سعيد شيمي.. الكلاكيت الأول "تذكرة سيما"
كتب- دعاء الفولي ومحمد مهدي:
تصوير- محمود بكار:
مسرعا، كان الطفل "محمد أحمد سعيد شيمي" ذو الـ 7 سنوات يشق شوارع منطقة "عابدين"، متجهًا إلى أحد دور العرض بوسط البلد، أمام السينما ينظر مبتسما إلى أفيش الفيلم الاستعراضي الجديد للسباحة الأمريكية "ايستر ويليامز"، يتقدم بجسده الضئيل نحو شباك التذاكر، يحجز مقعدا في المقدمة، يسبق الوقت من أجل اللحاق ببداية الفيلم، في الداخل يغرق في مقعده والسعادة تعلو ملامحه بينما يرى استعراضات "ايستر" داخل المياه، البطلة تسبح وترقص برشاقة، الموسيقى تصنع بهجة في قلبه، الدهشة تخطفه، يتساءل عقله عن كيفية تصوير تلك المشاهد داخل المياه، تلك لحظة اختزلها "شيمي" في نفسه، تغزل داخله الشغف لهذا العالم، تلح عليه طوال الوقت وتُذكره أن مكانه هناك، خلف تلك الكاميرا التي تنقل كل هذا الجمال، تدفعه للمعرفة والانضمام لتلك الصناعة ليُصبح فيما بعد واحد من أهم مديري التصوير في تاريخ السينما المصرية.
كان "سعيد شيمي"-نسبة إلى جده- قد ورث عن والده عشق الفن السابع، لا يفوت أية فرصة لمشاهدة الأفلام، زيارته مستمرة إلى دور العرض مع الأب أو الأصدقاء وأخرى برفقة شقيقته التي تكبره بنحو عام "هي كانت تموت في الأفلام الغرامية وأنا كنت بحب أفلام الرزع والتخبيط"، يعود من السينما منتشيا، يبحث عن كل ما يخص تلك الصناعة، يجمع المجلات الفنية من بائع الصحف الشهير بمنطقة عابدين، يقرأ بنهم، يدون أسماء الأبطال والمخرجين ومديري التصوير، يحفظ أي معلومة تقع في طريقه، صار عاشقا للسينما.
في 24 أكتوبر 1959، قرأ "شيمي" خبرا صغيرا في صحيفة الأهرام بافتتاح معهد للسينما في مصر برعاية ثروت عكاشة، وزير الثقافة حينها " أنا برقت.. هي السينما بتدرس في مصر؟" هكذا سأل نفسه، كان وقتها في الصف الثاني الثانوي، خرج من المنزل على الفور، استقل الحافلة رقم "8"، اتجه إلى عنوان المعهد بشارع النحاس "دخلت المعهد قولتلهم لو عايز أدخل أعمل إيه؟ قالوا خد ثانوية عامة وتيجي تمتحن"، اعتقد وقتها أن ذلك سيكون أمرا يسيرا، غير أن القدر كان عصيا عليه.
أمام بوابة مدرسة النقراشي الثانوية النموذجية، كان "شيمي" يقفز فرحا، وهو يُمسك بشهادته، الآن يمكن تحقيق حلمه السينمائي، انطلق إلى منزله، أخبر أسرته بالنجاح، حالة من السعادة ضجت في المكان رغم غياب الأب لوفاته، غير أن الصمت حضر في لحظات إعلان رغبته بالانضمام إلى معهد السينما "خالي قال مفيش سينما وأني هاشتغل معاه في التجارة، في محلات قويدر بتاعتنا"، لم يتمكن من إقناعهم، قالوا "طيش شباب"، وأرغموه على إقصاء حِلمه "اضطريت أدخل كلية عادية.. اختارت أداب تاريخ القاهرة لأني كنت بحب المعرفة وشاطر في الجغرافيا".
كالضيف، كان "شيمي" يتواجد داخل كليته بجامعة القاهرة، يحضر مرات قليلة، رغم خروجه كل صباح من منزله "وقتي كله في السينما، ويوم الإجازة أروح اشتغل مع خالي"، مرت الأيام بسلام حتى وصل عامل البريد ذات يوم إلى البيت، مُحملا بخطاب من الجامعة تشكو فيه غياباته المتكررة "حصلت مشكلة كبيرة" غضب الخال والأم كان عارما "قولت أحسن حاجة أسيب البيت وأستقل"، اتخذ قرار كبيرا وهو مازال في طور اكتشاف الحياة "مكنتش أعرف أي شيء وقتها عن الحياة دي".
بجيوب فارغة وحقيبة صغيرة، تقدم الشاب العاشق للسينما من مدام "توسكا" صاحبة بنسيون شهير أمام سينما "ريفولي" بوسط البلد، طالبا الحصول على غرفة صغيرة، أخبرته أن المقابل 5 جنيهات في الشهر الواحد، وافق واعدا إياه بسرعة السداد، قبل أن ينطلق إلى أحد أقاربه للحصول على عمل لا يستهلك من وقته الكثير "كان عنده 7 تاكسيات، دوري أقف في المحطة 7 بليل، أملاهم بنزين وأحاسب البنزينة" اتفق على الأمر مقابل 8 جنيهات شهريا.
3 جنيهات فقط ما يتبقى لـ "شيمي" بعد حساب البنسيون "دول لازم يقضوني شهر كامل"، وضع بهم الشاب العشريني خطة لتلبية احتياجاته الأخرى من طعام ومواصلات، يتناول طوال اليوم فول بنحو 20 صاغ ونصف، ويذهب إلى جامعته ويعود سيرا على الأقدام لتوفير 5 صاغ يوميا "دول أدخل بيهم السينما، ولو عجبني فيلم تاني أخسر وجبة في اليوم".
بعد تجربة الاستقلال عن الأسرة بوقت قصير، تقدم "شيمي" إلى معهد السينما، تخطى كل المراحل، أجاب على أسئلة القبول بثقة، كانت ثقافته السينمائية التي جمعها عبر السنوات ذخرا له في تلك اللحظات "روحت يوم النتيجة لقتهم رفضوا يقبلوني، سألت ليه مفيش إجابة"، لكنه لم ييأس قرر أن يطرق أبوابا أخرى لتعلم التصوير.
اقرأ باقى حلقات "سعيد شيمي"..
سعيد شيمي.. "حرّيف" السينما المصرية (حلقات خاصة)
في معهد السينما.. سعيد شيمي طالبًا ومساعدًا لشادي عبد السلام (الكلاكيت الثاني)
فيديو قد يعجبك: