خاص- تضامنًا مع فلسطين.. قصة مصرية رفضت دخول "الأقصى"
كتب-إشراق أحمد:
فرحة الدنيا كلها لم يسعها قلب عبير أحمد، حين وطئت قدماها أرض فلسطين المحتلة، تنفست الصعداء لعبورها بدون مضايقات من مطار بن جوريون الدولي أو "اللد" كما يسميه الفلسطينيون، مرت السيدة المصرية بجواز سفرها الأوروبي غير أن حجابها كاد يكون عائقًا. كان ذلك يوم الخميس 13 يوليو الجاري، وقتها لم تتمهل لانتظار رؤية القبلة القادمة من أجلها "صليت في الأقصى المغرب والعشاء ومن يومها مدخلتوش تاني" تقول عبير لمصراوي.
صباح الجمعة 14 يوليو الجاري، حدث إطلاق نار في باحة المسجد الأقصى، أسفر عن استشهاد ثلاثة فلسطينيين ومقتل جنديين إسرائيليين، فقامت سلطات الاحتلال بغلق "الأقصى" حتى الأحد قبل الماضي، وفتحته في ذلك اليوم بعد وضع بوابات تفتيش إلكترونية، وهو ما رفضه الفلسطينيون، حينها اتخذت السيدة المصرية قرارها بمشاركة المقدسيين رباطهم على أبواب "الأقصى" بصحبة زوجها وأطفالها الثلاثة.
شدت عبير الرحال إلى "الأقصى" فقط من أجل الصلاة، لكنها رفضت الدخول رغم شوقها العارم، وزيارتها غير المتجاوزة 12 يوما "مدخلتش عشان الأقصى مش للمقدسيين بس الأقصى للمسلمين كلهم ولو عملت كده هبقى حصرت المشكلة بين الاحتلال والفلسطينيين" توضح السيدة الثلاثينية موقفها.
وتتذكر ما حدث أمامها يوم الأحد المنصرف، حين دخل سائح أجنبي مسلم وصل لتوه للأقصى، قبل أن يتمكن الفلسطينيون من شرح الوضع له "جنود الاحتلال وقتها ضحكوا ضحكة نصر" كما تصف عبير، فمثل هذه المواقف تزيدها ثبات على قرارها "مينفعش أعمل نفسي سائحة.. أنا مسلمة ودخولنا معناه موافقة على السيادة الصهيونية للأقصى".
من القدس تحكي السيدة المصرية عن أيام رباطها على أعتاب "الأقصى"، ثلاثة دقائق تفصل بين مكان نُزّلِها في البلدة القديمة والمسجد، قبل الظهر تتوجه وزوجها وطفليها إلى باب المجلس –الجهة الغربية للأقصى-، تصطف المصرية والمقدسيون لإتمام الصلاة "ونفضل مرابطين لصلاة العصر"، ثم يعودون إلى الفندق للراحة، وقبل صلاة المغرب، تُكمل عبير وأسرتها الرباط، بالتوجه إلى باب الأسباط –الجهة الشرقية- يمكثون حتى العشاء ويرحلون ليعاودوا الكرّة في اليوم التالي.
"أنا مش مناضلة" تسارع السيدة المصرية بالقول، هاجرت عبير مع زوجها إلى أوروبا قبل عشرة أعوام، انجبت أطفالها الثلاثة "بنتي 4 سنين وولادي 6 و10 سنوات"، كل ما كانت تعرفه عن فلسطين يأتيها من وسائل الإعلام، ومنها ظنت استحالة زيارتها "لأن في حرب"، حتى العام الماضي.
حكت لها سيدة تركية تعرفها عن رحلتها مع شركة سياحية للمسجد الأقصى، حينها "اتجننت" كما تصف، قالت "ده حلم حياتي اسجد سجدة في الأقصى"، وقررت أن تسافر وأسرتها في الإجازة الصيفية، لتتغير معرفتها في تلك الرحلة "عمري ما كنت اتخيل إنها مدينة عادية عايش فيها الناس عادي صحيح عندهم احتلال بس كمان فيه حياة طبيعية".
جنسيات عديدة التقت بهم عبير عند "الأقصى"، بعضهم عرب حاملين للهويات الأجنبية، فهم مَن يتمكنوا بسهولة من الوفود إلى القدس حسب قولها، غير أن وجود المصرية بين الفلسطينيين كان مميزًا؛ بمجرد معرفتهم لبلد مجيئها "بيشلوني من على الأرض" كما تصف، سعادة غامرة تدب في نفوس المقدسيين "بيصروا يعزموني على بيتهم ويحكوا على المصريين كلام جميل"، حتى صغارها تحيطهم الرعاية "يفضلوا يتكلموا معاهم ويلاعبوهم".
في ذلك التوقيت، العام الماضي، رأت عبير الحياة في القدس، أبصرت وجود جنود الاحتلال في كل مكان لكن الوضع كان هادئًا، بينما في رحلتها الحالية عاشت صمود ومقاومة الفلسطينيين على الأرض، شاركتهم المخاطر، حضرت عنف الاحتلال تجاه المرابطين مرتين.
تستعيد عبير ما تعرضت له يوم الثلاثاء 18 يوليو الجاري؛ سمعت السيدة الثلاثينية قنابل الصوت لأمر مرة عن قرب "اتخضيت وافتكرت قنابل بجد من اللي بتبيد".
حملت عبير طفليها وركضت بين الجموع، قبل أن تقف "عشان كان على شمالي 4 جنود بيضربوا رصاص مطاطي"، فأخذ الفلسطينيون يصرخون في الجنود حتى أوقفوهم قليلاً، وأدخلوا الأسرة أحد البيوت. كان الابن يبكي فيما يعتصر قلب الأم رعبًا "حسيت أني هموت خلاص"، وبعد نصف ساعة غادروا بصحبة فلسطيني إلى الفندق "وفي الطريق شوفت جنود بيكسروا بيت عشان يعتقلوا شاب" كما تقول.
ومنذ يومين، عند باب الأسباط تكرر المشهد؛ قبل عشر دقائق من صلاة العشاء، ضرب الإسرائيليون القنابل على المصلين فتفرقوا، أثناء الركض يصرخ الرجال "نسوان نسوان" كي ينتبه الراكضون لوجود نساء فيتمهلوا حتى "لا نقع أحنا ونُدهس" كما تصف عبير، التي لم تجد هذه المرة طريق يصلح للذهاب حتى أنها راحت تنطق الشهادة.
صحبت عبير ابنتها فقط هذه المرة، فركنت إلى سور في تلك اللحظة ظنًا منها أنها تحميها من شظايا القنابل، فيما كانت ترافقها شابة تركية منهارة في البكاء، قبل أن تجد جنود الاحتلال يصرخون عليها بالعبرية، وهي لا تفهم ما يقولون، حتى أتاها فلسطينيون وخلصوها مرة أخرى لتركض بصغيرتها إلى أن فاجأتها أزمة ربو من الخوف وغبار القنابل، فلم تدرك الموقف إلا وسيدة تجري بابنتها وأخرين ينقذونها.
رغم المخاطر، وجدت عبير في تزامن رحلتها مع الأحداث قدرًا لها، شعرت أنه لزامًا عليها نقل ما يقع في القدس عبر فيسبوك "عشان الناس تحس بيه".
تنتهي رحلة عبير اليوم، تسترجع أخر أيامها في زهرة المدائن العام الماضي، وعدم رغبتها في الرحيل، وبغضها للحدود بين البلاد والتأشيرات كما تصف الشعور الذي لازال يراودها، وزاد عليه عدم تمكنها من الصلاة داخل الأقصى هذه المرة، لكنها لم تحزن، فقط ما يضيق له صدرها "أني ماشية والنصر لسه مجاش.. حاسة أن الأقصى أسير ومحتاجنا وأني سايباه في إيد اللي بينجسوه كل يوم".
فيديو قد يعجبك: