أحمد سمير.. "إصابة أخفّ من ثورة"
كتبت- رنا الجميعي:
تصوير- روجيه أنيس:
يتذكّر ما حدث كأنه البارحة، يشرح بالتفصيل جُغرافية المكان الذي وقع فيه مُضرجًا بدمائه، رغم مرور سبع سنوات على طيف حُلم لاح في الأجواء، مازال أحمد سمير يحمل إصابته داخل جسده، غير أنه لم يعد يؤمن بمعنى الثورة.
على مدار سبع سنوات كان الخرطوش صديقًا لسمير، صار متآلفًا مع أعضاء جسده، مُسالمًا لم يمس أيًا منها فيضرّه، إذا نظر أحد لسمير لن يرى شيئًا، فلم يبق سوى ندوب صغيرة تُذكره بثورة قامت ذات يوم.
يتذكر سمير جيدًا كيف حدثت الاصابة، طلقتان جاءتا من ورائه بميدان التحرير، يوم جمعة الغضب، لتُصيباه فيقع على الأرض "كنت مرعوب ومش فاهم حصل ايه"، بينما ظنّ المتظاهرون من حوله أنه قد اختنق من الغاز "فضلوا يرشوا عليا بيبسي وخل"، حتى أدرك الناس أنه مُصاب فحملوه إلى المستشفى الميداني "هناك الدكتور قالي انت واخد خرطوش في دراعك وضهرك".
الخرطوش كان قدر سمير خلال أيام الثورة الأولى، أما قبلها فقد تعرّض للسجن أكثر من مرة، تعددت أنشطته السياسية إلا أن علاقته بعُنف الشرطة لم تتعد بضع هراوات، كانت كلمات مثل خرطوش ورصاص مطاطي جديدة في قاموسه. في يوم جمعة الغضب، الموافق 28 يناير 2011، دخل الخرطوش جسد سمير ولم يغادره.
بالنسبة لسمير لم يتشّكل معنى الثورة قبل 2011، كانت أقصى أمنياته حينها هي أرجحة كفة الميزان المائلة تجاه العهد البائد "كنت عايز البرادعي يكون موجود في المعادلة دي، وتحصل انتخابات بدل ما الكلام عن جمال مبارك بس"، لكنه فرك عينيه من النوم مساء الثلاثاء، 25 يناير 2011، مُديرًا إحدى القنوات التليفزيونية يُذاع عليها لقطات حية من ميدان التحرير.
"ساعتها حسيت بالغدر".. تلك اللحظة التي لم يحلم بمثلها، جاءت أثناء ساعات نومه المُعتادة بعد انتهائه من الامتحان بكلية الآداب، لم يُصدّق سمير يومًا أن ثورة ما ستحدث بمصر رغم دعوته إليها، هو العضو بجماعة شباب من أجل العدالة والحرية، "كنت مقنتع إن مصر مش تونس"، مُلقيًا المزحات تجاه أصحابه المشاركين في المظاهرات الداعية لها "كنت بقولهم اخركوا هتبقوا ألف واحد ويتقبض عليكم، وهاجي أقف عند النائب العام عشان يخرجوكم".
لم يستوعب سمير ما يحدث "كنت حاسس إني في عالم موازي"، ردّه إلى الواقع أن ما يراه موجود بالفعل أمامه على شاشة التلفاز، سُرعان ما قرر النزول، لكن المُكالمة القادمة من أصدقائه المُشاركين هناك حذرته "اوعى تيجي الشرطة بتفض الميدان".
في اليوم التالي أنهى سمير امتحانه، ثُم اتجه إلى اجتماع لعدد من الحركات السياسية لتنظيم مُظاهرات جمعة الغضب "مجموعتي كانت طالعة من الطالبية"، وحينما حان الموعد كانت الاتصالات قد قُطعت، ليجد سمير نفسه وحيدًا "مكنتش عارف اروح على الجامع ولا اعمل ايه"، كانت الخطة المقررة هي وجود ستة شباب معًا، غير أن سمير ذهب بمفرده.
داخل المسجد يتذكّر سمير خطبة امام الجمعة عن المُخربّين في البلاد، تعتريه أفكار كثيرة؛ هل يهتف وحيدًا؟ هل سيناله غضب المصلين؟، مع الانتهاء من الصلاة كان قد قرر الاستعانة بحديث لرسول الله "عن سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه، فقتله"، لكنه لم يجد الفرصة "لقيت الجامع كله بيهتف".
في تلك اللحظة وجد سمير نفسه أنه لم يعد مُندسًا "الموضوع كان بقى أوسع من خيالي"، فقد تحوّل الجميع إلى مطالبين بإسقاط النظام، والهتاف للعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، وداخل الجمع سار سمير نحو ميدان التحرير، حتى جاءت إصابته بالخرطوش، يتذكر الشاب مساعدة المتظاهرين له للصعود إلى سيارة تصطحب المُصابين إلى قصر العيني الفرنساوي"مكنش فيه الا عربية اسعاف واحدة"، وفي المستشفى أدرك سمير أن إصابته بسيطة.
لا ينسى سمير تأوهات المُصابين داخل قصر العيني، العسكري الذي دهسته مدرعة بالخطأ، ثُم مات بعد وصوله بدقائق، وآخرون فارقوا الحياة مُنتظرين فرصتهم في التداوي، كان القدر رحيمًا به "صحيح كنت حاسس بوجع رهيب"، فرغم انتشار بلي الخرطوش بطول ذراعه ونصف جسده تقريبًا "بس مسببش التهابات ولا كان في أماكن حيوية في جسمي"، وكانت نصيحة الطبيب هي الراحة وأخذ الدواء فحسب.
إلى الآن يُمارس سمير حياته بشكل عادي، رغم ألم يوخزه من وقت لآخر حينما تتحرك إحدى تلك الكُرات الصغيرة، لكن لم ينتج عنها أي مُضاعفات، يُدرك سمير أن آخرين دفعوا أثمانًا باهظة من حياتهم لأجل ثورة لم تحقق أهدافها، بعد سبع سنين من تلك الفترة يتذّكر كيف كانت لحظات تُشبه السحر "زي كأنه عالم مثالي مكنش حتى في أحلامي"، مازال يؤمن بقُدسية الثورة، لكنه لا يؤمن باحتمالية تكرارها "لو عايزين تغيير فعلا لازم يبقى فيه تغيير سياسي بالتدريج".
ما تيسّر من "نور" الثورة.. 7 سنوات على فقدان بصر محمد دومة
ضيف مؤلم.. الإصابة تصنع من "السويسي" بطلا للثورة
أول طبيب ميداني لـ"يناير": الثورة أحلى "غلطة" في حياتي
فيديو قد يعجبك: