مصراوي على باب مشرحة طنطا.. الموتى لن يذهبوا للسماء وحدهم
كتب- دعاء الفولي ومصطفى فرحات:
اتخذ عزيز أيوب خطوات متثاقلة خارج مشرحة المستشفى الجامعي بطنطا، التقط أنفاسه بصعوبة، كظم دموعه، فيما تذكر لحظة الحادث، حين سقط 27 قتيلا في كنيسة "مارجرجس"، منهم شادي كامل، الشاب ذو التسعة وعشرين عاما.
كان كامل يعمل كطبيب صيدلي "ولسة مخلف بنت قريب". صباح اليوم ذهب الأب إلى "مارجرجس" بصحبة والدته، والده وزوجته "هو كان شماس فالوحيد اللي ربنا اختاره للموت منهم" قالها أيوب بينما يشير إلى الوالد الجالس على باب المشرحة، حاملا حقيبة سوداء، منتظرا خروج ما تبقى من جثة ابنه.
بين الحين والآخر تدوي أصوات سيارات الإسعاف، معلنة قدوم المزيد. ١٤ سيارة تراصت أمام مبنى المشرحة، حولها يحوم الأهالي، أو من تعاطفوا مع الحادث، كالسيدة إحسان خليل، التي وقفت واجمة برفقة ابنتها "كنت في شغلي الصبح وعرفت، فضلت زي المجنونة أتصل بصحابي أشوفهم فين".
علمت إحسان أن زميلتها إيزيس لها أقارب مصابين "وابن خالتها كانوا بيدوروا عليه الصبح.. مش لاقينه في الجثث ولا المستشفيات". عقب انتهاء يوم العمل، مرت السيدة بالكنيسة "كل اللي في بالي إن الدور هييجي علينا سواء مسلمين ولا مسيحيين"، بحثت بين الأوجه عمن تواسيهم، وعندما لم تجد، قررت اللجوء لباب المشرحة.
على مدى النظر وقف ضباط الشرطة والأمن المركزي، أحد المارة يعبر سريعا قبل أن يقول "كنتوا فين لما فجروا الكنيسة؟"، ترد عليه إحدى الموجودات بنحيب شديد، تتكئ على السيدات حولها، تخرج كلماتها متقطعة "دول حبايبي كلهم"، تلتف حولها نظرات الشفقة، تطأطئ سيدة ترتدي عباءة سوداء رأسها، تميل على صديقتها ثم تقول "احنا كلنا منسواش حاجة في البلد دي".
وسط جمع من الناس وقفت "مريان" ومعها بعض صديقاتها وأقربائها بملامح يكسوها الحزن، ودموع منهمرة لا تتوقف عن الجريان، تختلط بشهقات أنين مكتوم، تقول "مريان": دي مش أول مرة يحصل تفجير للكنائس، لسه كان من قريب في البطرسية، ولو اللي بيحصل ده عقاب لنا على كوننا مسيحيين عايشين في مصر فاحنا موافقين".
سمعت "مريان" بالخبر عن طريق اتصال تلقته من إحدى صديقاتها، سيطرت عليها حالة من الوجوم جعلها لا تبدي حراكًا "سمعنا من كل الكنايس، كنا ساعتها في قداس، وقع الخبر علينا زي الصاعقة".
كانت مريان تصلي قداسها بإحدى الكنائس الواقعة على أطراف طنطا، تحاول أن تلتقط لنا منها بعض الصور، التي لا زالت تحويها ذاكرتها، فتقول ودموعها تسابق كلماتها "الناس في الكنيسة اللي احنا كنا فيه كانوا بيعيطوا مش علشان هم خايفين، لا عشان بيتمنوا إنهم يموتوا معاهم، وابني يقولي ياريت لو مت أموت وأنا بصلي"، وتضيف: "بعد ما حصل التفجير في مارجرجس، أبونا كان بيقول لنا استعدوا".
في المحلة الكبرى يعيش سامح متري، وقتما سمع خبر التفجير "سيبت اللي ف إيدي وجريت على طنطا"، لملم الرجل أصدقائه "وقلنا نحاول نتبرع بالدم أو نشيل مصابين"، عقب الحادث بساعة تواجد في محيط الكنيسة، فما رأى إلا غضبا يعلو وجوه الجميع.
بين "مارجرجس"، والمستشفيات دار متري، حتى استقر أمام المشرحة "الوضع اللي بنعانيه هيفضل زي ما هو لحد ما شجرة التشدد تتشال"، يرى ابن المحلة أن التأمين لن يكفي "طالما في ناس بتبيح قتلنا"، تمر الدقائق أمام مسرح الموت، لا يمتلك متري من أمره شيئا سوى الدعاء الراحلين "هما في حتة أحسن"، ينفض تراب الإرهاق والحزن، ثم يهم بالرحيل من المكان، على وعد بالعودة غدا لتعزية أهالي الضحايا.
فيديو قد يعجبك: