بالصور- مصور يصل بعد عامين لأبطال عدسته في حرب غزة
كتب-إشراق أحمد:
ما أن وضعت الحرب أوزارها في أغسطس 2014، أخذ بلال خالد يقلب زمرة الصور التي التقطتها يداه كمصور صحفي، في العدوان الثالث على غزة؛ سيدة تصرخ وهي تحتضن حفيدها المصاب، شاب بوجه مكفهر خرج لتوه من تحت الأنقاض، ومكان تلاشت هويته بعدما تكدست فيه جثث القتلى.. وبينما يُراجع "خالد" الصور ووجوه من فيها ألح عليه تساؤل "ماذا يمكن أن يكون حدث لهؤلاء الأشخاص؟"، ليغادر المصور لقطاته ويذهب باحثًا عن أبطالها في ربوع القطاع المحاصر.
"حياة من قلب الموت" اسم مشروع عكف عليه المصور الصحفي طيلة قرابة عامين، ونشره مع الذكرى الثالثة لحرب غزة، التي استمرت 50 يومًا. ظل يبحث ابن مدينة خانيونس عن هوية أصحاب صوره، لم يكن يعرف حتى أسمائهم "كنا في حالة طوارئ وليس هناك وقت لأخذ تفاصيلهم" لذا احتاج الوصول للبعض إلى عام كامل.
سبق أن غطى "خالد" حربين شنتها إسرائيل على غزة، لكن حرب يوليو 2014 كانت "الأكثر دموية" بحسب وصفه، نظرًا لعدد الشهداء وطبيعة الأماكن المستهدفة "كلها من النساء والأطفال والمدنيين" كما يقول المصور الصحفي، مما كان دافعًا له لتنفيذه المشروع "دائما للقصة بقية وهذه هي بقية القصة كيف صارت حياة هؤلاء الناس بعد ذلك".
20 شخصًا تمكن "خالد" من الوصول إليهم من أهل غزة، بعد رحلة لم تخلُ من تعذر البلوغ لأخرين من أصحاب الصور، غير أن أشقى اللحظات كانت حين يسمع المصور الصحفي أن أحدًا ممن يبحث عنهم توفى متأثرًا بجراحه، فيغوص في حزن، لا يخففه إلا رؤيته لأطفال ظنهم في عداد الموتى وقت الحرب، فإذا بهم كبروا ويلهون مع أهلهم أو عوائلهم "هذه أسعد لحظات المشروع" كما يعبر "خالد" في حديثه مع مصراوي.
وفي استقبال أبطال الصور لمصورهم، تفاوتت المشاعر "منهم لم يرد أن يتذكر تلك الأيام والمشاهد ومنهم مَن كان متفائلاً وراضيًا"، تلقى "خالد" الوجم والابتسام الذي لا يفارق الوجه، حتى هناك مَن أخبره "أنني لم أكن أتخيل أني سأقف على قدمي بعد تلك اللحظات"، تباينت ردود الفعل غير أن السمة العامة كما يقول صاحب المشروع التوثيقي "أنهم مُصرين على البقاء ومواصلة الحياة من جديد".
أيام الحرب لا تُنسى، عاشها "خالد" كمصور وأيضًا أحد أهالي غزة، يتذكر ذلك اليوم الذي استيقظ فيه على خبر استهداف منزل داخله أطفال ونساء حتى أن المستشفى امتلأت بجثثهم "كنا بالساحة نتجول بين 80 جثة والناس تأتي لتتعرف عليها"، كذلك ساعات الهدنة، فأثناء مرور المصور بالمناطق المحظورة رأى جثة امرأة قعيد عجز أهلها عن إخراجها من دارها، وحينما عادوا وجدوها جثة متعفنة.
تلك المشاهد المحفورة في ذاكرة المصور الصحفي، سجلت كاميرته الكثير منها، أصعبها بالنسبة له صورة الشاب أحمد سلامة؛ كانت الساعة تشير إلى الثالثة فجرًا حين هرع "خالد" لمنزل الشاب، 3 صواريخ استهدفت سكنه وساوته بالأرض، فقد "سلامة" والدته واثنين من أشقائه فيما كُتب له عمر جديدًا، والتقط "خالد" صورة له بينما لايزال تحت الأنقاض أثناء محاولة انتشاله.
ستة أشهر أخذ يبحث "خالد" عن "فتى الأنقاض"، أراد أن يسمع منه ما شعوره خاصة وأن شقيقه كان مسجى فوقه بعدما لفظ أنفاسه الأخيرة، وحينما التقى به، أخبره الشاب صاحب الصورة أنه كان يفتش عنه أيضا ليعرف منه كيف كانت الأجواء حوله بينما هو تحت الأنقاض، وفي اللقاء الأخير كان "سلامة" مقبلاً على الزواج، ليلتقط له المصور الصحفي صورة مغايرة له مع عروسه قبل حفل الزفاف.
أراد المصور العشريني "بث روح الأمل والحياة من جديد في قلوب المشاهدين"، يُعلمهم بحال هؤلاء الناس، وأنهم استكملوا حياتهم رغم وضوح الأثار النفسية للحرب عليهم، ولذلك جاءت مشاعر المتلقين للمشروع التوثيقي الأول لـ"خالد"، مختلطة بين الفرح والألم، الأول لأن هؤلاء الأشخاص لازالوا على قيد الحياة، أما الثاني فلتذكر "تلك الأيام القاسية التي عايشها أهل غزة" كما يقول المصور الصحفي.
مازال يبحث "خالد" عن أبطال صوره ممن لم يستطع الوصول إليهم، فيما يسعى لإقامة معرضًا مصورًا، على أن يلحقه بفيلم وثائقي يروي بلسانهم حياتهم، عله ينشد ما رغب في تحقيقه "أن يعرف العالم كله بقصص هؤلاء الأشخاص من أهل غزة".
فيديو قد يعجبك: