حال يسمح لها أن تُرجع سبب هذه النوبة التي تصاب بها ابنتهم التي لم تُكمل عامها العشرين وقتذاك، إلى العامل النفسي، لكنهم توجهوا إلى أحد الأطباء المُتخصصين "الدكتور خالد عبد الحميد هو اللي لاحظ أن الموضوع دا بيحصل في وقت الإصابة الأصلية" تبتسم "منة الله" خجلًا ثم تُكمل "أنا عنيدة ومكنتش بحب أقول إن طول الوقت بفتكر اللي حصل خصوصًا يوم الجمعة".

بعيون لامعة وابتسامة لم تفارق تقاسيم وجهها، تفتخر بإصابتها رغم الصعوبات التي تواجهها في انجاز مهامها اليومية على الكرسي المتحرك "صحيح كل حاجة في البلد بتقولك إحنا مش عاوزينك.. بس أنا أقدر أعمل كل حاجة"، انطلاقًا من هذا المبدأ التي تضعه أمامها دائمًا، رفضت التعويضات المالية التي عُرضت عليها من قِبل صندوق مصابي الثورة، لتقبل بوظيفة في وزارة السياحة "أنا واحدة طول الوقت بحب الحركة.. ما بحبش أنام".

لم تتوقف الفتاة العنيدة -كما يلقبها أصدقاؤها- عن التفتيش عن الأمل الذي وجدته بداية في تعلم العزف على الجيتار "أنا مش عارفة أنا موهوبة في إيه.. فبحاول أدور على موهبة لنفسي"، إلا أنها لم تستمر في ذلك سوى شهرين فقط "المكان اللي كنت بروحه كان في دور أرضي فكنت بعرف أروحه بالكرسي، ولما نقلوا كان في الدور الرابع فكان صعب عليا أروح وبطلت"، لكنها مازالت تبحث عن شيء تتعلمه ربما لا تدرك ماهيته، غير أنها على قناعة بشيء واحد "أنا اتصبت في جسمي بس عقلي لسه شغال".

"ناس كتير لما بتعرف أن الإصابة كانت في الثورة بتتغير المعاملة وأحيانا بيتقال تستاهلوا"، لم تسلم "منة" من هذه التعليقات حتى من بعض أفراد العائلة "فيه منهم اللي بيلومني إني نزلت"، لكن ذلك كله لم يغير من وجهة نظرها في شيء "برغم كل اللي حصلي عمري ما ندمت أني شاركت في الثورة؛ لأنها أشرف وأنضف حاجة اتعملت في البلد دي.. ولو الناس مش شايفة كدا دلوقتي الأجيال الجاية هتعرف دا"، غير أن هذه القناعة لم تمنع عقلها كلية عن التفكير الذي قد يجعل إحساسًا بالإحباط يتسلل إليها "صحيح الواحد مش ندمان على اللي حصل.. لكن الموضوع مش سهل".

يتضخم هذا الإحساس لديها حين تختلي بنفسها دون أن تكشف عنه لأي من المقربين إليها "لازم أفكر في الحال اللي وصلت له الثورة، والأحداث كلها اللي حصلت والناس اللي مات قدامنا واللي متصابين زينا"، لم يتوقف ضجيج عقلها عند هذا الحد؛ بل يمتد إلى "وإصابتي.. بسأل نفسي وأقول وبعدين!"، لكنها سرعان ما تُعيذ قلبها من هذه الوساوس، لتكمل طريقها التي جعلت عنوانه "خلى الأمل أسلوب حياتك"، تلك الكلمات التي كتبتها على دفترها الخاص بتعلم الموسيقى "الثورة كانت أمل.. وعندي أمل أرجع أقف على رجلي من تاني وأمشي، وأعمل مشروع".

ما تيسّر من "نور" الثورة.. 7 سنوات على فقدان بصر محمد دومة

 

ضيف مؤلم.. الإصابة تصنع من "السويسي" بطلا للثورة

أول طبيب ميداني لـ"يناير": الثورة أحلى "غلطة" في حياتي

الثورة تكمن في الكاميرا وعين "سعداوي"

أحمد سمير.. "إصابة أخفّ من ثورة"

فيديو قد يعجبك: