لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

رغم الإفراج.. هشام السوري آخر سجناء "تيران وصنافير" خلف القضبان

04:53 م الأحد 12 يونيو 2016

هشام السوري

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-دعاء الفولي:

قبل السادسة مساءً بقليل، يقف محمد زهير أمام باب قسم العجوزة. منتظرًا السماح له بإدخال طعام الإفطار والسحور لابنه "هشام". يُفتح الباب، يُعطي الرجل ما أحضره للعسكري، يختلس نظرة علّه يشاهد قرة العين القابع بالسجن، لكنه لا يستطيع. يأتي الحارس مُعلنًا انتهاء الزيارة. يعود "زهير" أدراجه، وتنهال عليه خيبة الأمل. يزور ولده منذ بداية رمضان معتقدًا أنه سيعود معه للمنزل في إحدى المرات. لا مبرر واضح لبقاء الشاب ذو الأربعة وعشرين عامًا بالسجن، فقد دفع غرامة الخروج كما فعل زملاءه المحبوسين على ذمة قضية "جمعة الأرض". يفكر الوالد في سبب مقنع فلا يجد سوى أن ابنه سوري الجنسية، ما يجعله في مصاف الاتهام دائمًا.

في 25 إبريل الماضي، اتصل أحد الأشخاص بـ"زهير"، مخبرًا إياه أنه تم القبض على هشام وترحيله على سجن الجيزة المركزي الكيلو عشرة ونصف، استغرق الأب دقائق ليستوعب الأمر، قبل أن يشد الرحال على المكان. كان القبض على الشاب السوري عشوائي، حسبما يروي والده لمصراوي "قاللي إنه اتاخد من أول فيصل يوم الجمعة.. ظابط اشتبه فيه مع إنه مكنش بيعمل حاجة".

47 شابًا حكمت عليهم محكمة الجنح في 15 مايو الماضي بالحبس خمس سنوات وتغريمهم 100 ألف جنيه، لاتهامهم بالتظاهر دون تصريح، وقطع الطريق وتعطيل المواصلات العامة والإخلال بالأمن العام. وفيما بعد أسقطت محكمة جنح الدقي عقوبة الحبس وأبقت على الغرامة، غير أن حملة قامت لتجمع تلك الأموال وبالفعل تم دفعها لجميع الشباب، من ضمنهم "هشام".

الابتسامة لم تفارق الشاب السوري داخل محبسه، غير أنه تنبأ بعدم خروجه حتى بعد دفع الغرامة، كما يحكي محمود حيدر، أحد المحبوسين على ذمة القضية "كان حاسس انه مش هيخرج معانا لأنه سورى.. بس كنت بطمنه وبقوله كلنا هنخرج وهنحتفل"، كان الخوف الأكبر الذي يعتري "هشام"، سببه والده "راجل مُسن وهشام بيشتغل عشان يساعده"، وذلك ما أكده "زهير" قائلًا "انا عمري 74 سنة وهو بيعيلني".

عقب القبض على "هشام"، ذهب الأب لمسئولي الأمم المتحدة بمصر، ومفوضية اللاجئين وغيرها من الأماكن، راجيًا إيجاد طريقة لإخراج ابنه من السجن أولًا، ثم التقديم على منحة والسفر لأي بلد أوروبي. يعرف "زهير" أنهم إذا تركوا مصر سيغضب الشاب المحبوس "عشان روحه في مصر"، لكنه ما عاد يملك أي خيارات "ومليش غيره اللي معايا من إخواته.. كل واحد فيهم في حتة وهو اللي جنبي".

في أغسطس 2011 رافق "زهير" ابنه "هشام" واخوه ووالدتهما، في رحلة شاقة للهروب من دمشق، بعدما قام جيرانهم الموالين للنظام بحرق محل الوالد وتهديده "روحنا على الأردن.. وبعدين جينا على مصر". لم تكن تلك المرة الأولى لـ"هشام"، فقد جاء عدة مرات بصحبة أبويه "لأن أمه مصرية"، أحب الشاب الاستقرار بمصر رغم ضيق العيش، فأصبح له أصدقاء وحياة هنا.

لم يسلم "هشام" من سوء المعاملة أحيانًا بسبب جنسيته. يحكي "زهير" أنه تم القبض عليه أواخر عام 2015 "كان بيلعب كورة مع أصحابه في منطقة الطالبية وخدوهم"، خرج زملاء الشاب أيضًا عقب التحريات، فيما مكث هو بضعة أشهر بقسم الدقي، وتم التحقيق معه من قبل الأمن الوطني والتعدي عليه، قبل إطلاق سراحه، بداية عام 2016، على حد قول الأب.

بعدما علم الشباب القابعون في قسم العجوزة، بالحكم عليهم خمس سنوات "هشام أغم عليه وفضلنا نفوق فيه ساعة وإدارة السجن مكنتش معبرانا". بالكاد استطاع الشباب إفاقة زميلهم، الذي حاول التماسك فيما بعد، بل والتخفيف عن الآخرين، ففي أحد الأيام قرر "حيدر" الدخول في إضراب مفتوح عن الطعام، فجاءه الشاب السوري ليقنعه بالتراجع عن الإضراب، فانهار "حيدر" في البكاء "حضنّي وقالى طلع غضبك فى العياط احنا محتاجينك معانا".

عقب الإبقاء على "هشام" في السجن، قيل له إن ترحيله لسوريا مُحتمل "ابني لو اترحل لسوريا هيموت"، يقول الوالد مضيفًا أن فلذة كبده في سن الجيش "يعني لو متقتلش هيدخلوه الجيش". تساؤلات لا تهدأ، تطرح نفسها بعقل الابن المحبوس ووالده، وروايات كابوسية عمّا يمكن أن يحدث لو تم ترحيله بالفعل، فيما لا تنقطع اتصالات "زهير" بالمحامين المسئولين عن القضية "مفيش جديد.. هما نفسهم مستنيين الأمن الوطني يرضوا يخرجوه لأن النيابة قالت إنه معليهوش حاجة".

لـ"هشام" أحلام. منعته الحرب في سوريا من استكمالها منها "إنه يدرس صيدلة". حين جاء لمصر كان بالمرحلة الثانوية، غير أنه لم يستكمل تعليمه بسبب ضغط العمل وضياع أوراقه "ملحقتش أجيب معايا غير ورق الابتدائي فقط"، في المقابل لم يتخلَ الشاب عن رغبته، فعمل بإحدى الصيدليات، إلى أن تسمح الظروف له باستئناف دراسته. وفي السجن كانت خبرته البسيطة في الأدوية، خير معين لزملائه.

مع ازدحام العنبر بالأشخاص، اُصيب البعض بأمراض تتفاوت درجاتها، بين الإعياء نتيجة الإضراب، نزلات البرد، ضيق تنفس وغيرها، كما يقول "حيدر". لازم "هشام" أصحاب تلك الأمراض ليحرص على إعطائهم الأدوية في أوقاتها المناسبة، كان "حيدر" يفيق من النوم "فألاقيه قاعد سهران مستني ميعاد الدوا بتاع حد عشان يديهوله". غير أن الشاب السوري لم يستطع إسعاف نفسه حين أصابه ضيق التنفس أكثر من مرة بسبب دخان السجائر وضيق مساحة السجن، فكانت النتيجة إصابته بالربو "وبقينا بندّخله بخاخات للتنفس وكمامات بعد كدة.. هشام لو كمل على الحالة دي هيموت جوة السجن".

بينما يقرع الوالد جميع الأبواب لإنقاذ الابن، يحاول "هشام" التغلب على حزنه. يتماسك قبل ميعاد الزيارة اليومية، يطمئن على والده خلال دقائق يتلاقيا فيها، لكن بمجرد جلوسه لأحد أصدقائه بالسجن، يخبرهم بشعوره الحقيقي، كما فعل مع "حيدر"، الذي يقول "مش عايز أبوه ييجي يزوره عشان ميتعبش وعشان التكلفة والضيقة المالية اللى هما فيها".

فيديو قد يعجبك: