لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

القصة المأساوية لسرقة كمان "العازفة المعجزة"

11:41 ص الخميس 08 يونيو 2017

فازت عازفة الكمان المعجزة "مين كيم"بمسابقة موتسار

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

لندن (بي بي سي)
كانت عازفة الكمان المعجزة "مين كيم" على أعتاب مستقبل فني زاهر ومتألق، عندما سُرقت آلة الكمان الخاصة بها والعزيزة للغاية على قلبها. الصحفية كلمنسي برتون-هيل تروي ماذا جرى لـ"كيم" بعد ذلك.

في عام 2013، سنحت لي فرصة العمر لأُعِد فيلماً وثائقياً عن أنطونيو ستراديفاري؛ صانع آلات الكمان الأكثر احتراماً في التاريخ. فقد كان بوسعي حمل وفحص بعض من أكثر ما صُنِع من الآلات الموسيقية قيمة.

كما كان بمقدوري أن أتجاذب أطراف الحديث مع بعض الخبراء الكبار في هذا المضمار، وذلك في إطار بحثي ومحاولتي لحل اللغز الذي يقف وراء عبقرية هذا الرجل.

وحينها، وفي لحظة لن أنساها أبداً، أُتيح لي أن أعزف على إحدى آلات الكمان التي صنعها ستراديفاري، وبالأحرى على واحدة من أقدم الآلات التي تُعرف بنسبتها إلى هذا الرجل على الإطلاق. وكانت هذه الآلة تعود إلى عام 1666 ويُطلق عليها اسم "سيرديه".

ربما سيبدو وصفي لتلك اللحظة مسرحياً إلى حد ما، لكنني أدركت وقتذاك بغتة لماذا كان ستراديفاري عبقريا كما يعرفه الناس. كما عَلِمت أنه إذا تسنى لي أن أعزف على هذه الآلة حتى نهاية حياتي، فلن يكون ذلك كافياً أيضاً. بل إنه كان مؤلماً أن أعيد الآلة إلى حافظتها بعد أن انتهت عمليات التصوير.

على أي حال، فمثلي مثل غالبية عازفي الكمان، لن تتاح لي الفرصة على الإطلاق لأن امتلك إحدى الآلات التي صنعها ستراديفاري، والتي يُطلق على الواحدة منها اسم "ستراد" تخليدا لاسمه، في أوساط محبي الكمان.

فيكفيني أن كنت محظوظة لكي أحظى بفرصة للمس إحداها. لكن الأمر يختلف مع "مين كيم"، التي لم تكن أبداً كغالبية عازفي هذه الآلة. فهي تشكل أعجوبة موسيقية حقيقية منذ حداثة عمرها. ففي سن السابعة، كانت أصغر من يُسمح له بالالتحاق بمدرسة بورسيل الشهيرة للموسيقى في العاصمة البريطانية لندن.

وبعد أربع سنوات فقط، فازت بمسابقة موتسارت الدولية للموسيقى ذات المكانة المرموقة، وباتت في طريقها لأن تكون واحدة من بين عددٍ محدودٍ للغاية من العازفين المنفردين للموسيقى الكلاسيكية، ممن يحظون بالنجاح والشهرة الواسعة. ولكنها ظلت بحاجة إلى آلة كمان تليق بكل ذلك.

وبعد بحثٍ استمر عدة سنوات، عُرض عليها مصادفة - وهي في الحادية والعشرين من العمر - أن تشتري آلةً كمان معينة كانت معروضة في المزاد.

وكانت هذه الآلة، التي صُنِعت عام 1696، بحاجة إلى عمليات ترميم مكثفة وهائلة، وصيانة سنوية قد تصل تكاليفها إلى 5000 جنيه إسترليني سنوياً، أي ما يوازي 6 آلاف و445 دولاراً أمريكياً.

لكنها عَلِمتْ على الفور أنه ما من خيارٍ آخر أمامها سوى اقتناء هذه الآلة. فقد شعرت بأنها وجدت فيها توأم روحها، لما تبقى من حياتها.

وفي مذكراتها المؤثرة التي حملت عنوان "ضاعت: حياة منزوعة الأوتار"؛ كتبت "مين كيم" تقول: "لقد عَلِمت (ذلك) في اللحظة التي أخذت فيها أول نفس لي مع سحب قوس الآلة. شعرت كما لو كان ستراديفاري قد وضع يديه قبل 300 عام على لوحٍ من الخشب وأبدع هذا الكمان لي خصيصاً. كان حباً من النظرة الأولى".

ومن أجل توفير المال اللازم لشراء آلة الكمان هذه، عدّلت كيم اتفاقها مع المصرف الذي اشترت شقتها بقرض منه، ليتسنى لها شراء الآلة بـ 450 ألف جنيه إسترليني (580 ألف دولار). وإذا بدا لك هذا مبلغاً فلكياً، فإنه يجدر بك أن تعلم أنه ليس - في الواقع - سوى سرقة بمعايير أسعار الآلات التي صنّعها ستراديفاري.

فقيمة هذه الآلة تقارب 1.2 مليون جنيه إسترليني (1.5 مليون دولار). كما أن كونها نفيسة للغاية يجعل قيمتها تزيد يوماً بعد يوم. وهو ما جعلها في كل الأحوال تساوي كل سنت دُفع فيها بالنسبة لكيم.

وعلى مدى العقد التالي لشرائها، عززت الوقائع المتتالية اعتقاد هذه الشابة بأن علاقتها بهذا الكمان هي تلك التي كانت تنتظرها طيلة حياتها؛ فقد سطع نجمها بسرعة صاروخية، وأحيت حفلات في مختلف أنحاء العالم حظيت فيها بإشادة دولية واسعة، كما حصلت على عقد بمبلغٍ ضخم، وأوشكت على إصدار ألبومٍ يتضمن كونشرتو لآلات الكمان للموسيقي الألماني يوهانِسْ برامس.

الأهم من كل ذلك، أن كيم شعرت بأنها وجدت نفسها عبر ارتباطها بآلة الكمان هذه.

بعد ذلك، حلت بها المأساة. ففي أمسية مطيرة من أمسيات شهر نوفمبر، سُرق كَمَانُها على حين غرة على يد لصوص محترفين من داخل أحد مطاعم الشطائر والوجبات السريعة في محطة إيوستن لقطارات الأنفاق في لندن.

بدا وقتها - كما تتذكر الآن - أن الزمن قد توقف، وانتهت حياتها كما كانت تعرفها. سقطت كيم في هوة اكتئاب سريري حاد، بقدرٍ جعلها تقوى بالكاد على النهوض من فراشها، وباتت عاجزة عن القيام بأيٍ شيءٍ تقريباً.

بالقطع لم يعد في وسعها آنذاك عزف الموسيقى. أما فكرة حملها لآلة كمان أخرى - ناهيك عن أن تكون من صنع ستراديفاري - فقد كانت أمراً بغيضاً بالنسبة لها.

"ستراد إيوستن"

بالنسبة لغالبيتنا قد يبدو غريباً أو حتى سخيفاً أن ترى كيم مستقبلها المهني بل وحتى إحساسها بنفسها معتمداً على قطعة بعينها من الخشب والأوتار، وخاصة في نظر أولئك الذين يدأبون - بعد كل فشلٍ عاطفي - على قول أشياء مثل "لا يزال هناك الكثير من الأشخاص الآخرين الموجودين في الحياة" كبدائل لهذا الحب الضائع.

وبعد تعرضها للسرقة، استمعت "كيم" مرات عدة إلى عبارة مثل "ستستطيعين تجاوز هذا الأمر". وفي إحدى المرات، قال لها بائع آلات كمان - محاولاً إبداء عطفه وتقديم مشورة ذات طابع عملي لها في الوقت نفسه - إن "آلتك ليست الوحيدة من نوعها في العالم".

لكن أحد أكثر الجوانب تأثيراً في مذكرات كيم الفريدة من نوعها والآسرة للألباب والأذهان، يتمثل في كيفية إلقائها الضوء على العلاقة الشخصية العميقة التي تربط عازفي الموسيقى الكلاسيكية العظام وآلاتهم، تلك الآلات التي سيبقى الكثير منها لقرون، لتُعّمِرْ لأمدٍ طويل بعد وفاة أصحابها، وتحتوي بين جنباتها على أطياف وأسرارٍ من الماضي.

وفي مذكراتها، توضح كيم تلك الدقة وذلك الإحكام الغامضيّن اللذين أديا إلى أن تُمَكِنُها هذه الآلة المصنوعة في القرن السابع عشر - والبالغ عمرها نحو 300 عام - من أن تعبر بشكل كامل عن نفسها وصوتها المنتمييّن لما يُعرف بجيل الألفية.

باختصار لم يكن هناك من نظيرٍ لهذه الآلة في نظر كيم - في ذلك الوقت - إلى حد أنها تتساءل بالقول: "إذا ما كان طفلي هو من سُلِب مني، هل كان الناس سيتوقعون أن أقبل طفلاً آخر" بديلاً عنه.

وتُعطى غالبية آلات الكمان التي صنعها ستراديفاري ألقاباً أو أسماء مستعارة، نسبةً إلى ملاكها السابقين. كأن يطلق عليها اسم "أولي بول"، أو "إكس كابتن سافيل" أو "جيبسون إكس هبرمان"، وهي الآلة المملوكة حالياً لعازف الكمان والموسيقي الأمريكي "جوشوا بل".

ومن المفجع في هذا السياق أن نعلم أن كَمَان كيم السابق يُعرف حالياً باسم "ستراد ايوستن". على أي حال، ففي تتابع درامي للأحداث يستحق أن يكون محوراً لفيلم سينمائي مثير، استُعيد الكَمَان المسروق في نهاية المطاف، تحديداَ بعد ثلاث سنوات من سرقته، وأدين اللصوص.

لكن في مفارقة درامية ومحزنة للغاية في الوقت نفسه، لم يكن بوسع كيم أن تُبقي عليه في حوزتها. وبالنسبة لهذه الشابة، كانت كتابة المذكرات بمثابة نوعٍ من أنواع التطهر والتنفيس عن المشاعر.

فقد وجدت عبر الكلمات التي خطتها على الأوراق مغزى جديداً لذاتها وللغرض من وجودها. بل إنها بدأت في مد أواصر علاقة مؤقتة مع آلة كمان جديدة، كما سجلت ألبوماً رائعاً جديداً ليُطرح بالتزامن مع نشر هذه المذكرات. وهو ما يعني أن اللصوص الذين سرقوا كَمَانها، ربما يكونون قد تمكنوا من تقويض حياتها، ولكنها لم تسمح لهم أبداً بسلب صوتها.

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك: