لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

حوار- أشهر "مصري" في البرازيل: مواجهة "العنصرية" بالتسامح جعلت مني "قدوة"

04:25 م الثلاثاء 29 أغسطس 2017

أشهر مصري في البرازيل

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت - إشراق أحمد:

هجر كلية الحقوق، انجذب للعمل في المطاعم، وجد في نفسه "شيف" وليس محاميًا، وضع حلمه بأن يكون صاحب مطعم شهير، بذل من أجله قرابة نصف عمره وغربة عن الوطن، لكن بين ليلة وضحاها، بات محمد علي عبد المعطي قناوي، أشهر مهاجر في البرازيل.

قبل أيام قال "قناوي" لزوجته "لو مت دلوقت هبقى مبسوط لأن ابني هيبقى فخور بيا وأهلى هيبقوا فخورين بيا وأنا سعيد باللحظة دي"، امتنان أحاط بنفس الشاب المصري بينما حصل على شهادة "مواطن شرف" من البرلمان البرازيلي. الجميع ينظر لتكريمه على أنه رد اعتبار بعد ما تعرض له من اعتداء عنصري من قِبل بائع برازيلي، فيما تُسر نفسه إحساس أن ما ناله نتاج "كل السنين اللي اشتغلت وتعبت فيها".

كان "قناوي" في المرحلة الثانوية حين خاض مضمار العمل، ذهب إلى الإسكندرية "واشتغلت في مطاعم البيتزا والكريب"، شيء ما جذبه للعمل مع الطعام ليس لكسب المال فقط، حتى ظل يراوده بعدما التحق بكلية الحقوق، فانصرف عنها بعد دراسة 3 سنوات، واتخذ قرارا بشق طريقه نحو حلم طاف به "يكون عندي مطعم خاص بيا"، دارت قدماه في الإسكندرية وشرم الشيخ، شرب "الصنعة" وبات محترفًا حتى حقق حلمه مع استقراره نقل عمله إلى السويس قبل نحو 16 عامًا.

امتلك ابن محافظة البحيرة مطعمًا للبيتزا في السويس، تزامن ذلك بعد عام من أحداث ثورة الخامس والعشرين من يناير، ظن ابن الثلاثة والثلاثين ربيعًا أن الأحوال استقرت مع سير العمل، غير أن المقادير شاءت بما لا يريده " في 2013 وقت لما حصل حظر تجوال على السويس 3 شهور حلمي اتدمر" يقول "قناوي" لمصراوي، موضحًا أنه كان عليه دفع إيجار 4 آلاف جنيه وهو ما ضاقت به الظروف، ودفعته لإيجاد وسيلة لمعاودة الحلم، فهاجر الشاب إلى البرازيل.

1

في التاسع من أغسطس الجاري، مضى "قناوي" نحو عمله المعتاد منذ نحو عام ونصف في مدينة ريودي جانيرو، أخذ عربة مشروعه للطعام السوري، التي منحها اسم " Tanda Arabe" أو الخيمة العربية. استقرت الأوضاع الاقتصادية نوعًا ما بعدما اضطر لتخفيض سعر الأطعمة عن 10 ريال برازيلي، تماشيًا مع الحالة التي شهدتها البرازيل عقب رحيل رئيسها ديما روسيف.

قرر "قناوي" في ذلك اليوم أن يقف عند الشارع الرئيسي، في تقاطع قريب من منزله، انتقى مكان خالٍ من الباعة المتواجدين في محيطه، كانت الأجواء طبيعية حتى تقدم نحوه بائع برازيلي قائلا له في غضب "أنتو قاعدين هنا ليه أحنا بقالنا 15 سنة مأخدناش رخص..." كلمات متسارعة يصوبها الرجل تجاه "قناوي" فيما يحاول الأخير تمالك أعصابه، بينما يلحظ زميل للشخص الغاضب يصور المشهد.

سريعًا تطور الحدث؛ شعر الشاب المصري أن الأمر يتجاوز "خناقة بياعين"، جواره برازيلي يبيع شرائح اللحم ولم يتعرض لما يلقاه، كذلك باءت بالفشل كل محاولة منه لتوضيح أنه لا يملك رخصة لكن ما يسمى "بروتوكول" –رقم انتظار العمل- وأنه يعد مواطنًا برازيليًا يملك إقامة دائمة، كلها سقطت أمام ردود البائع "أنتوا إرهابيين بتقتلوا الأطفال.."، وذهابه وعودته بصحبة أخرين يحملون العصي، ويشرعون في ضربه وسط تجمع الناس من بينهم فتاة أخذت تصور ما يحدث بعدما سبب الشد والجذب في سقوط الطعام من عربة "قناوي".



هدأت الأمور بعدما حضرت الشرطة والبلدية إلى المكان، وهرب الباعة المتعدين على "قناوي"، فيما رفض الشاب الثلاثيني عمل محضر "لو عملت كده مكنتش هعرف اشتغل تاني في الشارع وممكن أضرب بالنار ومحدش يجيب حقي" كذلك حدثه عقله، قبل أن يلملم بضاعته ويذهب بها بعيدًا، مكملًا يومه، حتى عاد لمنزله، يضيق صدره مما جرى له للمرة الأولى، وظن أن الأحوال انصلحت، فأخبر زوجته "خلاص هنسيب هنا ونروح البرتغال".

مكث "قناوي" في منزله يومان، ابتلع فيها حزنه، وأمعن التفكير في الرحيل عن البرازيل بعد ثلاثة أعوام من الإقامة، التقى فيها بزوجته البرازيلية، وانجب ابنه "علي" -3شهور- في ذلك الوقت كانت الفتاة التي التقطت ما حدث بهاتفها نشرت "الفيديو" على وسائل التواصل الاجتماعي، ومنه إلى الإعلام؛ ذاع صيت "قناوي" دون أن يعلم.

2

عاد الشاب المصري إلى عمله، وقف على الناصية الأخرى من الطريق، حيث لا يتواجد باعة، مر اليوم تلو الأخر يبيع بمعدل معقول حتى اكتمل أسبوع "الناس بقت تقف تحضن فيا وتقول لي أحنا أسفين"، تعجب "قناوي" متسائلا "الناس دي كلها شافت الحادثة؟"، إلى أن اتضح الأمر بإخبار فتاة له أن الواقعة منتشرة على فيسبوك، شاهدها الملايين، وهناك فاعلية داعمة له مشارك فيها الكثير.

لم يستوعب "قناوي" تبعات الموقف حتى جائه مندوب من البلدية يقدم له اعتذار رسمي، ومن بعده توافد الإعلام البرازيلي "يصوروا معايا في البيت والشارع"، ثم يلقاه عمدة ريودي جانيرو، ويمنحه رخصة العمل التي لا يحصل عليها أحد بسهولة ويختار مكان وقوف عربته كما يقول صاحب الثلاثة والثلاثين ربيعًا، وتحين الفاعلية الداعمة التي أسسها له برازيليون يوم 19 أغسطس الجاري " كان يوم عظيم من بعده الشغل كويس والناس بتيجي على المكان".

3

ظن الشاب المصري أن الضجة المحيطة به انتهت لهذا الحد، قبل أن يتعرف على شخص يعمل في مجال التسويق، أخذ يبحث عنه على فيسبوك لمساعدته، حتى وصل إليه ودار بينهما حديث لم يغفل حلم المطعم، ومن ذلك البرازيلي انفتح الطريق أمام حملة تبرعات لدعم "قناوي" وصلت حتى الآن إلى 13 ألف ريالا برازيليا حسب قوله، وكذلك دخول البرلمان عبر أصدقاء للعامل في مجال التسويق، لينال تكريمًا أشبه بوسام شرف كرد اعتبار له عما وقع.



ذاع صيت "قناوي" في ريودي جانيرو، حتى أن زملاء البائع البرازيلي "المشاكس" جاءوه معتذرين، والتقطوا معه الصور، فيما تم إلقاء القبض على الرجل المعتدي على الشاب المصري بعد أربعة أيام من اختبائه، اكتسب ابن محافظة البحيرة صداقات عدة، بينها صاحبة الفيديو الذي تسبب في شهرته.

"تنام وتصحى تلاقي نفسك مشهور الموضوع جديد عليا الصراحة" كذلك يعرب "قناوي" عن حاله. مئات الرسائل تصله عبر فيسبوك، ما بين الاعتذار والدعم، تتواصل معه المراكز الحقوقية والجامعات لإلقاء كلمة، التبس على البعض الأمر في كونه لاجئ "سوري"، حتى لقبه البعض باسم "محمد السوري" رغم توضيحه أن له جذور سورية ترتبط بوالدته، لكن أبيه مصري، إلا أن "قناوي" يعتبر الأمر منحة، لاسيما بعدما قرر البرلمان البرازيلي مناقشة تعديل قانون اللاجئين عقب واقعة الاعتداء عليه.

4

وصل ما تعرض له "قناوي" متأخرًا إلى مصر، قبل أيام عبر الجرائد البرازيلية، لكن الشاب المصري حرص أن يخبر أسرته في البحيرة، كي يطمئن قلبهم، خاصة أن تعليقات كثيرة في بلده نالت من رد فعله وقت الحادث ضاق صدره من بعضها "اللي كان بيقول مضربتهوش ليه ورديت عليه"، حزن من اعتبار موقفه قلة حيلة، فيما كان لا يريد أن يتورط وهو يعلم أن الموضوع "عنصري"، وكان ذلك الموقف الذي عاب البعض عليه ما منحه التكريم "في البرلمان كانوا بتكلموا أن تصرفي المتسامح يتمنوا يشوفوه من كل برازيلي".

اختلفت أيام المصري المقيم في البرازيل، لم تعد تقتصر على العمل من السابعة صباحًا وحتى السادسة مساءً، صار عليه أن يرتدي عباءة المحامي التي هجرها ويتحدث عن السلام، ويؤكد على أن ما حدث ما كان ليقع على أي شخص، يعد "قناوي" نفسه لإلقاء كلمة اليوم في إحدى الجامعات البرازيلية، فيما تحيط به هالة من المحبة يمتن لها، بينما يخطط لكيفية توسيع مشروعه حتى يبلغ حلمه بامتلاك مطعمًا تجوب فروعه كل دول العالم.

فيديو قد يعجبك: