قصة 6 سيدات رائدات في تاريخ التكنولوجيا
كتبت - رنا أسامة:
تتشكّل في أذهان البعض صورة نمطية إزاء بعض الوظائف، ترتبط بوجود تولّي الرجال دون النساء لها، بيد أن العديد من النماذج استطاعت أن تكسر تلك الصورة وتُثبت أن العناصر النسائية قادرة على تولّي أي مهمة أيًا ما كانت درجة صعوبتها ومدى تعقيدها، وفيما يلي يُسلّط موقع Upworthy الأمريكي على أحد تلك النماذج.
منذ 70 عامًا، كلِف الجيش الأمريكي 6 سيدات من فيلادلفيا للاشتراك في مشروع خاص جدًا، يتصل بمجال البرمجة الالكترونية.
في عام 1942، اُختيرت كُلٍ من: (بيتي جان بارتيك، كاثلين ماكنولتي، روث تيتلبوم، فرانسيس سبنس، مارلين ميلتزر، بيتي سنايدر)، للعمل ضمن مشروع حكومي سري لإنشاء أول حاسوب رقمي الكتروني، يُعرف بـ "إينياك"، كأول حاسوب مُخصّص للأغراض العامة في العالم، صُمّم بهدف حساب حركة مقذوفات مسارات الصواريخ خلال الحروب بصورة أسرع.
وبالرغم من الإشادة بخلفيات هؤلاء النساء الرياضية، إلا أنهُن لم يقُمن بالعمل على جهاز كمبيوتر بضخامة "إينياك" من قبل، لذا التحقن بدورة تدريبة مُكثّفة لمدة 3 شهور في أبردين بولاية بنسلفانيا، تعلّمن خلاله الكثير من الأنظمة الحاسوبية اللازمة للمشروع.
بعد انتهاء الدورة التدريبية وعودة السِت سيدات إلى مدرسة "مور" للهندسة في فيلادلفيا، بدأن العمل في برنامج إينياك، وتم إعطاؤهُن مجموعة من الرسوم البيانية الموضّحة للكمبيوتر كدليل إرشادي لهم.
تم تجهيز حاسوب "إينياك" بـ 18 ألف من الأنابيب المُفرغة، 70 ألف من المقاومات، 10 آلاف من المُكثّفات، و5 مليون من المفاصل الملحومة يدويًا.
وبوزن وصل إلى بِضع عشرات من الأطنان، وحجم بلغ 1500 قدم مربع، تشكّل العِملاق "إينياك"، ما تطلّب جهدًا بدنيًا كبيرًا لتشغيله والعمل عليه.
عَمِلت السِت سيدات، أو (طاقم الرِعاع المكوّن من 6 إناث)، وفق المُسمّى الوظيفي المُتفق عليك آنذاك، بكدّ ليل نهار، 6 أيام في الأسبوع، فكُنّ يسحبن الكابلات على الآلة الضخمة، وفي بعض الأحيان كُنّ يضطررن إلى الزحف بداخلها لإصلاح الأنابيب الخاطئة.
(كنت أعمل أنا و"بيتي" على وضع اللمسات الأخيرة والتشطيبات، وربط النهايات المفتوحة)، تقول جان بارتيك في أحد الحوارات التي أُجريت معها عام 2011، مُردّدة شعار (أبدو كفتاة، اتصرّف كامرأة، وأعمل ككلب).
كان العمل شاقًا، مُرهِقًا، ولكنهُن نجحن في اللِحاق بفجر الثورة الرقمية، ليُصبحن "أول مُبرمجي كمبيوتر في الولايات المتحدة الأمريكية".
حينما كُشف النِقاب عن "إينياك" في 15 فبراير 1946، أشادت الصحافة به واصِفة إياه بـ "الدِماغ العِملاق"، لسرعته الفائقة التي تُمكّنه من حساب المعادلات الرياضية المُعقّدة بصورة أسرع 10 آلاف مرة من أي آلة حسابية.
غير أن هذا العمل الثوري الذي قامت بها هؤلاء النساء، تم تجاهله تمامًا تقريبًا، بل تم التعامل معهُن بنظرة دونية حقيرة لت ترقى إلى مستوى مجهوداتهن، لدرجة عدم دعوتهُن إلى حضور العشاء الذي أُقيم احتفالًا بكشف النِقاب عن ذلك الجهاز.
أعربت "باتريك" عن استيائها الشديد من هذا الأمر في حوار مع شبكة CNN، قائلة: "كان هذا الأمر فظيعًا، ولم يكن سرًا، المشكلة الوحيدة أنه لم يعبأ أحد بمشاعرنا أو يهتم لتقديرنا."
بيد أنه وبعد مرور 50 عامًا على تهميش هؤلاء النساء الرائدات في مجال البرمجة الالكترونية، تم تنصيبهُن في قاعة مشاهير النِساء العالِمات عام 1997، كما حصلت إحداهُن (هولبرتون) - في العام نفسه - على جائزة "أوغستا أدا لافليس" Augusta AdaLovelace، التي تُعد أعلى جائزة يتم منحها في مجال الحوسبة من قِبل رابطة المرأة.
وفي 2011، أعلن مجلس مدينة فيلادلفيا، اعتبار يوم 15 فبراير يومًا عالميًا لـ "إينياك"، رسميًا، تكريمًا لجهود فريق العمل الخاص به، وفي العام الماضي، أُسّست مدرسة "هولبرتون"، كمدرسة قائمة على مشاريع مُهندسي البرمجيات في سان فرانسيسكو.
وفي 2014، تم تسجيل قصة هؤلاء السيدات في عمل وثائقي بعنوان: ("أجهزة الكمبيوتر"، بفضل جهود مُبرمجي مشروع إينياك).
ومن ثمّ فكُل من يملك هاتفًا ذكيًا أو حاسبًا، يدين بالكثير لهؤلاء السيدات الرائدات.
ولكن دعونا لا ننسى أنه لا يزال هناك الكثير من التقدّم الذي يجب إحرازه من جانب النساء العامِلات في صناعة التكنولوجيا، فحتى الآن لا تُتاح سِوى فرص قليلة للمرأة للعمل في هذا المجال، نتيجة الصورة النمطية السخيفة التي تقضي بأنهُن "لا يصلُحن لذلك العمل".
إنه لشىء مؤسِف أن نسبة الـ 30% من عِمالة الإناث في شركة جوجل، تُمثّل أعلى النِسب في صناعة التكنولوجيا، ما يُناقض الواجب اتباعه استنادًا إلى ما كشفته دراسة حديثة بأن النساء أفضل من الرجال قليلًا في مجال البرمجيات، ما يستوجب الاعتراف بقدرات النساء في مجالات العمل المختلفة، لاسيّما في صناعة التكنولوجيا.
فيديو قد يعجبك: