"عن الخريطة".. موقع يتحدى إسرائيل بالاعتراف بقرى النقب
كتب- إشراق أحمد:
في الثامن عشر من يناير المنصرف، كانت الجرافات الإسرائيلية تعرف طريقها إلى منازل قرية أم الحيران بمنطقة النقب، نحو 8 منازل تساوت بالأرض ونال الرصاص من أحد أهالي القرية، التي لا تعترف إسرائيل بوجودها. في مثل هذه الأحداث التي تتوجه فيها الأنظار ويندفع الفضول نحو تلك البقعة المهمشة من فلسطين المحتلة، يجد أعضاء منتدى التعايش السلمي في النقب أهمية لمشروعهم "عن الخريطة"، الموقع الإلكتروني الذي أطلقوه قبل نحو خمسة أعوام لتوثيق تاريخ قرى يعمل الاحتلال على وأد بقائها مكانًا ورمزًا.
خريطة تتناثر عليها أسامي القرى وإحداثيات الأماكن، بالوقوف على إحدى النقاط الحمراء الرامزة لــ"قرية غير معترف بها" أو اختيار اسم قرية، ينسدل تفاصيل مكتوبة، تاريخية ومتابعة لمجريات الحاضر عن تلك القرية، وإن تواجد ألحق بها صور عن المكان وروابط للإضافة. كذلك جاء محتوى الموقع المتصدر لواجهته اسم "عن الخريطة.. القرى العربية البدوية في النقب".
عشرات القرى لا تعترف إسرائيل بوجودها في النقب، تحصيها ميخال روتم المشرف على المشروع في 35 قرية، من أجلها جاءت فكرة الموقع الإلكتروني كما قالت لمصراوي "منذ إعلان قيام دولة إسرائيل وهي وترفض الاعتراف بالقرى البدوية في النقب، ولم يتم إلحاقها بالخرائط الرسمية، وعدم الاعتراف بها ليس فقط قانوني ولكنه رمزي إذ تزعم الدولة أنهم بدو مرتحل وبهذا ليس لهم حقوق بالمكان لذلك كان هدفنا التوثيق والإمداد بدليل يدحض رواية الدولة ورفض الاعتراف".
النقب منطقة يغلب عليها الطابع الصحراوي، أهلها من البدو، ووفقا للموسوعة الفلسطينية تمثل أقل من نصف مساحة فلسطين، فهي قرابة 12,000 كم2، وتتخذ شكل مثلث كبير قاعدته في الشمال، ورأسه في الجنوب، وضلعه الغربي يشكل حدود فلسطين مع مصر، أما الشرقي فالحدود مع الأردن. بعد عام 1948 وتهجير الفلسطينيين من أرضهم، تشبث البعض بمناطقهم في النقب وهم من شّكلوا أهل القرى غير المعترف بها.
في غضون عام 1997 اجتمع مجموعة من الفلسطينيين واليهود على رفضهم لسياسات إسرائيل التميزية ضد العرب، اتفقوا على دعوة التعايش السلمي في إطار يحمل الحقوق والمساواة بين الجميع وشكلوا ما عُرف باسم منظمة "منتدى التعايش السلمي في النقب"، بعدما اعتبروا أن إسرائيل تفشل في الاحترام والوفاء بالتزاماتها في حقوق الإنسان، فعملوا على تنفيذ عدد من المشاريع الخاصة بتطوير المنطقة كان منها موقع "عن الخريطة" الذي انطلق عام 2012.
ظهر المشروع خلال الأعوام القليلة الماضية غير أن الفكرة كانت عند حايا نوح، المدير التنفيذي لمنتدى التعايش السلمي في النقب، قبل ذلك بسنوات. "كان المهم بالنسبة لها أن يكون هناك موقع عن النقب بثلاث لغات العربية، الإنجليزية، والعبرية" كما قالت "روتم"، وظلت الفكرة طريحة النقاش وحينما أصبحت التكنولوجيا متاحة أخذ المشروع حيز التنفيذ وتم تعيينه على خرائط جوجل.
يعتمد "عن الخريطة" على طاقة المتطوعين من سكان النقب، هم مَن يقدمون المحتوى وساعدوا على جعل المشروع ممكنًا حسبما ذكرت "روتم"، لكن ذلك لم يأت سريعًا، فبالإضافة إلى العقبة التكنولوجية التي واجهت المشروع، استغرق الأمر طويلاً حتى يثق أهل النقب بالفكرة "كان هناك مشاكل تتعلق بالوصول والتعاون من بعض القرى التي لا ترى فوائد إيجابية يمكن أن تعود عليهم" حسبما قالت "روتم".
وجذب المشروع انضمام مختلف الاهتمامات كما قالت "روتم"، من نشطاء وفنانين وباحثين، منهم مَن وصفتهم المشرف على المشروع بالزائرين، وهم الذين يأتون من داخل فلسطين والأراضي المحتلة ومن الخارج لدعم قضية سكان النقب والقرى غير المعترف بها.
وادي النعم، العراقيب، الفرعة، صواوين، خربة، السر... تلك بعض القرى غير المعترف بها التي تتوافر أسماؤها ومعلومات عنها على "عن الخريطة"، لا يجمعها المشروع فقط على دوائر الطول والعرض بل مشاكل تسلبها أساسيات الحياة، تتقدمها عدم وجود بنية تحتية من صحة ومدارس وكهرباء ومياه، والسياسة الواسعة لهدم المنازل كما قالت "روتم"، إذ رصد منتدى التعايش السلمي هدم سلطات الاحتلال لنحو 982 منزلا خلال عام 2016، وذلك مقابل غياب خيار للبناء القانوني، في حين يتم السماح لإقامة مستوطنات يهودية جديدة، بالإضافة إلى القبض على النشطاء السياسيين، والعنف الأمني.
تعيد إسرائيل في منطقة النقب ما فعلته من نكبة قبل أكثر من 60 عاماً، ليس فقط بمحاولة انتزاع الأرض، لكن بسلبهم حقوقهم، وسياسة التمييز التي تنتهجها، ولا تخص القرى غير المعترف بها بل "حتى في القرى المعترف بها هناك العديد من هذه المشاكل لا زالت قائمة" حسبما ذكرت المشرف على المشروع، إذ أشارت "روتم" إلى ترك العديد من الطلاب للتعليم مبكرًا، فيما يحمل أخرون شهادات غير معتمدة، ليواجهوا بعدها انخفاض فرص العمل وتدني الأجور خلاف اليهود المقيمين في المنطقة ذاتها.
تجد "روتم" أن وجود يهود في كيان المشروع أمر طبيعي قائلة "هناك الكثير من اليهود في إسرائيل يدعمون كفاح البدو العرب ويعارضون سياسات الدولة مع المجتمع البدوي في النقب وانتهاكات حقوق الإنسان تجاه الفلسطينيين على نحو أوسع"، معتبرة أن المشروع كان بالنسبة لها ولغيرها مدخلاً لمعرفة مجتمعات لم يكن مسموح لهم الوصول إليها من قبل؛ ليستطيعوا تسجيل التاريخ الشفوي للنقب، إحدى المناطق التي تزعم إسرائيل أن مَن فيه "غزاة ولصوص" حسب قولها.
ردود فعل إيجابية يتلقاها القائمون على "عن الخريطة" بعد كل حادث يقع في النقب حال هدم منازل قرية أم الحيران مؤخرًا، وفي تلك الأوقات يتأكد هدف المشروع في "الحفاظ على قرى النقب عن طريق جعلها مرئية بتسجيل تاريخ وجودها وسبل عيش سكانها" كما قالت "روتم".
"هذه القرية لا تتوفر معلومات عنها بعد في الموقع.. في حال كان لديكم معلومات تريدون تزويدها رجاء التواصل" تتمنى "روتم" أن تختفي هذه العبارة من الموقع، تأمل في جمع المعلومات عن القرى 35 غير المعترف بها، واستكمال توثيق الجانب التاريخي وإلحاقه بالخريطة، كذلك لملمة التفاصيل التي توضح أن البدو العرب كانوا يعيشون في النقب منذ سنوات طويلة قبل إقامة دولة إسرائيل، منتظرة اليوم الذي ينتهوا فيه من الأرشيف المرئي المتضمن لمادة مصورة ليضاف إلى ما لديهم من مصادر يعتبرونها دليل قانوني على وجود قرى النقب.
فيديو قد يعجبك: