لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

ضيف مؤلم.. الإصابة تصنع من "السويسي" بطلا للثورة

11:50 ص الخميس 25 يناير 2018

السويسي

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب-محمد مهدي ودعاء الفولي:

تصوير- محمود أبو ديبة:

على كرُسي مُتحرك، جلس حمادة السويسي أمام حمام السباحة بنادي البنك الأهلي، خلع ملابسه استعدادًا لبدء السباحة، فظهرت جروح عديدة لم تندمل في بطنه، صدره، وجانبي جسده. حين يُسأل عن سرها يُجيب بابتسامة "مُصاب ثورة، وليا الفخر" قبل أن يقفز بحماس داخل الحمام لبدء تمرينه الأسبوعي.

منذ حوالي 5 سنوات، يمضي السويسي يومه بين العلاج الطبيعي في مستشفى العجوزة للقوات المسلحة، وتدريب السباحة ورياضة القوس والسهم، محاولا الانتصار على إصابته المزمنة في 28 يناير، داخل شقته القريبة من المستشفى يُقيم الشاب وحيدا، يزوره الأقارب أو الأصدقاء أحيانا، لكن أثر "يناير" لا يفارقه.

حين سمع ابن محافظة السويس عن التظاهرات، دفعه الفضول إلى الشارع، قبل أن يصيبه حماس يوم 25 يناير؛ شعر صاحب التسعة عشر عاما وقتها أنه يستطيع رفض ما يُنغص عليه معيشته وعائلته "كنا معرضين طول الوقت للإهانة، بنخاف من أي أمين شرطة لأننا هنتبهدل وهنتجر على القسم"، خرج للتظاهر يوم السادس والعشرين ثم في جمعة الغضب التي حملت له حكاية مختلفة.

في محيط قسم السويس ساد الخوف، تحرك السويسي بحذر مع أبناء عمومته في شارع إبراهيم فرج القريب من القسم، لم يتخيل أن الخطورة ماتزال قائمة "كانت دبابات الجيش نزلت فقولنا الثورة نجحت خلاص" قبل أن تنهال عليهم النيران بشكل عشوائي من مبنى الشرطة. لا يتذكر الشاب من المشهد سوى أكشاك الخبز الخشبية التي انتزع باب أحدها ليحتمي به، ثم سقطة سريعة على الأرض وسخونة تسري في جسده.

1

"الكلام بتاع الأفلام إن الواحد بيدوخ وبعدين يقع دة كدب.. أنا خدت الرصاصة ومدرتش بالدنيا"، أصابته طلقة عيار 9 ملي في ظهره "بتاعة ظابط.. لما خرجوها سلمناها للشرطة"، كسرت الرصاصة عدة فقرات، وحرقت جزءًا من أعصاب الحبل الشوكي. في لحظة الإصابة كاد باب الكشك يسقط فوقه "بسنده بإيدي اليمين جاتلي الرصاصة التانية فيها". غاب الشاب عن الوعي تماما.

حكى شقيق السويسي له فيما بعد عن أيام الإصابة الأولى "جريوا بيا من مستشفى الأمل في السويس لمستشفى الجامعة في الإسماعيلية، وهناك قضيت أسوأ 16 يوم في حياتي عشان عرفت إني مش همشي تاني".. تم إنقاذ حياة ابن السويس، لكن إصلاح العظام استلزم نقله للقاهرة.

بينما يتحرك في أروقة المستشفيات، تهامس المحيطون بالشاب عن يناير بصورة سيئة وأنها سبب ما جرى له من ألم وعجز ليرد: "دا نصيب، وشرف إني كنت في الثورة، وعلى الأقل الدولة اتكفلت بعلاجي واتعملي مجلس مخصوص ليا ولكل مصابين الثورة".

وقع اختيار الأطباء على مستشفى الحلمية للقوات المسلحة، حينما وصل الشاب وجد اهتماما بالغا "الدكاترة قالولي إنك أول مصاب ثورة تيجي عندنا"، إلا أن المفارقة حدثت حينما اكتشف أن طبيب العظام الذي يعالجه هو أحد أطباء الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك "الموضوع كان مضحك.. بس الدكتور ده من أكفأ الأطباء في مصر وده اللي كان فارق معايا".

انقسم العامان التاليان في عُمر السويسي بين العمليات الجراحية؛ واحدة لإصلاح الضرر في العمود الفقري، أخرى لتنظيف يده، ثالثة لرتق الحالب الأيمن الذي اخترقته الرصاصة، رابعة لانتزاع قطع العظم من جسده وتركيبها في يده لسد الفراغ، ثم خامسة وسادسة حتى وصل المجموع النهائي إلى 21 عملية، بينما سؤال وحيد لا يفارق عقله "هو انا بعد كل ده هخفّ وأمشي تاني؟"، كانت الإجابات تأتيه دائما بـ"الأمل لسة موجود والطب بيتقدم، بس انا كنت عارف إن مفيش علاج لسه".

داخل تلك الدوامة أيقن السويسي أن مرضه يتحكم في كل شيء، ما عاد يتابع الثورة ولا تفاصيل السياسة "مكناش ملاحقين"، لكن حبل الود بينه وبين يناير ظل موجودا، لم تقطعه الرصاصة الطائشة، ولا اتهام المتظاهرين بالـ"التخريب".

بداية عام 2012، انتقل الشاب لمستشفى القوات المسلحة بالعجوزة، وبعد 8 أشهر وصله الخبر اليقين "خلونا نستوعب إن مفيش علاج أو عمليات لزراعة الخلايا الجذعية على مستوى العالم" كانت الحقيقة قاسية، غير أنه استقبلها برضا تام، قبل أن يتلقى الخبر الصادم بانتهاء مدة علاجه وضرورة مغادرة المستشفى.

إلى أين يذهب؟ كيف يمكنه البدء من جديد؟ دارت الأسئلة في عقل السويسي، خشي من الحياة خارج جدران المستشفى "في النهاية نفذوا القرار، مشينا بس خدنا مبلغ وشقة في أكتوبر كتعويض".

في بيت العائلة بالسويس، مر الشاب العشريني باختبار قاسٍ لنحو عام، كانت الصدمة والتأقلم ومحاولة استيعاب الحياة الجديدة رفاقه، زحف الاكتئاب على قلبه، ملأ الاحباط روحه، لكن نقطة نور وجدت مكانا داخله، اتسعت لتنقذه في الوقت المناسب، قاد ثورة ضد نفسه، رياح يناير رافقته مرة أخرى "قلت وبعدين؟ لازم أرجع، أعمل حاجة بحبها، وأكمل علاجي الطبيعي عشان حالتي متكونش أسوأ".

2

بالقُرب من مستشفى العجوزة، اتخذ السويسي سكنا له برفقة أحد مصابي الثورة، استمر في العلاج الطبيعي، تحسنت حالة قدمه اليسرى، ويده المصابة، عثر على مقعد مُتحرك رياضي تمنحه مؤسسة الحسن "اشتغلت وقتها في مجلة" ثم تحمس لتعلم السباحة ورياضة القوس والقرص.

لم يعد السويسي يهتم بما يدور في عالم السياسة بمصر "يعني مفيش حاجات كتير اتغيرت عن زمان"، كلما تحسس جروحه يُدرك أنه ساهم في حدث تاريخي "يكفينا إننا وقفنا قدام الفساد والظلم، وقدرنا نمشي رئيس بقاله 30 سنة، يعني شجرة لها جذور قوية بس نجحنا وشلناها".

لم تمضِ إلا 3 أشهر، حتى أجاد السويسي السباحة، ثم انضم إلى عالم السباقات "بتسابق مع ناس عندهم نفس الحالة أو حاجة مشابهة ليها" حصل على المركز الثالث في مسابقته الأولى داخل نادي الصيد، فيما تفوق برياضة القرص والقوس بنادي الرماية بالقوات المسلحة ويستعد لبطولة الجمهورية "لعبت 3 بطولات وخدت 3 ميداليات".

ما كان للسويسي أن يتهم الثورة زورا. حين تحل ذكراها السنوية تختلط مشاعر الفخر والحزن بداخله "هي حدث عظيم بس بسببها مات ناس واتصاب غيرهم"، يضع يده المصابة فوق قدمه اليُمنى "الحياة بعد الرصاصة مختلفة.. مهما كنا بنحاول نعدي وراضيين بس هتفضل مختلفة.. الأحلام نفسها بتتغير".

كان السويسي طالبا بكلية نظم المعلومات في السويس، يحلم بالسفر خارج مصر. حصل على شهادته الجامعية أثناء رحلة العلاج لكن السفر صار مستحيلا، رغم ذلك لا يندم على مشاركته، ينوي أن يحكي عن الثورة لأبنائه "هقولهم إن فيه حاجات معجبتناش لما كنا شباب وحاولنا نغير، حتى لو مفلحناش بس حاولنا"، يسرح بعينيه بعيدا "صحيح الثورة معلّمة فينا نفسيا وبدنيا.. بس يمكن تكون من أفضل الحاجات اللي عايشناها".

 

ما تيسّر من "نور" الثورة.. 7 سنوات على فقدان بصر محمد دومة

أول طبيب ميداني لـ"يناير": الثورة أحلى "غلطة" في حياتي

الثورة تكمن في الكاميرا وعين "سعداوي"

"داخليًا وخارجيًا".. الثورة تحاصر "منة الله"

أحمد سمير.. "إصابة أخفّ من ثورة"

فيديو قد يعجبك: