في مصر.. يوم الحكومة بسنة (تقرير)
كتب-أحمد الليثي ودعاء الفولي:
قبل نحو شهرين حضر أحمد بركات من الإمارات إلى مصر لتجديد أوراق هويته، في إجازة لمدة أسبوع. لكنه اصطدم بروتين قد تركه قبل 10 أعوام، ليعيش أجواء عصيبة جراء تأجيل موعد طائرته لمرتين وعمل متراكم ينتظره لدى العودة "والأزمة إن مفيش سبب وجيه لده كله" حسب قول الشاب.
احتلت مصر المرتبة 110 في مؤشر "الحكومة المفتوحة" من بين 113 دولة شملها تقرير "سيادة القانون"، الصادر عن مشروع العدالة العالمي منذ أيام قليلة، إذ تفوقت على 3 دول هي أفغانستان، كمبوديا وزيمبابوي.
8 مؤشرات اعتمد عليها التقرير في تقييمه؛ هي القيود على قوى الحكومة، وغياب الفساد، والحكومة المفتوحة، والحقوق الأساسية، والنظام والأمن العام، وإنفاذ القانون، والعدالة المدنية، والعدالة الجنائية. ويتم تقييم الأداء على هذه المؤشرات الفرعية من خلال 44 محددا آخر.
كان لمصر تقييم مختلف في كل مؤشر من التقرير، غير أن أسوأ نسبة حصلت عليها جاءت من نصيب "التأخير غير المنطقي في تطبيق الإجراءات الحكومية"، والذي حصلت فيه مصر على 5%.
"تعطيل المراكب السايرة" هو الوصف الذي استخدمه بركات لما عاناه "لما بتسأل على حاجة محدش بيجاوب.. الرد بيبقى فوت علينا بكرة وخلينا نشوف شغلنا، الموظفة في المجمع عطلتني يومين كاملين عشان مش عاجبها شكلي في الصور".
منذ حوالي 30 عاما تعمل عزة محمد بوزارة القوى العاملة. تتعامل يوميا مع الجمهور، تحاول -على حد قولها- تيسير الإجراءات على المواطنين، لكنها تقول إن ذلك ليس حال كثيرين ممن يعملون في القطاع الحكومي، والبالغ عددهم حتى عام 2014-حسب إحصاء الجهاز المركزي للتعبئة- 5.752 مليون فرد.
الأزمة في رأي عزة تبدأ من الأفكار المُسبقة، فالجمهور يظن أن الموظف لا يؤدي عمله، وفي المقابل بعض الموظفين يعتقدون أن دورة العمل لن تكتمل دونهم فيعتمدون على الرشاوي في تعاملاتهم "فيه موظفين بانيين عمارات وهما مرتباتهم متجيبش ده".
الواسطة كانت الحل الأمثل لبركات صاحب الـ35 ربيعا "واحد حبيبي خلص لي كل حاجة في 24 ساعة.. لو استنيت الحكومة كنت هقعد شهر"، لا يزال ابن حي عبود الشعبي متذكرا أحد مسئولي المصالح الحكومية الذي أرغمه على دفع 10 جنيهات بدلا من جنيه واحد حقا للدمغة "كان سنة 2000.. وقتها قاللي معاك كام؟، استغربت. فرد بكل جرأة: يا تدفع يا تخرج من الطابور".
يدرس "مؤشر سيادة القانون" الخاضع لمشروع العدالة العالمية حوالي ٤٢ دولة من خلال مسوح تُجرى على ألف شخص بكل دولة، وطبقا لتقرير المشروع الصادر عن عام 2010 كانت مصر قد احتلت المركز الأخير في "سيادة القانون" مقارنة بسبع دول في الشرق الأوسط، كما حصلت حينها على ٠.١٣ درجة في مؤشر مدى انفتاح الحكومة، و٠.٥٠ في مدى طلب المسؤولين الحكوميين للرشوة.
تكمن خطورة تقرير مشروع العدالة العالمي لهذا العام في ما يحمله المستقبل. إذ يقول المهندس هاني محمود، وزير التنمية الإدارية الأسبق لمصراوي، إن أي مستثمر قادم لمصر يُتابع تلك المؤشرات قبل العمل "وبالتالي تقرير بهذا الشكل مش هيكون مطمئن لأي حد عايز ييجي".. وتراجعت مصر 13 مركزا –من المرتبة 97 وصولا إلى 110 بين 113 دولة- عن تقييمها في العام الماضي.
منذ خمس سنوات بدأت شركة "بسيطة" في السوق ضمن كيانات استثمارية تخدم المواطنين بإنجاز أوراقهم الحكومية بدلا عنهم. عن طريق بروتوكولات تعاون مع الدولة، حسبما يقول إسلام دانبل، الممثل القانوني للشركة، لمصراوي.
رفع الملل عن المواطن الذي يضطر للوقوف في الطوابير لساعات هو ما تفعله "بسيطة". فعن طريق مكالمة تليفونية يُجريها المواطن مع الشركة، يصل المندوب إلى المنزل ليتسلم الأوراق المطلوب إنجازها، سواء بطاقة الهوية، جواز السفر، وحتى خدمات الشهر العقاري والتصديق على الأوراق الحكومية المتعلقة بالسفارات "بمقابل مادي بنكون قايلينه للمواطن قبلها وميعاد تسليم الأوراق بيكون مُقارب لوقت الحكومة، وبنوصل الورق لحد البيت".
المقارنة بين مصر والإمارات واجبة طيلة الوقت في ذهن بركات؛ "هناك كل مصلحة لها موقع على الإنترنت موضح أي خدمة، وطرق التواصل.. ولا يسمح لأي موظف حكومي استلام أي مبالغ نقدية من مواطن، وفي حالة تجديد أي ورق يتم في ثواني من خلال بصمة العين، وهناك أماكن لأصحاب الأولوية من العجائز والنساء.. من الأخر أنت بتاخد خدمة أدام الرسوم، في مصر بتدفع ومفيش أي مقابل".
وكانت الإمارات قد تصدرت دول منطقة الشرق الأوسط خلال تقرير مشروع العدالة العالمي لهذا العام، برفقة الأردن وتونس.
النسبة المتأخرة التي حازتها مصر هذا العام في مؤشر "تطبيق الإجراءات الحكومية"، لا حل لها في رأي وزير التنمية الإدارية الأسبق، إلا من خلال التكنولوجيا "مفيش في العالم دلوقتي محصلين كهربا بيروحوا البيوت".
يرى "محمود" أن الحكومة عليها تحليل وضع مصر في التقرير الأخير ووضع خطط فعلية لـ"ميكنة" الخدمات الحكومية خلال فترة زمنية مُحددة سلفا، مؤكدا أن ذلك ليس مُكلفا إذا ما قورن بالوقت والمجهود الضائعين بسبب الوقوف في الطوابير واستنزاف المواطنين والموظف على حد سواء.
في مقابل رفضها التام لأي رشاوي تُعرض عليها خلال العمل، لا تستطيع عزة التخلي عن دفع "إكراميات" لبعض الموظفين خلال إنجازها أوراق شخصية بمصالح أخرى "أكتر مكان في الشهر العقاري والتأمين الصحي.. المشكلة إني بدفع عشان الموظف يقوم بدوره أصلا؛ يعني هو مش بيضيفلي حاجة زيادة".
تسخر السيدة من الوضع، مؤكدة أن حتى المبلغ المالي المدفوع لم يعد صغيرا "ورقة بـ100 ولا 200 جنيه عشان تخلص حالك وتمشي"، وإلا يضطر المواطن لمواجهة تعنت الموظف.ورغم عدم التماسها العذر للموظف الحاصل على رشوة لكنها تعلم أن ضيق ذات اليد عند البعض يجعل فكرة قيامهم بواجبهم الخدمي أصعب.
في ذلك السياق يوضح الوزير الأسبق، أن توفير الوقت ليس الناتج الوحيد عن ميكنة الخدمات الحكومية، بل تقليل الفساد كذلك "القواعد العالمية بتقول إن فصل طالب الخدمة عن مقدم الخدمة بيقلل نسبة التلاعب والرشاوي بنسبة حوالي 80 %"، مضيفا أن إيجاد قانون لتداول المعلومات سيرفع بالتأكيد من شأن مصر في الإحصاءات الدولية المُتعلقة بالفساد ومصداقية الحكومة.
لم تقف شكوى بعض المواطنين عند حدود تعامل الموظفين، بل امتدت للوائح وضعتها الدولة. لذا قرر محمد سيد ألا يخوض طريق الإجراءات منذ البداية، إذ كان على وشك الزواج من فتاة فلبينية داخل مصر لكن وجد أنها تحتاج للمكوث 6 أشهر كي يُسمح لهما بالزواج، وهو ما كان مستحيلا نظرا لظروف العمل لكلا منهما.
في سنغافورة أتم الشاب الثلاثيني إجراءات الزواج بعد أن أكد له أحد العاملين بالسفارة المصرية صعوبة إنجاز مهمته في مصر "هناك برضه فيه إجراءات وضمانات لكن كلها مُيسرة عشان الزواج يبقى ناجح، مش تعقيد وخلاص"، حيث استطاع الحصول على عقد زواج موثق من السفارة في سنغافورة عقب شهر فقط من تقديم الطلب.
مازال بركات يتحسس خطواته مع كل مرة يضطر فيها للتعامل داخل المصالح الحكومية المصرية، فيقول مختتما حديثه: "الموظف شغلته في كل حتة تسهيل أمورك.. إنما في مصر بيتفنن في عكننة الناس، ومعتقد إنه يملك سلطة يُبدع بها في تعذيب المواطن".
للاطلاع على ترتيب مصر في مؤشر سيادة القانون لهذا العام: أضغط هنا
فيديو قد يعجبك: