لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

بالصور: "أم دينار".. قرية بلا دستور

06:00 م الأحد 05 يونيو 2016

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب– يسرا سلامة ومحمد زكريا:

 

على مسافة تقدر زمنيا بقرابة الساعة والنصف تبتعد قرية "أم دينار" عن ميدان الجيزة، المحافظة التي تنتمي لها القرية، فيما يتمم الرئيس عبد الفتاح السيسي نصف مدته في سدة الحكم، كانت قرية أم دينار واحدة من القرى التي حلُمت بوضع أفضل قبل تولي الرئيس وإعلاء الدستور، عدد من مواد الأخير كان باعثا على الأمل إذا ما تم تطبيقه على أرض الواقع، لكن هنا في "أم دينار" تبدو مواد الدستور "من كوكب آخر"، فيما تحلم القرية بهامش من الحياة.

1

الصرف الصحي.. "حلم" القرية

في مدخل القرية كان أحد العمال يقوم بتسليك مكانا لمياه الصرف، فيما تعلوه يافطة "قرية أم دينار ترحب بكم"، افترش السواد على يديه جراء مياه الصرف المتسخة.

يعتمد الأهالي في الصرف على ماء "الطرمبة"، تكتظ حولها النساء لملء مياه نظيفة، وبعدها يحملن جرادل الصرف فوق رؤوسهن، ليلقين بها في الترعة التي تعلوها القمامة، وذلك في أحد الأجزاء المعروفة بالقرية، التي تقع ملاصقة لأحد المدارس الابتدائية هناك، فيما يلقين بعضهن بماء الصرف أمام منازلهن مثل "مسعدة جميل".

مسعدة سيدة في منتصف الثلاثينات، لا تعمل وإنما تملك من الأبناء ثلاثة، اثنين من الشباب، التي منعتها الظروف المادية وقصر ذات اليد من الولوج إلى المدارس، وأدخلتهم فور اليفوع إلى العمل في مصانع الطوب الأحمر، بمساعدة والدهم. حتى عام منصرم، كان الوالد يعمل، عقبها لم يقوَ على العمل، وجلس بالمنزل، تأويه الأسرة بيومية الابنين التي لا تزيد عن 50 جنيها.

فيما تحمل الأسرة "هدية" الابنة الصغيرة ذي السنتين، لا تقدر "مسعدة" أيضا أن تدخلها في نظام تعليمي، وفي مرضها لم تجد إلا مستشفى حميات إمبابة، البعيدة عن القرية بكثير من الكيلومترات، وبمسافة تصل إلى الساعة من القرية، وسط أزمة كبرى تسردها "مسعدة" لـ"مصراوي" "كل همنا هنا الصرف الصحي والمية النضيفة".

 

2

حال "هدية" الابنة الصغيرة يشبه كثيرا حال قرية "أم دينار" التي تضم نحو 55 ألف نسمة تستقبلك بأزمة ذكرها لنا أحد سكانها "عز الدين الحريري" وهى اختلاط مياه الصرف بمياه الزروع، وهو ما يُعد انتهاكا لمادتين في الدستور المصري، واحدة تلزم الدولة بمراعاة البيئة، والأخرى تجرم التعدي على الأرض الزراعية، "ورد النيل" النبات الشيطاني يفترش أرض الفرع المتداخل للقرية من فرع رشيد من النيل، وماسورة كبيرة تالفة تنزل مياه صرفها - من خارج القرية- على مياه نظيفة تروي الأرض.

 

المساحة الخضراء على مداخل القرية توحي للداخل إليها بوضع جيد، سرعان ما يتلاشى مع الدخول إلى أرض القرية، طرقات متعرجة، وبيوت تعلوها مياه نظيفة نتيجة لخروج المياه من الأرض، بيوت ذي أسقف منخفضة نتيجة الردم كل عام بالإسمنت، انخفاض الأرض يجعل المياه تدخل أسرع للبيوت.

3

"بنشيل الوسخ كل يوم على دماغتنا، مفيش عربية كسح بتدخل هنا الشارع ضيق" بتقولها "عفاف سيد" بضجر، يردف الحريري في ذكر مأساة أهالي القرية، قائلا أن أكوام القمامة لا تجد من المجلس المحلي للمدينة أي اهتمام، أزمة الصرف تؤلم أيضا رأس "أم أسماء" أو عزة حامد فتح الله، التي على وقع هذا الألم ذهبت مرات عديدة إلى مستشفى خارج القرية، تقول إنها لا تجد إلا طبيب خاص واحد فقط يغطي القرية كلها، وهو طبيب باطنة، لا يفيد كثيرا بحسب السيدة الذهاب إلى مقر الوحدة الصحية "مفهاش دكاترة، ومعندوهمش للحرارة والبرد إلا دوا واحد، للصغار والكبار"، تذكر "عفاف" إنها توجهت حين حملها إلى الوحدة فلم تسعفها، وجراء ذلك وضعت طفلها خارج القرية.

 

4

حال المدارس.. "تكدس وبلا حمامات"

"ياما قدمنا شكاوى لحل أزمة الزبالة ومية الصرف اللي بتتكب فيها لكن مفيش مسؤول بيعبرنا"، يقولها طلعت جابر حارس مدرسة أم المؤمنين، فيما يضيف أحد سكان القرية "بلدنا خارج الخريطة، ومفيش مسؤول بيجي هنا، ومرة قلت لنائب محافظة الجيزة عن حالتا قالت لي "إيه أم دينار دي؟".

 

5

"بلدنا كلها مشاكل".. كلمات تمتم بها الطالب أحمد حمدي عيد، بالصف الثالث الإعدادي من القرية فور سؤاله عن أحوالها، أحمد كان يصطحب اثنين آخرين من زملاؤه لمعرفة نتيجة الشهادة الإعدادية بمدرسة "أم دينار"، المدرسة الإعدادية الوحيدة في القرية، غير أن فترة الإجازة يقضيها أحمد فى العمل ليعين أهله على تحمل مشاق الحياة الاقتصادية، "بعد الإمتحانات أحمد بيروح يشتغل فى البصل، بيشيلوا العش من البصل، اليوم ب40 ج، لكن العيال ممكن يسيبوا الامتحان ويشتغلوا الحاجات دى عشان مصاريف رمضان والعيد" يحكى والد أحمد.

دكك متهالكة افترشت جزء من أرض المدرسة التي تشهد عملية الصيانة، يقول مدير المدرسة جمال الحريري إن المدرسة كُتب لها الورق قرابة 50 ألف جنيه لعملية الصيانة، لكنه يشكو من سوء خدمة الصيانة المقدمة "العمال مكتوب إنهم يبيضوا ويوضبوا لكن كل اللي بيعملوا انهم ينفضوا الحيطان، فمستوى المدرسة بيكون زي ما هو"، مل مدير المدرسة الخمسيني من شكاوى تٌرفع إلى الإدارة التعليمية، ولكن تظل حالة المدرسة في وضع يُرثى له.

6

تخلو مدرسة "أم دينار" من أي مدرسة للتعليم الثانوي، فيما تحل بها مدرستين ابتدائيتين، يكتظان بكثافة عالية، بقترتين دراسيتين، وهما مدرسة أم المؤمنين ومدرسة أم دينار، بواقع قرابة 75 طالب وطالبة للفصل الواحد، فيما يخرج من يتمنى استكمال تعليمه الثانوي إلى خارج القرية بالقرى المجاورة مثل قرية كفر حجازي، في الوقت الذي تلزم فيه المادة 19 من الدستور المصري الدولة المصري التعليم الثانوي، وتكفل الدولة مجانيته في مراحله المختلفة في مؤسسات الدولة التعليمية.

 

 

"مدرسة أم المؤمنين هى أساس المشاكل، الطالب الابتدائي بيخرج منها لا بيعرف يقرا ولا يكتب، واحنا كمدرسين ابتدائي مش دورنا إننا نعلم القراية، لكن إننا نشرح منهاجنا"، يذكر المدرس بالمدرسة الإعدادية إيهاب الخولي، بجانب أيضا كثافة الفصل في المرحلة الإعدادية لـ60 طالب وطالبة.

7

التكدس أزمة تأتي بجانب أزمة أخرى في مدارس القرية الثلاثة، وهى عدم وجود "حمامات" للطلاب، يظل الحديث عنها مرتبط بأزمة الصرف الصحي التي تعم القرية بكاملها، ففي المدرسة الإعدادية "أم دينار" يستعين المدرسين والأهالي من أجل بناء حمام للطلاب "اتصرفنا وعملنا غرفة تفتيش للحمام، وفيها طرمبة وطرنش للطلاب"، يذكر المدرس إيهاب، يقول المدرس إنه تقدم بمذكرة لإصلاح الحمامات في شهر أغسطس الماضي.

 

 

ليس أزمات للطلاب فحسب، لكن تعاني المدرسة الابتدائية بالقرية "أم دينار" من عجز في المدرسين يصل إلى 24 مدرس، كما يطال العجز المدرسة الإعدادية، حيث يقول مديرها "جمال الحريري" إن هناك عجز واضح في مدرسين العلوم والرياضيات واللغة الانجليزية، ويضرب المثال بمدرسين اثنين فقط للعلوم بالمدرسة الإعدادية.

8

وسط أجواء دراسية صعبة، ووسط عجز بالمدرسين، يظل الحديث عن أنشطة للطلاب وسط "أم دينار" رفاهية لا مجال لها، فهذا حوش المدرسة الإعدادية ونظيرتها الابتدائية غير ممهد مثله مثل طرق القرية الواقعة شمال الجيزة، بجانب حديث مدير المدرسة "لا غرف للأنشطة لدينا، وكل المدرسة الإعدادية لديها مدرسة واحدة للموسيقى، ولا يوجد أي مدرسين في باقي التخصصات".

 

 

ويذكر مدرس العلوم بالمدرسة الإعدادية إن هناك أيضا مدرسين منتدبين من قرى خارج أم دينار، مع مسابقة 30 ألف معلم التي ترعاها الوزارة، لكن انتدابهم سينتهي قبل بداية العام الدراسي الحالي، ومعه سيزداد العجز بين صفوف معلمي القرية، يردف المدرس في سرد تفاصيل أزمة المدرسين "الإنجليزى عندنا مدرسة واحدة ومدرسة تانية واخدة اجازة رعاية طفل واحنا بنحتاج 5 مدرسين إنجليزى، أما بالنسبة للعلوم كل ما لدينا معلمتين اثنين فقط"، يحصل المعلم في المدرسة على بضع جنيهات تجعل المهنة طاردة، فيما تظل المادة 22 من الدستور تروي واجب الدولة تجاه المعلم "المعلمون وأعضاء هيئة التدريس الركيزة الأساسية للتعليم، تكفل الدولة تنمية كفاءاتهم العلمية ومهاراتهم المهنية، ورعاية حقوقهم المادية والأدبية بما يضمن جودة التعليم".

9

"الصحة".. وحدة صحية "ع الورق"

 

 

سيارة تحمل أرقام لوحات "ملاكي"، داخل بناية صغيرة، تعلوها لافتة صفراء كتب عليها "وحدة إسعاف أم دينار، هيئة الإسعاف المصرية"، "الإسعاف موجود على الورق بس لكن هو مش موجود، والمبنى بقى جراج" يقولها "بنداري السيد" إداري بمستشفى أم دينار، تشتكي البلدة من غياب عربة الإسعاف عن مقر أنشأوه من تبرعات أهلها، "عربية الإسعاف ممكن تبقى موجودة 3 أيام بالكتير فى الأسبوع" يقولها أبو العز الحريري صاحب مطبعة بالقرية، غير أن خروج عربة الإسعاف برفقة أحد المرضى يستلزم التواصل مع وزارة الصحة "حالات جلاطات بتحصل والإسعاف هنا فى البلد ومبتطلعش غير بتنسيق من الحكومة"، غير أن وجودها ضروري لعدم جاهزية الوحدة الصحية بأم دينار لاستقبال جميع الحالات، ونظرا لبعد المستشفيات عن القرية "بنروح معهد تيادور فى الوراق يا إما معهد القلب فى إمبابة أو القصر العيني"، يقول "عز الحريري" إن نسبة الفشل الكلوي تتجاوز في القرية نسبة 35% من أهالي القرية، فيما يظل فيرس سي شبح يهيم على بطون أهالي القرية.

 

10

"لكل مواطن الحق فى الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقاً لمعايير الجودة، وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التى تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافى العادل" نص المادة 18 من باب المقومات الأساسية للمجتمع.

 

بجانب "هيئة الإسعاف"، لافتة تشير إلى "المركز الصحي بأم دينار"، قطعة أرض لفضاء فسيح، هدوء يطغى على المكان، بنايات تتكون من دورين، عيادات تتراص بجانب بعضها بعض، "أيه لازمة انك تديني مبنى زي الفل و23 أوضة مقفولة على الفاضي دور تاني كامل ومفيهوش حد طالما مش هنعمل بيه حاجة أديهولى أعمل مجمع خدمات أهل البلد يستفيدوا بيه" يقولها "بنداري"، "عدد الأدوية مش بيغطي كل الأمراض، بنركز على الأمراض المستوطنة مثل البلهارسيا والديدان، بجانب علاج ارتفاع الحرارة والمضاد الحيوي" تقولها نسرين أحمد مسؤولة الصيدلية بالوحدة.

11

تتحدث "نسرين" عن عدم جاهزية الوحدة الصحية لاستقبال كل الحالات "بعض الأدوية مش موجودة إلا في المستشفى، الوحدات الصحية دكتور باطنة وعلاج طبيعي وأطفال فقط"، تتفق معها طبيبة تؤدى تكليف بقسم الباطنة بمركز أم دينار منذ شهر واحد "ساعات حوادث عربيات أو خراج محتاجة مستشفى جراحة، بنقدم لها الإسعافات الأولية ثم تنقل للمستشفى"، أكثر ما يلفت انتباه الطبيبة المنتقلة حديثا للعمل بالقرية هي الأمراض المرتبطة بمشكلة الصرف الصحي "الإسهال والمغص والجفاف للأطفال بسبب اختلاط المياه بالصرف الصحي، ومشكلة الديدان كتيرة ومنتشرة جدا"، غير أن جاهزية مستشفى "مبارك العسكري" أفضل.

 

مكان أثري.. بجوار القمامة

 

بمجرد السير باتجاه منتصف القرية، رائحة تزكم الأنوف، مياه عطنة تشغل الأرجاء، القمامة تستوطن المكان، والذباب زائره، "قنطرة" منطقة أثرية بحكم القانون كما يقول أهل قرية أم دينار، فى رواية عرفت القرية "بأم دينار" نسبة لمقر صك العملة فى عهد الملك "الظاهر بيبرس"، وروايات كثيرة تحكى عن أصل المكان التاريخي، "طالبنا المجلس المحلي لصيانة الأثر ورعايته ومحدش استجاب" يقولها إيهاب الخولي. فيما ينص دستور الدولة، في مادة تحمل رقم 49، بحماية الأثار، والحفاظ عليها، ورعاية مناطقها، وصيانتها.

11

يحلم أبناء القرية بمجمع استهلاكي في القرية، التي لا يوجد بها أي منفذ للبيع، "نفسنا القوات المسلحة تبنيه"، بالفعل وفر الأهالي في القرية مقر له، ولكن لا تقوى إمكاناتهم المادية على دفع المجمع الاستهلاكي للنور، يقول أحد الأهالي "قدمنا كشف للتبرعات، لكن الأهالي قدموا قرابة 128 جنيه فقط، واحنا محتاجين 14 ألف جنيه للمجمع".

 

 

فى مقابل مدرسة "أم المؤمنين" الابتدائية، أرض شاسعة، تغطيها رمال صفراء، على بوابتها ذات الجدران المتهالكة ، لافتة كتبت عليها "مركز شباب أم دينار"، غير أن الأمور داخلها تشير عكس ذلك، فهو مكان مهجور إلا من "عارضة" ممزقة، وعلى جانبيها أكوام من القمامة، "ده بليل بيتشرب فيه مخدرات" يقولها "الحريرى" بابتسامة خفيفة، يتبعه الحديث عن الإدلاء بصوته في الاستفتاء قبل عامين، وتوعية أهل قريته بأهمية المشاركة في دستور نص في مادته الـ84 على "ممارسة الرياضة حق للجميع.. وعلي مؤسسات الدولة والمجتمع اتخاذ ما يلزم من تدابير لتشجيع ممارسة الرياضة.. وينظم القانون شئون الرياضة والهيئات الرياضية الأهلية وفقا للمعايير الدولية".

13

بحسب عدد من أهالي القرية، وجدت القرية إقبالا في التصويت على دستور عام 2014، أملا في تحسن أوضاع القرية، فيما لا تنذر الأوضاع بتقدم حال القرية في أزماتها الرئيسية، المياه والصرف الصحي والتعليم والصحة.

 

فيديو قد يعجبك: