لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"فرحة ضيّعها الحصار"..الأول على الثانوية الفلسطينية لمصراوي: "دائمًا يختلط الفرح بالأسى عندنا"

03:44 م الأحد 16 يوليو 2017

الشاب الفلسطيني محمد تكروري

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- مصطفى فرحات:

صباح الأربعاء الماضي، كانت الدقائق تمر على الشاب الفلسطيني "محمد تكروري" الطالب بالشهادة الثانوية، ثقيلة وبطيئة محملة بالتوتر والخوف.

حاول "محمد" أن يخفف من هذا التوتر بالتجوّل في بنايتهم الواقعة في منطقة "بيت حنينا" التي تقع شمال القدس بين بلدتي شعفاط والرام، وتبعد عن العاصمة الفلسطينية بحوالي 8 كيلو مترات، وعندما ملّ من الانتظار، دخل إلى غرفته واستلقى على سريره ووضع الوسادة على وجهه، بينما يدور التلفاز في الصالة على مؤتمر وزير التربية والتعليم الفلسطيني لإعلان النتائج، قبل أن يسمع اسمه على رأس قائمة أوائل الثانوية العامة "التوجيهية" في الفرع العلمي.

1

استفاق من وقع المفاجئة على عاصفة الزغاريد والمباركات التي علت بنايته الصغيرة المكونة من غرفتين وصالة، حيث توافد أهله وجيرانه على البيت سريعًا فور إعلان النتيجة "بدأت الفرحة تجتاح المنزل بمن فيه، صراخ وعناق طويل وصادق من أهالي العمارة والبلدة " يقول الطالب بمدرسة شعفاط الثانوية للبنين، مسترجعًا بذلك اللحظات التي انتابته فيها حالة من الفرح لم يعتدها يومًا، ويكمل حديثه قائلًا "شعرت بأن قدماي لا تقدران على حملي، وأنني أحلق فوق سماء فلسطين، أحسست أن الله كان معي دائمًا، وكان هو سرّ سكينتي وتمكني".

محمد : "المأساة الفلسطينية كانت حافزاً".. و" مستقبلنا أعظم من أن نترك القلق يلعب دوره"

"99.7%" مجمل ما حصل عليه "محمد" وهو شيء فاق توقعي يقول "تكروري" إنه منذ أن كان في المرحلة الابتدائية والإعدادية، وهو ينافس دائمًا على المركز الأول بين طالبين أو ثلاثة "كنت أسبقهم مرة ويسبقونني مرة، إلى أن سبقتهم جميعًا هذا العام".

وكان وزير التربية والتعليم الفلسطيني د.صبري صيدم، أعلن في مؤتمر صحفي عن النتائج أن نسبة النجاح في الثانوية العامة (الإنجاز) قد بلغت 67.24% بزيادة 2.5% عن العام السابق. وقال إن عدد المسجلين للامتحان هذا العام بلغ 72256 مشترك، وتقدم منها للامتحان 71237، ونجح منهم 47903 مشترك.

2

الفرحة التي امتلأ بها المنزل الصغير كانت ثمار رحلة طويلة من الجد والدأب في الاستذكار، بحسب ما يقول ابن ال18 عامًا، ويشير إلى أنه لم يحصل على دروس خصوصية في أي مادة على مدار سنوات تعليمه : "اعتمدت بشكل كلي على الشروحات التي قدمها لي أساتذة المدرسة، الذين أرهقتهم كثيرًا بأسئلتي، كنت أحاول الاستفادة منهم إلى أقصى الحدود"، ويوضح أن بعض أقرانه في الفصل كان يعتبر كثرة الأسئلة غباءًا، بينما من وجهة نظره دليل على التفوق كما حدث معه.

الاستيقاظ مبكرًا مع صلاة الفجر كان من أفضل الأوقات التي يفضلها "تكروري" للاستذكار وذلك في النصف الأول من الدراسة، بينما في الفصل الثاني عدل موعد مذاكرته ليصبح في الليل "مع شهر رمضان كان يصعب الصحو الباكر".

3

التفوق الذي أحرزه الأول على الثانوية العامة في فلسطين، ساعدته فيه أسرته المكونة من 6 أفراد، ترتيبه فيها الأوسط. يصمت ثم يقول أن والده يعمل محاسبًا وأمه تعمل مدرسة، وأنهما وفرا له الدعم النفسي والمادي، بدايةً من نصائح أمه التي كانت تمده بها من حين لآخر، ومرورًا بالتزام أشقائه حالة الهدوء التي فرضتها الأسرة على البيت، حتى ينهي الابن امتحاناته، "التلفاز لم أسمع صوته آخر شهرين"، ثم انتهاءًا بغرفته التي كان يجدها دائمًا مرتبة ونظيفة، فكان من الواجب عليه بحسب ما يقول أن يحقق هذا التفوق الذي قضى به على القلق والخوف الذي استبدّ بهم طوال عام كامل.

لم تخلُ سنة الدراسة بالنسبة لـتكروري من الفتور الذي كان يعتري حماسه من حين لآخر بسبب ضغوط الدراسة والامتحانات، فيوضح أنه كان يعالج هذا الفتور، بمشاهدة التلفاز أو ممارسة إحدى هواياته المفضلة المتمثلة في تنس الطاولة والسباحة، وقراءة بعض آيات من القرآن.

4

المأساة الفلسطينية كانت حافزًا طوال الوقت أمام "محمد تكروري" لتحقيق التفوق، فيقول إن المضايقات التي تمارسها قوات الاحتلال على أبناء فلسطين كانت تدفعه للنجاح "التفوق جعلني أرى نوافذ النور، وأتطلع منه إلى الخلاص من المعاناة والألم".

ويذكر أن مضايقات الاحتلال لم تغب عنهم بل امتدت لتشمل مدرسته "شعفاط الثانوية بنين" في القدس التي كان يستغرق 30 دقيقة كي يصل إليها، ويشير إلى أن قوات الاحتلال كانت تقبع بشكل دائم على أبواب المدرسة وتخضعه هو زملائه للتفتيش الدقيق بشكل يفقدون معه الراحة "كانوا يفتشوننا فلا يجدون أسلحة، لكنهم غفلوا عن السلاح الأقوى: الكتاب وسطوته".

5

الجمعة الماضية وعقب إعلان النتيجة أراد "محمد" أن يتوجه إلى القدس، كي يؤدي الصلاة كما اعتاد أن يفعل، لكنه فوجئ بأنه ممنوع من الدخول بسبب الحصار الذي فرضته قوات الاحتلال، بعد عملية طعن نفذها 3 فلسطينيين، قُتل فيها جنديان إسرائيليان وأسفرت عن مقتل الـ3 شباب، وهذا ما جعل فرحته بنجاحه ناقصة "دائمًا ما تختلط دموع الفرح مع دموع الأسى من العين ذاتها.. متى نفرح دون حسرة في القلب؟".

"كلية الطب" هي التي يتمنى "تكروري" الالتحاق بها، فيقول إنها بمثابة الأمل الذي كرّس حياته للحصول عليه، ويذكر أن حبه لمجال الطب بدأ منذ سن مبكرة، حيث تأثر وهو صغير بشخصية تُدعى الدكتور "طارق" في مسلسل تركي يُسمى "الأرض الطيبة"، ويرى أن الطب يُعدّ من أكثر المهن إنسانية، وأنها مهنة التضحيات التي تحترم الإنسان لشخصه لا لجنسه أو لونه، ولا ينتظر فيها الطبيب العون من أحد بل يمارسها بدافع الحب والأمل.

6

بعد إحرازه المركز الأول على الفرع العلمي، حصل "تكروري" على تكريم من مدرسته "شعفاط الثانوية بنين" في لحظات شعر فيها بنشوة الزهو والفرح في حضور أسرته ومدير المدرسة "نادر نيروخ"، لكنه لا زال منتظرًا تكريم وزارة التربية والتعليم والذي سيكون خلال الأيام القادمة.

بحسب ما يقول "محمد" فإن العشرة الأوائل تنتظرهم من الدولة منح داخلية أو خارجية، إلا إنه يتمنى الدراسة في "جامعة النجاح الوطنية" بفلسطين لأنها تعد أهم الجامعات الرائدة في مجال الطب "الجميع يفضل بلده ولكن إذا تعسرت الأمور قد أسافر إلى الخارج".

"الهدوء والتركيز" نصائح يوجهها الشاب الصغير إلى الأجيال التي تصغره، ويقول إن شهادة الثانوية العامة تعد سنة عادية مثل باقي السنوات الدراسية "أحيانا لازم ننسى اشي اسمه توتر، مستقبلنا أعظم من أن نترك القلق يلعب دوره".

فيديو قد يعجبك: