إعلان

"ثقب في القلب" يبحث عن غذاء له داخل عربات المترو

05:53 م الثلاثاء 15 نوفمبر 2016

ألبان الأطفال

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- محمد زكريا:

زحام شديد، أحاديث تدور حول غلاء المعيشة وتحدياتها، تتوقف قطارات وتذهب أخرى، يدلف عبد الرحمن صلاح إحدى عربات مترو الأنفاق، يرفع يده اليسرى حاملًا حافظة تحوي أوراق ثبوت المرض بجسده وابنه الرضيع، تتعلق باليمنى عبوة فارغة من اللبن المُصنع، يترجى راكبي المواصلة الأرخص بمساعدة تمكنه من الحصول على عبوة ممتلئة منه، يرمقه الحضور بنظرة عاجزة، يحوقل الشاب الثلاثيني وينطق "يحلها ربنا من عنده بقى"، قبل أن يُغادر إحدى محطاته سريعا خوفا من مُلاحقات أمنية.

قبل 6 سنوات عقد عبد الرحمن قرانه. وقتها كان يتقاضى 650 جنيها، نظير عمله بائع بأحد محلات الأحذية الرياضية. ضَعف ما يتقاضاه من أجر في حينها لم يكن يؤرق ابن حي المطرية كثيرا. إلى أن تغير الحال بعد أن رُزق بطفليه "عمر عنده 5 سنين والسنة الجاية داخل المدرسة، وموسى عنده سنة و8 شهور".

بعد شهر واحد من نبض قلب "موسى" بالحياة، اكتشف الوالد إصابته بأحد أشكال العيوب الخلقية "ثقب في القلب". اعتصر قلب الأم على طفلها. قرر الزوجين طرق كل أبواب العلاج رغم قصَر اليد "روحنا مستشفيات كتير، وعملنا آشعة ياما". وقبل أن يُكمل عامه الأول كان الأب يوفر غذاء ابنه من خلال اللبن المدعم حكوميا. غير أن اقتصار الدعم على مرحلتين ممن لا يتعدى عمره عاما واحد، أصاب "عبد الرحمن" بغصة شديدة "الحكومة مبتديش لبن مرحلة 3.. لما كبر مبقناش عارفين نجيب اللبن منين".

قبل أيام، حَمل "عبد الرحمن" شهادات علاجه وولده، ودع الأم والطفلين، عقله يشت داخل رأسه "مكنتش عارف هجيب علبة اللبن منين"، سايرته قدماه نحو مترو الانفاق "مكنتش عارف هعمل ايه"، دلف أحد عرباته، فجأة خرج صوته المكتوم "بقيت أقول للناس أنا مش عايز فلوس يا جماعة، أنا عايز علبة لبن، خدوا رقمي واتصلوا بيا قولولي تعالى خد اللبن، نزلوا اسم اللبن على الفيس يمكن صيدلي يشوفوا ويجبهولي"، وبعد أن استقر بأحد محطاته حاصرته رجال الشرطة "خدوني على الأوضة فتشوني، قالولي اللي أنت بتعمله ده شحاتة"، فيما جاء رده بصوت خافت "أعمل ايه.. ابني تعبان والدولة مش راضية توفرلي اللبن"، بعدها أطلقت قوات الأمن سراحه، فما كان منه إلا أن اتخذ قراره الأخير بعدم المعاودة في وقت لاحق.

منذ فترة بعيدة يعمل "عبد الرحمن" بائع بأحد أفران المخبوزات "12 ساعة في اليوم، الساعة بـ5 جنيه"، بالقرب من مسكنه بالحي الشعبي بالقاهرة "مأجر شقة بـ500 جنيه في الشهر.. بتأخر في دفع الإيجار". غير أن إصابة صاحب الـ30 عاما بانزلاق غضروفي، قلصت من قدرته على العمل المتواصل "بشتغل يوم وأقعد يوم". الأمر يعود إلى ما يزيد عن 7 سنوات "كنت شغال سقف معلق، ووقعت من على السئالة"، بعدها فقد المبلغ التأميني الذي عَقد عليه أمل الشفاء، بعد أن قايضته الشركة بثمن الجلسات الطبيعية التي اجرتها له.

علاج الابن المريض وتوفير غذاء له، كل ما يشغل "عبد الرحمن" وزوجته. منذ 8 أشهر كان الأب يحصل على عبوات اللبن من خلال دعم تقدمه جمعية رسالة الخيرية "هيرو بيبي 3 بـ87 جنيه.. 7علب في الشهر، العلبة بتقضيه 3 أيام ونص". غير أن انقطاع الدعم الخيري قبل شهرين، أصاب الوالد بعجز شديد؛ تساؤلات الزوجة عن غذاء الصغير، الظروف الاقتصادية الصعبة "أنا على استعداد اشتغل أي حاجة بس ضهري معجزني"، صراخ الطفل الجائع "اشوفه يصعب عليا.. تسمع صوت قلبه كأنك بتدق بشاكوش في أوضة فاضية". وقتها أحاط اليأس نفس العائلة الصغيرة.

في رمضان الفائت، توجه "عبد الرحمن" رفقة زوجته، إلى مستشفى أبو الريش للأطفال. وبعد أن قَدم طلب إجراء عملية جراحية لابنه؛ واجهته إجراءات حكومية معقدة "ادوني ميعاد في 8 أكتوبر". وفي الموعد المحدد بالتمام تم إرجاء طلبه "قالولي تعالى يوم 25 يناير2017". لم يستسلم الوالد للأمر، قرر اللجوء لعضو مجلس النواب عن دائرته، إذ أرسله لجمعية تحمل اسم "واحد من الناس"، والتي قامت بدورها بتوجيه طفله إلى مستشفى دار الشفاء "قالولي احنا بناخد الحالات الصعبة، ولو قدمت هتاخد ميعاد أبعد من اللي متحددلك في أبو الريش".

بعد أن لمست قدماه بوابات "المترو" من الخارج، سرح "عبد الرحمن" في تفكير عميق؛ عن معاناة يلقاها يوميا من أجل توفير قوت أسرته، بعدها عاد إلى بيته؛ محملًا بخيبة أمل كبيرة، رمقته الزوجة بنظرة عاجزة، احتضنت الأم طفلها الجائع لينام. بعد أيام وصلته مكالمة تعرض عليه توفير علبة اللبن المطلوب، فرحة تهز قلبه، أخبر زوجته بالخبر السعيد، قَبل ولده وانطلق سريعا "قابلت الراجل في مصر الجديدة، واداني 4 علب هيرو بيبي 3" الذي يتلائم مع حالة طفله المريض. شكر الوالد العاطي، اختلطت الدموع بجفون الأب، هدأ الأخر من روعه "قالي لو محتاج حاجة أبقى كلمني"، عاد سريعا إلى بيته المُنتظر قدومه على جمر، طمئن الأم القلقة. وبعد أن أطعمت الأم صغيرها الجائع، غاص الرجل في تفكير عميق عن خطواته المقبلة "ازاي هعمل لابني عملية بيوصل تمنها لـ40000 جنيه وأنا مش عارف أوفر له علبة لبن". قبل أن تُطمئن دعواته قلبه الموجوع "ربك موجود".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان