من داخل كردستان العراق.. فرحة ممزوجة بضابية في انتظار الاستفتاء
كتبت - فايزة احمد:
قبل نحو ثلاثة أشهر، اتفق مسؤولون بحكومة إقليم كردستان مع أحزاب سياسية كردية على إجراء استفتاء للاستقلال عن العراق، لطالما ظل الأكراد على مدار عقود من الزمن يناضلون من أجل هذا المطلب، حتى جاءت ثمرته بإقرار الحكم الذاتي لهم بحلول عام 2005، ليعلن مسعود بارزاني رئيس الإقليم، عن موعد إجراء هذا الاستفتاء في الخامس والعشرين من الشهر الجاري، وهو ما يوافق اليوم، وسط ضباب واضطراب داخلي، ورفض وانتقادات من قِبل المجتمع الدولي والإقليمي.
كان للإعلان عن هذا الاستفتاء أن يُصيب الحكومة العراقية برئاسة حيدر العبادي بغضبٍ شديدٍ، تجلى ذلك في رفض مجلس النواب بأغلبية مطلب الأكراد الذين يقدر عددهم بنحو عشرة ملايين نسمة، ويمثلون ما يتراوح بين 17 و20 بالمئة من سكان العراق، مما أدي إلى تباين بآرائهم التي انقسمت إلى؛ مؤيد لبارزاني، ومتخوف مما ستؤول إليه الأمور في الإقليم بينهم وبين العرب.
يتبنى وجهة النظر الأولى "كوران شاكر"، أحد سكان عاصمة الإقليم "أربيل"، والبالغ من العمر (40 عامًا)، ذلك الذي تتملكه حالة فرح عارمة، لكونه سيشهد "الاستقلال حلم جدي ووالدي رحمهما الله.. الحمد الله إنه سوف أكون حاضر في هذا اليوم العظيم"، ما جعله يستعد منذ الصباح الباكر برفقة أبنائه للذهاب إلى الاستفتاء "إحنا مستعدين.. الشعب الكردي كله مستعد".
في انتظار خطاب بارزاني الذي سيلقيه مساء اليوم، بدأ الرجل الكردي، الذي لديه قناعة بأن الاستفتاء سيُقام برغم قرار المحكمة العليا بالعراق بتأجيل موعد إجرائه، بتزين سيارته التي يتكسب منها قوت يومه بأعلام إقليمهم "غدًا يوم عيد بالنسبة لنا.. سوف نخرج بالملابس الجديدة على مناطق التصويت".
على بعد بضع كيلو مترات من أربيل، يعمل "فارس النوري" البالغ من العمر (35عامًا) معلمًا داخل إحدى مدارس محافظة "دهوك"، حيث اتخذ قراره برفقة زوجته التي تعمل في المهنة ذاتها، بأن يتوجها إلى الاستفتاء ليصوتا بـ"نعم" يبرر ذلك بـ "حال الاستقلال سكان الإقليم راح يرتاحوا أكثر، راح يأخذون حقوقهم بالكامل خاصة إذا كان باستطاعتهم أن يبيعوا نفطهم بأنفسهم ليوزعوا أمواله عليهم".
تنحصر أسباب تأييد المعلم الكردي وزوجه للاستفتاء في الأحوال الاقتصادية التي يعاني منها سكان الإقليم؛ لما تنتهجه الحكومة في بغداد من تعنت معهم خاصة فيما يتعلق بحصصهم من عائد النفط ورواتبهم" زوجتي معلمة لغة كردية.. كانت تستلم 800 ألف دينار بالشهر صارت تستلم 400 ألف فقط.. يعني الرواتب صارت النص، ذلك بالتزامن مع استمرار الغلاء".
كباقي أهالي المحافظة يضع الرجل الثلاثيني كامل ثقته في رئيس الإقليم برغم ما وصفه بـ"الضغوطات الدولية" التي تُمارس عليه "مهما قالوا وعارضوا وأجلوا سوف يجرى الاستفتاء لأن الرئيس بارزاني قال لن نؤجل أبدًا"، الأمر الذي جعلهم يبدئون احتفالاتهم حتى قبل إعلان النتيجة "لوتشوفوا الشارع الكردي، واستعدادات الكل بتوفير كل وسائل النقل والمواصلات مجانًا للموطنين لتنقلهم من منازلهم إلى مراكز الصناديق".
على عكس أربيل ودهوك، تضطرب الأجواء داخل المحافظة الثلاثة والأخيرة للإقليم "السليمانية"، حيث اتخذ عضو حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني" الذي رفض ذكر اسمه، قراره بالمقاطعة كمعظم سكان محافظته الذين لازالوا في حيرة من أمرهم "إن قلت أنا مع وحدة العراق قالوا عني خائن، وإن قلت أنا مع انفصال كردستان قال عني العرب خائن".
لدى عضو الحزب الذي يرأسه جلال الطالباني الرئيس الثاني للعراق عقب الغزو الأميركي، قناعة تامة بأن الأحوال داخل بلاده لن تبشر بالخير حال تحقيق الاستقلال؛ نظرًا لأنه على دراية بما وصفه بـ"التشتت" الذي أصاب القوى السياسية الكردية في الوقت الراهن، حتى وصل إلى حزبه الذي اتخذ قرارًا أصابه بصدمة شديدة "حزب اليكيتي-الاتحاد الوطني الكردستاني رافض هذا الاستفتاء سرًا ويؤيده جهرًا خوفًا على سمعته بين الشعب الكردي؛ لأن شعار الحزب هو الاستقلال وتقرير المصير".
كباقي أهل كردستان بأكملهم، ينتظر ابن محافظة السليمانية، خطاب بارزاني ويُمني نفسه بـ"يمكن يأجل أو ينصاع لقرار المحكمة العليا بالعراق.. من أجل حقن دماء الأكراد" هؤلاء الذين إن اختلفوا في كل شيء يجتمعون حتمًا على حمل السلاح في وجه من يقول لهم لا، بحسب قوله.
لم تستقر المخاوف داخل الإقليم فقط، بل امتدت أيضًا خارجه خاصة في مدينة "كركوك" الغنية بالنفط الذي تديره حكومة كردستان متجاوزة في ذلك الحكومة ببغداد، وذلك منذ أن وقعت تحت سيطرة قوات البيشمركة التي تحكمت في المدينة عقب انسحاب القوات العراقية إثر هجوم مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية عليها في عام 2014.
داخل مركز شرطة "قضاء كركوك"، يجلس "قاسم الجبوري" رجل الشرطة، منشغلًا الذهن بمصيره حال ألت المدينة التي ولد بها إلى كردستان ونصب أعينه عما أحدثه الرئيس الأسبق صدام حسين فيهم بحلبجة عام 1988، حيث قام بضربهم بالأسلحة الكيماوية "الأكراد لم ينسوا ما حدث بحلبجة، ونتيجة لذلك سيكون مصيرنا الطرد من بيوتنا لو آلت المدينة لهم".
كانت لهذه الواقعة أن تجعل "الجبوري" دائمًا يظن أنه سيكون مصيره في نهاية المطاف ترك مسقط رأسه، مرجعًا ذلك إلى" نظام صدام جعل الأكراد يكرهون العرب صاروا ما يثقون بينا حسبونا كلنا على أننا تابعين لحزب البعث".
برغم أن الرجل الأربعيني العربي بن العربي كما يحلو له وصف نفسه، مؤمنًا أن من حق الأكراد المطالبة بالاستقلال، إلا أنه يدرك أن عليه أن مواجهة الواقع المر "لا نعرف بغداد تعطينا الراتب أو الإقليم يعطينا أو لا يوجد راتب من الأساس.. أفكر هل شهر القادم أخذ راتب.. ماذا أعمل إذا مانطونا راتب".
فيديو قد يعجبك: