مغامرة في جبال سيناء.. سيد يُنقذ سائحا ألمانيا من الموت
كتبت-دعاء الفولي:
منذ وعى سيد موسى على الدنيا، لم يعرف له مهنة غير السياحة؛ يصطحب الأجانب الذين يزورون مدينة سانت كاترين حيث يعيش. يُريهم معالمها. يجوب بهم الجبال. يُطعمهم من الأكل البدوي. يأخذهم في جولة خارج الزمن، إلا أن الرحلات ليست يسيرة دائما؛ فمنذ تسعة أعوام، وُضع الرجل الأربعيني في اختبار شديد، كاد أن يودي بمصدر رزقه.
في يوليو 2008 خرج موسى مع فوج ألماني مُكون من 17 فردا، في رحلة مدتها ثمانية أيام "بتبقى وسط الجبال وبنتحرك من كاترين وبنزور الجناين اللي فوق الجبال". ضمّت الجولة طبيبا ألمانيا ومندوبا من شركة سياحة بالقاهرة. مرت الأمور على ما يُرام في الأيام الأولى واستقر الجمع في منطقة فرش الرمانة "نصبنا الخيم هناك"، ثم استكملوا رحلتهم المثيرة "كان معاهم راجل عنده 45 سنة اسمه راينر.. شقي شوية وبيحب يجرب كتير".
نصح موسى السائح عدة مرات باتباع تعليماته "الجبال وعرة جدا وتخدع ومش أي شخص يقدر يتعامل معاها". فجأة سقط "راينر" على ظهره في حركة غير محسوبة. فقد الوعي على الفور. ونزفت رأسه وأذناه.
كانت الساعة حينها لا تُجاوز الثانية عشر ظهرا. موسى هو المسؤول وطبيب الرحلة لم يُقدم سوى الإسعافات الأولية "مكنش ينفع يحركوه عشان فيه خطر على عموده الفقري". حاول ابن قبيلة الجبالية إجراء اتصالات لتوفير طائرة تنقل المُصاب لمستشفى شرم الشيخ "بس الاتصالات كلها فشلت."
الوقت يمر. حياة مدير الشركة الألماني في خطر. عمّ الوجوم وجوه الموجودين. الساعة ناهزت الرابعة عصرا، وتأكد موسى أن الطائرة لن تدخل نطاق الجبال مع اقتراب عتمة الليل.
كمن يُلقي بنفسه في النار، طلب الرجل البدوي من بقية السائحين العودة إلى المُخيم في "فرش الرمانة" الموجودة على بُعد 4 كيلو متر من مكان الحادث. أرسل معهم المندوب المصري، فيما تفاوض مع الطبيب الألماني "قولتله انا هجيب حاجة أنقل بيها راينر ونرجع بيه المخيم.. مينفعش يبات في الصحرا".
رفض الطبيب تماما، أخبره بخطورة ما قد يحدث "ممكن يحصل شلل أو موت". كان موسى قد أنهى دورة إسعافات أولية "فقولت له انا هتحمل أي حاجة هتحصل وممكن أمضي إقرار". وافق الطبيب على مضض، وانطلق ابن مدينة سانت كاترين بحثا عمّا ينفع كنقّالة.
"انا مكنتش دريان بحاجة.. الوقت كان قرّب يضلم ومكنتش عايز أجري وسط الجبال". بعد 40 دقيقة و2000 متر من الركض وصل لنقطة قريبة من المخيم، فيها بيوت بدو يسكنها أصحابها خلال الصيف وتُغلق أثناء الشتاء.
ما أن وجد موسى بيتا أمامه حتى بحث في المحيط عما يكسر به الباب "لقيت سيخ مرمي في الأرض.. الظاهر كان في ناس بتبني.. طفّشت الباب وخلعته من المفصّلات". كانت تلك المرة الأولى التي يُقدم على هذه الخطوة، لم يدر في خلده سوى إنقاذ الرجل.
حمل موسى الباب على كتفه. خيّم الليل. ازداد الطريق وحشة. عاد خلال ساعة ليجد الوضع كما هو "أخدت معايا 10 رجّالة". نقلوا السائح الألماني بحذر شديد فوق الباب. أحكموا ربطه جيدا بالحبال. غطوا جسده. ثم اتجهوا للمخيم "كنا ماشيين بيه 4 كيلو بنقول يارب عديها على خير".
في تلك الأثناء لم تنقطع محاولات الاستغاثة بسانت كاترين وشرم الشيخ، فيما وضع ابن قبيلة الجبالية يده على قلبه خوفا من حدوث أي مكروه لـ"راينر"، لكن الأخير استعاد وعيه قليلا في الواحدة صباحا، بل أخبر الطبيب الألماني أن موسى لا ذنب له فيما حدث، فهو الذي لم يتبع تعليمات الرحلة منذ البداية.
حينما بزغ ضوء النهار، جاءت طائرة النجدة. نقلت السائح الأربعيني إلى شرم الشيخ ليتلقى العلاج، ثم تم نقله إلى ألمانيا ليستكمل فترة النقاهة.
ظلت الحادثة أشبه بحلم سيء عايشه موسى. بعدما انتهت الواقعة أعاد الباب لمكانه وقام بتركيبه "وروحت للعيلة صاحبة البيت اعتذرت لهم وتفهموا الوضع".
كاد ابن قبيلة الجبالية أن ينسى ما حصل، قبل أن يتلقى اتصالا بعد عدة أشهر من السائح الألماني يدعوه لزيارة مدينة "درسدن" لتكريمه من أحد الكنائس نظير ما فعله. لم يكن موسى يمتلك جوازا للسفر "قاللي اعمل باسبور وروح السفارة في القاهرة وهما هناك عارفين إنت مين وهيسهلوا الإجراءات"، وبالفعل ذهب في الميعاد المحدد ليتم عملية السفر.
في ألمانيا قابل "راينر" للمرة الأولى عقب التعافي "قاللي انت اخويا اللي في مصر وأي شيء بقدر أقدمه لك وللبدو مش هتأخر". وقتها تعرف الرجل الأربعيني على أصدقاء السائح. استقبلوه بالتهنئة. اعتبروه بطلا. نظموا احتفالية ليتحدث فيها موسى عن سانت كاترين "كنت حاسس اني بمثل مصر بس بشكل غير رسمي".
عاد ابن الجبالية إلى وطنه، غير أن زياراته لهم لم تنقطع، حيث ذهب لألمانيا 5 مرات فيما بعد بدعوة من "راينر" وأصدقائه. ظلت حبال ودّهم ممدودة له "لما كنت بزورهم كنت بنزل عند كل واحد يومين وبيتخانقوا مين يضايفني".
في المقابل توافد أبناء مدينة "درسدن" على جنوب سيناء "خاصة إن في صحفي هناك كلمني ونشر عن الحادثة". يتذكر موسى أن أكثر من 300 ألماني اتصلوا به لحجز رحلات للجبال خلال 2008، وإلى الآن يأتي معظمهم سنويا، بينما علاقته بـ"راينر" مستمرة "فيه بينا تليفون على الأقل مرة شهريا"، حتى أنه سيزور سانت كاترين في أغسطس المقبل للقيام بجولة جديدة.
فيديو قد يعجبك: