100 يوم من حجب المواقع.. ماذا يحدث في بلاط "صاحبة الجلالة"؟
كتبت-رنا الجميعي ودعاء الفولي:
منذ أسبوعين توقفت شيماء فؤاد، المحررة الثقافية بموقع محيط، عن العمل "تم تبلغينا بأننا في إجازة مفتوحة بدون راتب حتى حل الأزمة". ولم تعد إدارة الموقع تحتمل الخسارة المادية، تحديدًا الخاصة بموقع كورابيا الرياضي الذي يدرّ ربح لنفس الشركة التابع لها محيط.
في الرابع والعشرين من مايو الماضي، تم الإعلان عن حجب 21 موقعًا، بسبب تضمنها "محتوى يدعم الإرهاب والتطرف ويتعمد نشر الأكاذيب"، حسبما صرّحت مصادر "رفيعة المستوى" لوكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية. ضمن تلك المواقع "موقع قناة الجزيرة القطرية، جريدة الشعب، موقع عربي 21، مصر العربية، و غيرها". إلا أن الأمر لم يتوقف عن ذلك الحد.
بعد موجة الحجب الأولى، انضمت مواقع أخرى مثل مدى مصر، نون، محيط، البداية، البديل، بالإضافة لموقع جريدة دايلي نيوز إيجيبت والبورصة، واللذان تصدر منهما نسخ مطبوعة. وبلغ عدد تلك المنصات حتى الآن حوالي 131 موقعًا، طبقًا لمؤسسة حرية الفكر والتعبير، التي نشرت تقريرًا مُفصلًا عن الحجب. ورغم ارتفاع عدد المواقع، غير أن خطوة الحجب مازالت مجهولة المصدر.
مصراوي حاول رصد تفاصيل الواقعة بعد مرور قُرابة مائة يوما على الحجب.
مازال محمد سيد، صحفي الفيديو بموقع مصر العربية، يذكر قرار الحجب كأنه بالأمس؛ وقتها اتفق على التصوير مع أحد المصادر "وتاني يوم موقعنا اتحجب فالناس اعتذرت". منذ ذلك الحين تقلص عمل الصحفي بشكل كبير، ليقتصر على الفيديوهات الأرشيفية، المصنوعة داخل المكان.
حالة من خيبة الأمل راودت جمال عبد الرحيم، عضو مجلس نقابة الصحفيين؛ فعقب الرابع والعشرين من مايو تم عقد اجتماع داخل النقابة حضر فيه النقيب عبد المحسن سلامة. طالب أعضاء المجلس بضرورة البحث في الأزمة "والنقيب كان رده إنه هيتواصل مع الجهات الرسمية وهيكون فيه نتيجة بعد عيد الفطر" لكن شيئًا لم يحدث، فيما يضيف عبد الرحيم باستياء أن جهة واحدة لم تُفصح حتى الآن عن قيامها بخطوة الحجب.
طبقًا للمادة 211 في دستور 2014، فإن المجلس الأعلى للإعلام هو من ينظم عمل الصحف والوسائل الإعلامية. غير أن ثمة استثناء يحدث حين إعلان الطوارئ، كما هو الحال في مصر. وتُتيح المادة 3 من قانون الطوارئ رقم 162 لرئيس الجمهورية إعطاء أمر شفوي أو كتابي بمراقبة الصحف والنشرات والمطبوعات والمحررات والرسوم وكل وسائل التعبير والدعاية والإعلان قبل نشرها وضبطها ومصادرتها وإغلاق أماكن طباعتها.
ذكر الكاتب الصحفي مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس الأعلى للإعلام، في اتصال لمصراوي أنهم يتواصلون مع "أجهزة" ونقابة الصحفيين لحل الأزمة، وبمحاولة معرفة ماهية تلك الأجهزة قال "كل جهة تقدم لينا معلومة للتحقق من مصادر أموال تلك المواقع".
وفي سؤال للكاتب الصحفي عمن بيده سلطة الحجب، أوضح أن "القرار بيد الهيئات اللي بتدي التصاريح لعمل المواقع"، نافيًا تصريحه الذي تحدث فيه عن حجبها بدعوى تضمينها محتوى يُدعّم الإرهاب "لم أقل ذلك ولن أقوله إلا إذا توفر لدي الأدلة التي تثبته"، مؤكدا أنه تم النظر في عودة أربعة مواقع للعمل "وذلك من خلال التأكد من مصادر تمويل المُلاك"، وكذلك البت في شكوتين آخرتين مُقدمتين. ولم يُحدد رئيس المجلس أسماء تلك المواقع، لكنه شددّ على امتلاكها مكاتب داخل مصر.
ولم يعُد للعمل من المواقع المحجوبة إلى الآن سوى عدد قليل جدًا، ضمنه "نون" وموقع "ميديام" الخاص بالكتب.
24 ساعة فقط هي مُدة حجب موقع نون، المُهتم بشئون المرأة. أثار ما حدث تعجب ساندرا وديع، مديرة مشروع نون النسائي "ولا عرفنا اتحجب ليه ولا رجع ليه". لكنها تعتقد أن "خلطًا" قد حدث، إذ يتشابه اسم الموقع مع آخر محجوب وهو نون بوست.
يبقى "الحذر الشديد" هو مُفتاح التعامل مع ما يحدث، حسبما يقول الكاتب الصحفي، ياسر عبد العزيز، وذلك "حتى لا يتم حجب مواقع لا تُروج للإرهاب كما حدث بالفعل". ورغم أن الخبير الإعلامي يُقدّر "الوضع الاستثنائي" الذي تمر به الدولة، "لكن شفافية الجهات الرسمية ضرورية أيضًا", وفقا لعبد العزيز.
لم يكن الحجب أزمة مُصور "مصر العربية" بقدر تأثير القرار على اسم المكان "حتى لو رجعنا بعدين هنبقى خسرنا جزء من جمهورنا"، حيث أصدر مسئولو الموقع تعليمات صارمة للمحررين بعدم نزول الشارع إلا في أضيق الحدود "الخطر بقى أكبر خاصة إن ظباط الشرطة عارفين إن الموقع محجوب" حسبما يقول صحفي الفيديو، كما قلّص المكان رواتب الصحفيين، لحين تحسن الوضع.
دفع رواتب العاملين هي المعركة الحقيقية التي يواجهها موقع جريدة الدايلي نيوز إيجيبت، حسبما يقول رئيس التحرير التنفيذي، عماد السيد "كل اللي بيشتغلوا في الدايلي هم شركاء في الفكرة".
يُذكر أن الدايلي موقع وصحيفة يومية تصدر منذ عام 2005، معتمدة من هيئة الاستثمار والمجلس الأعلى للصحافة، ونشر فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي مقالين، الأول عام 2014 والثاني 2015، ورغم التحفظ على أموال الشركة عام 2016 بدعوى تبعيتها لجماعة الإخوان المسلمين، إلا أن قرار الحجب الأخير فاجأ رئيس التحرير، إذ يتساءل "فين إعمال القانون؟، بعد التحفظ لم يأتي حتى مراقب مالي وإداري يرى المؤسسة".
قدّمت الدايلي نيوز دعوى للقضاء الإداري ضد قرار التحفظ، أما الحجب فيقول السيد "مش عارفين نطعن ضد مين بشأنه"، كما أنهم يتواصلون بشكل دائم مع نقابة الصحفيين والمجلس الأعلى للإعلام "وعدونا بحل المشكلة".
بالطبع أثّر الحجب في أعداد الزيارات لـ"دايلي نيوز"، لكن ليس بشكل كبير حيث يُمثل الأجانب 60 في المئة من زواره خارج مصر، فيما يحاول القائمون عليه التجاوز بنشر الموضوعات كاملة على فيسبوك، إلا أن ذلك لا يحقق نفس القدر من الجماهيرية.
خلال الشهور الماضية، لم يتوقف متابعو مواقع التواصل الاجتماعي عن اكتشاف طرق جديدة لتخطي الحجب، لكن تظل تلك الممارسة حديثة على المصريين، حسبما يؤكد الباحث الرقمي، محمد طاهر.
وتُعتبر خاصية الـVPN هي الأبرز في خضم محاولات الوصول للمعلومة، ولذلك يضيف طاهر أن الحجب سواء في مصر أو بالخارج لم يُفضِ إلى المنع النهائي "استهلاك المواد الرقمية بقى حاجة أساسية للبني آدميين في العالم كله، وعشان كدا تلقائيًا بيكتسبوا مهارات للتجاوز بسرعة".
بالمِثل يسعى أصحاب المواقع لتخطي الحجب؛ بتغيير اسم النطاق المستخدم "كتير من المواقع لجأت لتغيير النطاق المحتوي على خوادم تابعة لجوجل بحيث إن تم حجبها يعني بالضرورة حجب خدمات جوجل"، كما لجأ آخرون إلى نشر كامل المحتوى على فيسبوك أو أحد خدمات التدوين غير المحجوبة.
لكن ذلك لم يمنع تأثر زيارات الموقع بالسلب "هما خسروا الجمهور القادم من محركات البحث" حسبما يقول طاهر، مُشيرًا إلى أن الشبكات الاجتماعية لا تتيح الأرشفة والتصنيف وسهولة الوصول للمحتوى القديم، أو إمكانية جيدة للبحث.
لم تتضح بعد ملامح ما يحدث أو ما ستؤول له الأمور. يقول رئيس "الأعلى للإعلام" إن نقيب الصحفيين هو حلقة الوصل بين المجلس والمواقع، فيما يعتبر الكاتب ياسر عبد العزيز أن "الأعلى للإعلام" هو المنوط به التدخل لحل الأزمة بين المواقع وأجهزة الدولة، وفي خضم هذا وذاك اتخذ محمد سيد وشيماء فؤاد طريقين مختلفين للتأقلم.
لا يُريد سيد التخلي عن "مصر العربية" في الوقت الحالي "انا لسه موجود بس بدور على شغل تاني في حين إن فيه زمايلنا اضطروا يمشوا من المؤسسة". أما شيماء فبعد حصولها على إجازة مفتوحة من محيط، تُفكر في التوجه لمجالات بعيدة عن الصحافة، لكن عقلها لا يُطاوعها. تشعر الشابة بغضب شديد، بينما تقول "مع السلامة لحرية الصحافة".
فيديو قد يعجبك: