استمرار حبس أحمد ناجي.. جولة جديدة لمُحاكمة الخيال
كتبت-رنا الجميعي ومحمد مهدي:
دوّامة يغرق بها الكاتب أحمد ناجي منذ كتابته رواية "استخدام الحياة"، قبل صدورها رسميًا نشر الكاتب فصل من روايته بجريدة "أخبار الأدب"، تحديدًا بأغسطس 2014، تعرّض للفصل المنشور أحد المواطنين، وقدّم بلاغًا ضد ناجي بتهمة "خدش الحياء"، حرّكت النيابة العامة الدعوى إلى القضاء، ليُصبح ناجي ورئيس تحرير أخبار الأدب "طارق الطاهر" مُتهميْن، ويتم التحقيق معهما بنيابة بولاق أبو العلا، لينتهي فصل من القضية بحبس ناجي عامين، وتغريم الطاهر عشرة آلاف جنيه.
داخل محكمة شمال القاهرة الابتدائية، في قاعة 2، ظهر ناجي للمرة الأولى بعد حبسه، خمسة أشهر مرّت على الأصدقاء دون رؤيتهم لناجي، ظلوا يتوافدون منذ العاشرة صباحًا لرؤيته، فاليوم هو محاولة من أجل وقف تنفيذ العقوبة، مجموعات صغيرة ظلّت منتظرة حتى قدومه في الحادية عشر، لتزداد الأعداد داخل القاعة، مع وجود عدة قضايا أخرى يتم النظر فيها، وقف صاحب رواية "روجرز" داخل القفص مرتديًا بذلة زرقاء، على ظهره كُتب "نزيل".
قبل ظهور ناجي وقفت وفاء هيكل، إحدى صديقاته، منتظرة قدومه "معندناش أمل كبير في الجلسة، كل أملنا إننا نشوفه بس"، تقول إن الدعم المُوجه لناجي لم يكن فقط قانوني، بل هناك تضامن على المستوى الثقافي، فبالإضافة إلى ندوات أقامتها نقابة الصحفيين، وتنظيم أيام لقراءة أعمال ناجي، فقد حاز على جائزة من مركز القلم الأمريكي لحرية الكتابة، تلك الحالة من التضامن لم تشمل المؤسسات الرسمية، برأي وفاء، " كنا نتمنى إنه يكون فيه دور أكبر لوزارة الثقافة، بس دا مش حاسين بيه أوي".
مع دخول ناجي إلى الزنزانة، بدأت الهواتف المحمولة في الظهور لتصوير الكاتب، ليعلو صوت ينهرهم، ويُهدد بمغادرة ناجي القاعة، اختفت "الموبايلات"، وتوافد الأصدقاء لرؤيته من وراء القضبان، فتعلو ابتسامة على وجه الشاب مُتحدثًا إليهم، طابور صغير يقف وراء بعضه، وثواني قصيرة يتكلم فيها كل واحد منهم، ليأخذ دوره صديق آخر، هي المرة الأولى التي يراه فيها الكاتب "محمد ربيع"، صاحب رواية عطارد، منذ حبسه، حيث لا تسمح زيارته في سجن طرة سوى للأقارب من الدرجة الأولى، عشرة أعوام منذ بدء صداقة ربيع وناجي، ومن المعتاد بينهما أن تمر فترة كخمسة أشهر ليتقابلوا "بسبب الانشغال بس بيكون حُر"، غير أنها المرة الأولى التي تنقضي نفس المدة وهو داخل الحبس.
من وراء القضبان حاول مصراوي التحدث مع ناجي، منذ نشره فصل روايته في 2014 إلى اليوم، لم يضع باعتباره أن يصل به الخيال إلى السجن، كما أنه ثمّن جهود عدد من أعضاء مجلس النواب، لمطالبتهم بتعديل المادة 178 من قانون العقوبات، والتي تنص على المعاقبة بحبس الكتاب لمدة لا تزيد عن سنتين في قضايا النشر، وبالفعل تم إحالة مشروع القانون المقدم إلى لجنة مشتركة من لجنتي الشئون التشريعية والدستورية، والإعلام والثقافة لمناقشة الاقتراح ونص التعديل، وتتمنى وفاء تعديل تلك المادة لكي "يبقى ناجي آخر واحد محبوس بسبب الكتابة".
خمسة أشهر قضاها ناجي في السجن حتى الآن، لم يُقابله خلالها سوى عائلته، وتمتد الفترة بين كل زيارة وأخرى لـ15 يوم، يحضر فيها "محمد" شقيقه، بالإضافة إلى أمه وأبيه وبقية أخواته "الزيارة بتكون مدتها 60 دقيقة أو أقل لو الدنيا زحمة"، يعيش محمد في القاهرة فيما يأتي الوالدان من المنصورة، مسقط رأس ناجي، فيما يقول إن صاحب رواية "استخدام الحياة" يُحاول دومًا شغل وقته، الكتابة التي أودت بناجي للسجن، لم تجعله ينفر منها، بل تكون القراءة جزء من تقليل مساحات الفراغ، كما حكى لشقيقه عبر إحدى الخطابات عن قيامه بمحو أمية بعض المحبوسين "وبيفكر في رواية جديدة"، لا يتوقع محمد أي جديد اليوم في حالة أخيه، لكن الفائدة الوحيدة هي "المهم إنه شاف الناس، وهما شافوه، دا بيبسطه".
حضر محمود عثمان، محامي ناجي، ينتظر بدوره الحكم، ويتحدث لأصدقاء الكاتب، وفي سؤاله عن توقعات اليوم، لم يأمل بالكثير "مش متوقعين ممكن يحصل أيه، غير مزيد من الحفاظ على فكرة الأخلاق مش الإبداع"، يوضح المحامي وجهة نظره حيث يقول "ناجي هيقف في نفس الدايرة اللي حكمت عليه"، مما يترتب عليه ذات الاتجاه في الرأي من قِبل المحكمة "أحمد كان متبرأ في الدرجة الأولى، وخد أقصى عقوبة في الاستئناف، ودا على غير العادة"، ويشرح معنى ذلك أن هناك اتجاه محافظ لدى الدائرة تجاه الأخلاق، مما يعني "مش هيكون فيه جديدة في الدايرة دي".
يترتب على ذلك مُحاولة أخرى يقوم بها عثمان وهي؛ النظر أمام دائرة من دوائر الجنايات، حيث انتبه المشرع، حسب عثمان، إلى الإشكالية المقامة في حالة ناجي من نظر نفس الدائرة "المشرع أصدر قانون 17 لسنة 2016، قبل العيد بأسبوع، إنه هيتم تشكيل في شهر عشرة دوائر جنايات لنظر الجنح المستأنفة".
في أجواء خانقة حيث درجة حرارة زادت عن 35، وثلاثة مراوح بالسقف لا تُجدي نفعًا، تعلو الرقاب أحيانًا للنظر إليها علّ بعض الهواء يهب منها، جلوسًا أو وقوفًا انتظروا لأكثر من ثلاث ساعات داخل قاعة 2، طالت المدة فقدم أحدهم لتوزيع المياه على الأصدقاء، لم ينفض الجمع حول صاحب مدونة "وسع خيالك"، فما إن تنتهي مجموعة من الحديث معه، حتى يتوافد آخرون، وبينهم انتظرت الكاتبة والصحفية بأخبار الأدب "منصورة عز الدين" الحكم، عايشت منصورة الفترة التي انضم فيها للجريدة، فتتحدث عن انطباعها عن ناجي "هو صحفي موهوب وكاتب مجدد مش تقليدي، حتى في الكتابة الصحافية بيدور على مناطق جديدة زي ملفاته عن الجرافيتي والمهرجانات"، كما أنه ينتمي لجيل الإنترنت والمدونات "ودا بالنسبة لي جيل واعي ومنفتح على العالم".
في الثالثة عصرًا صدر الحكم، رفضت دائرة بولاق أبو العلا إشكال وقف التنفيذ، لم تنتهِ جولات قضية ناجي، الخطوة القادمة كما يشرح عثمان هي نظر النقض، والذي قُدّم بأواخر إبريل، كذلك النظر مرة أخرى إلى دائرة من دوائر الجنايات، ما يعني حبال مديدة أمام القضاء، وهو ما يجعل المحامي خائفًا من "ممكن ناجي يقضي العقوبة كلها وفي الآخر يتم تبرئته في النقض".
فيديو قد يعجبك: