"غَصْب".. قصص واقعية لسيدات تعرضن للاغتصاب
كتب - شروق غنيم ومحمد زكريا:
شباب يتراصون على مقاعد ثابتة، داخل غرفة صغيرة، يتبادل الجمع الأحاديث بصوت خافت، أجهزة لاسلكية تقوم بدور المترجم للزائرين من جنسيات أخرى، في الخلفية ينتظر آخرون دون مقاعد متاحة. على مسرح خافت الإضاءة، تبدأ إحداهن الحكي عن تجربتها، يتفاعل الحضور بالانتباه لحكاياتها. واحدة تلو الأخرى تروي قصصًا مختلفة، تتركز جميعها على قضية الاغتصاب، في إطار حملة عالمية لمناهضة العنف ضد المرأة، تبدأ في الـ25 من نوفمبر كل عام وتمتد لمدة 16 يومًا.
لم يَغب اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرآة عن مصر. إذ دشنت مبادرة نظرة للدراسات النسوية فعاليات لمناهضة العنف ضد المرأة، واختارت الاغتصاب موضوعًا لها خلال 16 يومًا. إحداها بمعهد جوته الألماني قبل أيام، تحمل اسم "غَصْب"، بالاشتراك مع مشروع "بُصي"، ومركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، من خلال جلسة حكي لتجارب مختلفة عانت مرارة الاغتصاب.
بعد أن انضبط الجمع، ساد السكوت أرجاء الغرفة خافتة الأضواء، صعد عدد من أعضاء مُنظمة "بُصي"، يحكي شبابها 9 قصص واقعية، عن حكايات الاغتصاب دون الإشارة إلى هويات أبطالها الحقيقيون. في البداية لفتاة تحكي عن الاغتصاب الزوجي، عبر سيدة يعرضها زوجها للعنف الجسدي واللفظي بشكل يومي، غير أنها تتحمل أعباء الحياة المادية وحيدة دون أن يراودها التفكير في الانفصال للحظة "الناس هيقولوا مُطلقة ودايرة على حل شعرها".
قبل أن تبدء أخرى مُجسدة لفتاة تعرضت للاغتصاب أيضًا، لكنها لم تفكر مطلقًا في الحكي عما تعرضت له، خوفًا من الوصم؛ في ظل عادات مجتمعية تقهر المرآة التي تعرضت لنفس الشئ، فيما تنهي حديثها "حتى لو فضلت ساكتة، جسمي بيحكي كل اللي حصل".
توالت الحكايات عن جرائم الاغتصاب الذي تتعرض له الفتيات، إذ جاءت إحداهن عن تعرض بطلتها لذلك من والدها، وأخريات من أصدقائهم وممن اعتبرهن "آبائهن الروحي"، وركزّت أخرى على سبل مواجهة أهل إحدى المغتصبات للأمر "أبويا وأخويا بيضربوني عشان أنا جبتلهم العار، وأمي بتقول لي يا مدام"، قبل أن تعكس قصة جديدة ما وراء ذلك من عادات مجتمعية راسخة منذ بعيد؛ تواجه الضحية.
حكاية أخرى تشير إلى ما تتعرض له المرآة المُغتصبة من ضياع لحقوقها القانونية. فإحداهن تحكي عن تجربتها مع الدقائق الأولى لدلوفها أحد أقسام الشرطة للإبلاغ عن الحادث، فيأتي رد الضابط مستهزءً بآلامها "تلاقيكي روحتِ بمزاجك معاهم"، وتنتهي القصة بإجبارها على التنازل عن القضية من قِبل قوات الشرطة، بعد أن تنل نصيبًا من الضرب المُبرح.
تأتي الفاعلية في إطار الحملة التي أطلقتها منظمة الأمم المتحدة، إحياءً لليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرآة، ويصاحبها عبارات على موقع المنظمة الأممية، إذ "يهدف النشاط المناهض للعنف القائم على نوع الجنس، المصاحب لليوم العالمي لحقوق الإنسان في الفترة من 25 نوفمبر وحتى 10 ديسمبر، على تسخير 16 يومًا لرفع الوعي العام وحشد الناس في كل مكان لإحداث تغيير لصالح النساء والفتيات".
جاءت إضاءة المسرح الخافتة، تعكس "ظِل" المؤديين للحكايات، تمامًا مثل حال أبطال القصص الحقيقيين، يعيشون في الظِل خوفًا من "الوصم". وهو السبب الذي جعل السيدات اللائي تعرضن للاغتصاب يرفضن حكي قصصهن بأنفسهن، حسب نهلة سليمان، مسئولة الإعلام بمشروع "بُصي" لمصراوي.
وسط الحكايات التسع؛ ظهر رجل يحكي كيف تعرض للاغتصاب من قِبل أقاربه، وكيف عانى طيلة حياته الشابة إثر ذلك الحادث. وهو ما تفسره مُزن حسن، رئيس منظمة نظرة، بأن المنظمة فضلت الاهتمام بقضية الاغتصاب بشكل عام، والتي يتعرض لها كل الفئات من الجنسين، لذلك رغبت الفاعلية في تسليط الضوء أيضًا على الرجال الذين يتعرضون لذلك رغم قِلة عددهم مقارنًة بالسيدات.
قبل بداية العرض، نوّهت سندنس شبابيك، مديرة مشروع بُصي، إلى أن من يحتاج إلى دعم معنوي؛ إزاء تأثره نفسيًا من العرض، يتوجه إلى الطبيبة النفسية المتواجدة ضمن فعالية المشروع. وخلال العرض سقط أحد الرجال مغشيًا عليه، ودخلت إحدى الفتيات الأجنبية في نوبة بكاء خلال سماع حكايات الاغتصاب، فيما يتمنى القائمون على المشروع الموجه ضد العنف الذي تتعرض له المرآة إلى التوعية بآثاره المدمرة على حياتهن الجسدية والنفسية.
فيديو قد يعجبك: