بعد ارتفاع تسعيرة الكهرباء.. مواطنون: الشركة بتغير شرائح المحاسبة دون علمنا
كتب – مصطفى فرحات ونانيس البيلي
قبل 9 أشهر، كانت "دعاء" ربة منزل تتعامل بنظام العداد الكهربائي في شقتها بمحافظة بورسعيد، ولم تكن فاتورة الكهرباء تتخطى 500 جنيهًا، قبل أن يحدث عطل بعدادها وتطلب من شركة الكهرباء إصلاحه، لتقوم الشركة باستبداله من نفسها بـ"الكارت الذكي" ويخبرونها بأنه لن يختلف عن العداد، لتعيش بعدها واقعًا مراً، تتكبد فيه أكثر من 2000 جنيه لشحن الكارت، فيما ترى أنه يفوق أضعاف استهلاكها الحقيقي "مكناش نعرف إنهم هيجيبولنا الداهية ده، بس قالولنا مصر كلها هتحطه بس بالتدريج".
"ارتفاع في أسعار تسعيرة الكهرباء بداية من شهر يوليو الحالي" أعلنه الدكتور محمد شاكر، وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، خلال مؤتمر صحفي الشهر الماضي، مشيراً إلى أنه سوف يتم المحاسبة بداية من أول أغسطس التسعيرة الجديدة، على أن يكون أول فاتورة كهرباء يتم التعامل بها من خلال الأسعار الجديد أول شهر أغسطس القادم.
"استهلاكنا كأسرة طبيعي جداً" تقول "دعاء"، أنها تشحن بـ200 جنيهًا، تستهلكهم في عدد قليل من الأجهزة الكهربائية وهي غسالة وثلاجة و2 تكييف أحدهما يعمل معظم اليوم ويعمل الآخر فترة النوم فقط، لكنها تُفاجئ أن الشحن سرعان ما ينفذ قبل مرور 3 أيام "نلاقي الشحن فضي والكهرباء تتقطع علينا ونروح شاحنين تاني وهكذا".
صاحب مخبز : "أفكر في اغلاقه .. والكارت خراب بيوت" .. وربة منزل : "خايفين تكون الحكومة بتمهد لزيادات جديدة"
"ساعتان" هما فترة السماح التي تحصل عيها "دعاء" من شركة الكهرباء لتقوم بشحن الكارت مرة آخرى، وخلال ذلك الوقت تستخدم الكهرباء لتجد عند شحنها الكارت الجديد أن مبلغ كبير تم سحبه "نيجي نشحن بـ100 جنيه مثلا نلاقي 50 جنيه طارت تمن الساعتين اللي أخدناها بآثر رجعي".
"والدتي جالها انهيار والله" تقول "دعاء" عن رد فعل والدتها بعدما تفاجأوا في أول مرة بتكبدهم مبلغ 2000 جنيه فقط للكهرباء، وتشير إلى أنها ذهب للشركة شاكية من المبلغ، ليزيدها رد الشركة غضبًا "قالولنا ده الطبيعي وانتو استهلاكم زيادة، واتحطيتوا في شريحة عالية عشان عندكم تكيفين"، تصمت قليلاً وتضيف أن معظم المنازل الآن تمتلك تكيفين وأكثر "خاصة إنه فيها شباب وبنات يعني طبيعي مش هيناموا في أوضة واحدة".
عدد من الحلول طرحتها شكرة الكهرباء على "دعاء" منها الاستغناء عن التكيفات تمامًا واستبدالها بالمراوح، والتحويل إلى لمبات "الليد"، أو غلق التكييف عند تشغيل الغسالة "بصراحة حلول رائعة كإننا في العصر الحجري"، تلتقط انفاسها وتقول إن باقي سكان العمارة يتعاملون بنظام العداد وتكون فاتوراتهم قليلة جداً مقارنة بالمبلغ الذي تدفعه رغم استهلاكهم الأعلى "بيجلهم الفاتورة ملاليم بالنسبة لينا وعندهم تكيفات 5 حصان".. تستغيث قائلة "إحنا عايشين حياة صعبة، مكناش نعرف اللي فيها لما ركبوا الكارت، شوفولنا حل".
عبير : "استهلاكى كان 500 جنيه لقيته 2000 والشركة بطلبنا بالاستغناء عن التكيفات"
وعن تعريفة شرائح الكهرباء الجديدة، قال وزير الكهرباء إن الأسعار زادت بمتوسط 33% لجميع الشرائح، وسيتم تطبيقها من فاتورة يوليو الجارى، بينما سيتم مد فترة إعادة هيكلة أسعار الكهرباء لعام 2022 وذلك بعد رفع قيمة الدعم إلى 82 مليار جنيه بسبب تعويم صرف الجنيه.
رصد "مصراوي" قيمة الزيادات الجديدة ومدى تأثيرها على المواطنين المتعاملين بنظام "العداد" في عدد من المناطق منها إمبابة وشبرا الخيمة..
صاحب مخبز: الفاتورة جاتني 3 أضعاف الشهر اللي فات.. والحكومة بتشيل الدعم من على الفقير مش الغني
أمام مخبز في أحد الشوارع الضيقة بمنطقة إمبابة، جلس "سعيد سالم" صاحب المخبز مع بعض العاملين يعتلي الغضب وجهه، بعد أن علم من محصل الكهرباء أن قيمة فاتورته عن شهر يوليو تبلغ 650 جنيه "أخدت منه كعب مش وصل، لأني ما دفعتش" يقول سعيد، ويضيف أنهم قبل الزيادة كانت الفاتورة لا تتعدى الـ200 جنيه "دلوقتي الـ 1000 جنيه زي الـ 300 جنيه".
على الرغم من علم "سعيد" بالزيادة في الأسعار التي أعلنت عنها الحكومة قبل نحو شهر، إلا أنه لم يتوقع أن تصل إلى هذا الحد الذي يعجزون معه عن دفع فواتير الكهرباء والمياه فضلًا عن أجرة العاملين بالمخبز "غصب عننا لازم ندفع، لأن لو ما دفعناش هييجي الطاق طاقين"، ويوضح أنه في حالة عجزه عن التأقلم مع الزيادة الأخيرة في الأسعار سيضطر إلى إغلاق المخبز، ومن ثم تسريح ما لا يقل عن 10 أفراد يعملون فيه "ذنبهم إيه الناس دي يتخرب بيوتها"، ويُردف قائلًا "لما ألاقيها مش جايبة همها هقفلها، الحكومة بتشيل الدعم من على الفقير مش الغني".
ربة منزل: دفعنا 3 أضعاف الشهر اللي فات.. وخايفين تكون الحكومة بتمهد لزيادات جديدة
بأطراف مدينة شبرا الخيمة، يقع منزل "صباح محمود" المكون من 5 طوابق وتسكن فيه مع أبنائها، تقول صاحبة الـ60 عامًا لمصراوي إنهم اعتادوا على دفع الفواتير المطلوبة منهم دون أن يبدوا حيال المبلغ اعتراضًا أو تذمرًا، لكنها لا تعرف السبب الذي دفع الحكومة مؤخرًا إلى أن ترفع قيمة الفاتورة إلى هذا الحد.
وتوضح أنهم تعرضوا قبل شهور لضائقة مالية جعلتهم يتعسرون في تسديد الفاتورة، لكن شركة الكهرباء قسطت لهم المبلغ وسددوه على دفعات "الشهر دا على الرغم إن الفاتورة كبيرة دفعتها كلها".
"كنا الأول بندفع 300 جنيه بالكتير، إنما الشهر دا دافعين 800 جنيه" تقول صباح، وتضيف أنهم عندما يسألون المحصل عن السبب يرد عليهم قائلًا "الأسعار غليت على الناس كلها مش عليكم لوحدكم"، مشيرة إلى أنها تخاف من أن تكون الزيادة الآخيرة تمهيدًا لزيادات آخرى، تجعلهم يواجهون مشقة في تغطية تكاليف المعيشة التي أصبحت تثقل كواهلهم في ظل الارتفاع الكبير في الأسعار "إذا كان كدا وبندفع بالعافية، أمال لو زادت هنجيب منين".
وتقول "صباح" إنهم اشتكوا أكثر من مرة في شركة الكهرباء، من الفواتير المرتفعة والتي لا تتناسب مع استهلاكهم الذي باتوا يرشدون منه خوفًا من قيمة الفاتورة، لكن شكواهم لم تلق إلا مزيدًا من التجاهل والردود المقتضبة من موظفي الشركة، وتوضح أنهم يحرصون دائمًا على تسديدها في موعدها المحدد، تجنبًا للمضايقات التي من الممكن أن يتعرضوا لها من قبل شرطة الكهرباء "لو تراكم وصل على وصل، تلاقيهم واقفين على رأسك يا تدقع يا يشيلوا العداد".
صاحب ورشة تصليح دراجات: الفاتورة مُبالغ فيها ولا تتفق مع استهلاكي.. وخايف يقطعوا الكهرباء عني
أمام ورشة "تصليح موتوسيكلات" في منطقة شبرا الخيمة، جلس "نبيل ذكي" أمام محله بملامح متجهمة أخذ ينفث دخان سيجارته في غضب، فيما ارتكنت إلى جواره أحد "الموتوسيكلات" التي يعكف على تصليحها منذ الصباح يعاونه في ذلك شاب في بداية العقد الثاني من العمر، وبين حين وآخر يأتي إليه زبون يستشيره في عطل أصاب دراجته وعندما يسمع منه المبلغ المطلوب مقابل التصليح يعود من حيث أتى، ليكفّ مرة واحدة عن عمله، ويلقي سيلًا من الانتقاد على "الوضع المزري" الذي أصاب محلّه الذي كان لا يتوقف عن الحركة فيما مضى "كنت واخد مخزنين بجرش فيهم الموتوسيكلات".
"مصراوي" يرصد تأثيرها على المواطنين بنظامي "العداد" و"الكارت الذكي"
يقول "نبيل" إن فاتورة الكهرباء هذا الشهر علم بها من المحصل الذي تربطه به صداقة، حيث أخبره الأخير بأن فاتورته بـ135 جنيهًا، الأمر الذي أصابه بالغضب، ليس فقط بسبب الزيادة التي علم بها مصادفة ولكن لعجزه عن دفعها وتخوفه من أن تنقطع الكهرباء عن مصدر رزقه الوحيد "كانت بتيجي قبل كدا في حدود 80 جنيه بالكتير"، ويوضح أن الفاتورة مُبالغ فيها ولا تتفق مع استهلاكه الذي يتحدد في مروحة ولمبة وكومبروسر "ودا مش بيستهلك كتير عامل زي ماتور الغسالة".
"اللي بيحصل فينا دا حرام، إزاي يزودوا الكهرباء واحنا عايشين اليوم بيومه" يقول نبيل، ويضيف أنه على الرغم من سنه الطاعن الذي تعدى الـ60 عامًا، إلا أنه مضطر أن يفتح ورشته كل يوم من 10 صباحًا لـ 10 مساءًا، كي يغطي مصاريف البيت الذي لا يكفيه في اليوم الوحد أقل من 80 جنيهًا، يصمت ويكمل حديثه قائلًا أن الورشة يترصدها الركود وقلة الزبائن بسبب ارتفاع الأسعار، متذكرًا زبونًا أتى له قبل أيام، لإصلاح عصل في "فسيبته" التي تكلف تصليحها 400 جنيهًا، أعطاه منهم 200 جنيهًا فقط "خد شقايا بعد أما فضلت شغال فيها يوم كامل، دلوقتي لازم أسرق الزبون علشان أغطي تكاليف المحل".
مكوجي: الكارت الذكي "خراب بيوت".. وأدفع خلال شهر ما كنت أدفعه في 3 شهور
تبدل حال "ربيع" - مكوجي بعدما تحول محله المتواضع بالقرب من محطة مترو فيصل إلى "كروت شحن العدادات الذكية" بدلاً من نظام "الممارسة" الذي تتيحه وزراة الكهرباء لعدد من المستخدمين، بنبرة غاضبة يقول الرجل السبعيني إنه يشحن الكارت بـ50 جنيه كل 3 أيام، وفي الشهر الواحد بأكثر من 500 جنيه مما يعرضه لخسائر في أحيان كثيرة "المبلغ كبير أوي عليا، وأنا في منطقة شعبية مينفعش أغلي على الزبون".
قبل 8 أشهر، كان "ربيع" الذي يعمل "مكوجي" منذ 25 عامًا يتعامل بنظام الممارسة فيدفع مبلغ محدد ثابت كل فترة مهما كان استخدامه "كانت ماشية زي الفل، كنت بدفع 500 جنيه كل 3 شهور، لكن الكارت ده خراب بيوت"، ويضيف أنه اضطر للتغيير إلى نظام "الكارت" بطلب شركة الكهرباء، ويشير إلى أن ارتفاع أسعار الكهرباء منذ 3 أشهر كبده معاناة إضافية "كنت بجيب بـ100 جنيه بيعد أسبوع ونص، لكن دلوقتي ما بيعدش حاجة لأن المكواه بتسحب كهرباء كتير".
"فاتحه بدل ما أقعد في البيت يجيني مرض" يقول "ربيع" عن سر تمسكه بالمهنة رغم خسائره المستمرة، ويضيف أنه ليس له دخل آخر سوى معاش متواضع من التأمينات الاجتماعية يبلغ 700 جنيه "بدفعهم إيجار للمحل".
ربات منزل عن الكارت الذكي: يدفعنا إلى ترشيد الاستهلاك.. وعيوبه فصل الكهرباء فجأة
داخل منطقة العشرين بفيصل، ينتشر استخدام عدادات الكهرباء بـ"كارت الشحن" خاصة داخل العقارات المخالفة وحديثة الإنشاء، تقول "هدى" ربة منزل تتعامل بـ"كروت شحن العدادات الذكية" إنها تشحن بمتوسط مبلغ 300 جنيه كل 20 يومًا، وتضيف أنها تحاول الترشيد في استخدامها بكافة الطرق منها تشغيل عدد بسيط من "لمبات" الإضاءة، والاكتفاء بتشغيل التكيف لساعتين فقط، بجانب الاستغناء عن "السخان" في الصيف.
فصل الكهرباء فجأة واحتمالية البقاء دون إنارة لفترة، أحد عيوب "الكارت الذكي"، بحسب "هدى"، فتذكر أنه قبل شهر تعرضت وأسرتها لانقطاع الكهرباء عن شقتهم بعد نفاذ الرصيد الموجود بالكارت وعدم التفاتهم لذلك بجانب عدم وجود مركز شحن قريب منهم "طفى مننا وقعدنا نهار كامل من غير نور على ما شحنت".
"أحسن لأني كده ببقى عارفة بستهلك أد إيه وبحاول أقلل على قد ما بقدر" تقول ربة المنزل الثلاثينية عن فوائد "كارت الكهرباء"، وتشير إلى أن عدادات الكهرباء أكثر تكلفة "العدادا ضارر ناس كتير" وتلفت إلى أقارب لها يدفعون فاتورة الكهرباء بأكثر من 600 جنيه رغم استهلاكهم المحدود.
فيديو قد يعجبك: