من حريق "الأقصى" إلى تفجير "الحرم النبوي".. وقائع من تاريخ "الإرهاب" على المقدسات
كتبت-إشراق أحمد:
جاءت العملية الانتحارية المنفذة بالقرب من المسجد النبوي بالأمس، لتصدم الكثير بوصول يد الإرهاب إلى إحدى الحرمين الشريفين، وكان استنكار الواقعة ليس فقط لمقتل 4 أشخاص وإصابة آخرين 5 آخرين بأواخر شهر رمضان وقبل يوم من عيد الفطر، إنما لاستبعاد حدوث مثل هذا الفعل بإحدى المقدسات. وإن كانت تلك الواقعة الأولى من نوعها بالحرم النبوي، لكنها ليست كذلك بشأن المقدسات الإسلامية بشكل عام. بل ربما الأقل وطأة مما سبقها. وفي هذا التقرير يرصد مصراوي أبرز الوقائع التي انتهكت قدسية البشر والحجر.
حصار الكعبة
الساعة تشير إلى الخامسة و20 دقيقة، من مستهل اليوم الأول من شهر محرم لعام 1400، الموافق 20 نوفمبر 1979. كانت جموع المصلين بساحة الكعبة قد أدت صلاة الفجر، حين خرج عليهم مسلحون، أوصدوا أبواب الكعبة، وأخرجوا أسلحتهم من نعوش موتى وهمية، وسيارات الماء التي استخدموا لنقل عتادهم كما يقول ناصر الحزيمي وهو أحد المنتمين السابقين للجماعة السلفية المحتسبة مَن نفذت تلك العملية لكنه لم يكن معهم، وسجل مذكراته في كتاب بعنوان "أيام مع جهيمان كنت مع الجماعة السلفية المحتسبة".
وقف رجلان الأول يسمى جهيمان بن محمد بن سيف العتيبي العتيبي، والثاني محمد عبد الله القحطاني، ينادون في زوار البيت بمبايعة "القحطاني" باعتباره المهدي المنتظر. ساد الزعر بين المعتمرين والركع السجود، الرصاص بات مباحا في ساحة الحرم المكي، بإحدى الشهور المحرم بها القتال، منع الأذان عن قبلة المسلمين، وصارت المآذن مستباحة من قبل المعتدين، يبثون عبرها كلامهم في محاولة لإقناع المأسورين بالاستجابة والمبايعة "للمهدي المنتظر".
حدث مفجع حاصر بيت الله الحرام لنحو أسبوعين، حتى صدرت فتوى إباحة مقاتلة المعتدين، واقتحام الكعبة لتحريرها؛ تحركت الدبابات والمروحيات العسكرية، وقبل الولوج تم مطالبة "جهيمان" ورجاله بتسليم أنفسهم، لكنهم لم يفعلوا، وصوبوا وابل رصاصهم نحو قوات الأمن المشاركة بعملية تحرير الحرم المكي، التي ارتقى على إثرها نحو 200 شخص ممن تواجدوا بالكعبة وإصابة نحو 600.
ويقول محمد النفيعي مدير قوات الأمن السعودي المنفذة للعملية في حوار تليفزيوني معه إنه تم اجبار المسلحين على النزول إلى الأقبية، ومن ثم تطهير أسطح المسجد الحرام، ومن بعدها الكعبة بأسرها، ليخلو البيت للمرة الأولى في الرابع عشر من شهر محرم من المصلين وإقام الصلاة، فيما تجلت ظلال المعركة بالجدران والدماء المراقة بساحة أولى المساجد التي تشد لها الرحال. وتم القبض على متزعمي العملية "جهيمان" –الموظف السابق بالحرس الوطني السعودي ودارس الفلسفة الإسلامية بجامعة مكة المكرمة- و"القحطاني" وعدد من المسلحين الآخرين، وفي التاسع من يناير لعام 1980 الموافق 19 صفر نُفذ حكم الإعدام فيهم.
مكة "كلاكيت تاني مرة"
بعد نحو 9 سنوات من الواقعة الأكثر عنفا وصدمة في العهد الحديث، كان الحرم المكي على موعد آخر مع انتهاك، لكن تلك المرة بموسم الحج عام 1989، إذ وقع انفجارين بالقرب من المسجد الحرام، نتج عنه مقتل شخص وإصابة نحو 16 آخرين، وتم القبض على 16 شخص من الحجاج الكويتيين، تم اتهامهم بتنفيذ تلك العملية، ونفذ فيهم حكم الإعدام بعدها بأيام في 21 سبتمبر 1989.
حجاج إيران عام 87
لم يقصر انتهاك الحرم المكي على الكيانات الإرهابية المسلحة، بل سجلت بعض الأحداث بصمتها في تاريخ التجاوزات بحق المقدسات، وكان أبرزها ما حدث عام في السادس من ذي الحجة 1407 الموافق 31 يوليو 1987، وأسفر عن مقتل 402 شخص، وإصابة نحو 600 آخرين، بعد أن كسر عدد كبير من الحجاج الإيرانيين شعائر المناسك وقاموا بالتظاهر رافعين صور آية الله الخميني، وبتصدي الأمن السعودي لهم، تراجع الجمع مما أدى التكدس إلى زلل الخطوات وسقوط الكثير ودهسهم أسفل الأقدام، وذكر بيان وزارة الداخلية السعودية حينها أن الحجاج الإيرانيين قاموا بطعن عدد من الحجاج ورجال الأمن بما يحملونه من "سكاكين"، وهو ما تسبب إلى جانب الدهس في أعداد الوفيات والإصابات تلك حسب البيان. ونتج عن تلك الواقعة قطع العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران حتى عام 1991، وتقليل أعداد الحجاج الإيرانيين.
وتأتي تلك الوقائع امتدادا لأخرى، غاصت لها القلوب حزنا من هول فعلها، حال ما عرف من "فتنة القرامطة"، ما تسببت في غياب الحجر الأسود عن الكعبة لنحو 22 عاما. كان ذلك عام317 ه الموافق عام 908 ميلاديا، أثناء موسم الحج، تحديدا يوم التروية، حين اقتحم أبو طاهر القرمطي –زعيم القرامطة في البحرين وهم مجموعة من القبائل العربية- ساحة الكعبة، وعاث ورجاله فسادا بحرم الكعبة، وقتلوا مَن تواجد حينها –حسب كثير من الروايات- وسلبوا كسوة الكعبة، ثم فروا إلى موطنهم بصحبة الحجر الأسود الذي عاد لمكانه عام 339 ه.
حريق المسجد الأقصى
ومن أولى الحرمين إلى ثالثهم، وقبلة المسلمين الأولى، التي تأبى الذاكرة نسيان جرم الاحتلال، في عدم كفايته بالاستيلاء على الأرض، بل بتخريب درة مقدساتها. نحو 47 عاما مرت حتى الآن على ذكرى حريق المسجد الأقصى، الذي بث شرارته الأولى الاسترالي اليهودي دينيس مايكل.
في صباح يوم 21 أغسطس 1969 انتهز "دينيس" ابن الثامنة والعشرين عاما حينها، خلو ساحات المسجد الأقصى، وتوجه إلى قلب المسجد القبلي، وعند منبر صلاح الدين نثر ما يحمله من مادة سريعة الاشتعال، لتأكل ما بطريقها، وتفشل محاولات المقدسيين في إخماده إلا بعد ما لحق به ضرر بالغ، وسط صرخات وبكاء أهل القدس، ومنع قوات الاحتلال وصول سيارات الإطفاء إلى ساحات المسجد، فيما قدمت المستوطن اليهودي للمحاكمة، ليخرج بعدها بدعوى عدم أهليته العقلية، بينما ما كان ذلك إلا بداية لتجرأ يومي من قبل الاحتلال على ساحة المسجد الأقصى وأهله.
الحرم الإبراهيمي
وبمدينة الخليل، لازالت الشوارع تحفظ أسماء 29 قتيل ارتقوا بساحة مسجد الحرم الإبراهيمي، ذلك المكان الذي يحمل لدى الفلسطينيين قدسية لا تقل عما يحمله المسجد الأقصى. لكنها لم تسلم كذلك من الانتهاك؛ كان هذا يوم الجمعة 25 فبراير 1994، حين هجم المستوطن اليهودي "باروخ جولدشتين" بزي عسكري على المصطفين لأداء صلاة الفجر بالمسجد، ليفتح بدم بارد خزائن الرصاص، فلم تبقى ولا تذر إلا بإعلان "مذبحة الحرم الإبراهيمي"، وقدم الفاعل للمحكمة وحكم عليه بالجنون أيضا حال "دينيس"، ليفر بفعلته، التي أغلق الحرم على إثرها لنحو 6 أشهر، عاد بعدها مقسما بين اليهود والفلسطينيين، بنسبة أقل لأصحاب الأرض-20%:80%- مقابل 10 أيام خلال الأعياد.
فيديو قد يعجبك: