لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

حكاية شاب من هندسة "شبرا" إلى وكالة "ناسا"..صور

08:53 م الإثنين 21 ديسمبر 2015

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-دعاء الفولي:

كان يعلم أن المستقبل ليس في وزارة الكهرباء، أخبره الوالد أن "الميري ميتفوتش"، فقَبِل أحمد سليمان العمل كباحث بالوزارة على مضض، يذهب يوميًا في مواعيد العمل الرسمية وعقله في مكان آخر. منذ تخرج في كلية الهندسة جامعة شبرا، عام 2009، وهو مُصر على أن تكون وجهته إلى معهد "كالتك"، الجامعة الأولى على العالم، تيقن أنه إذا ذهب هناك سيقدم الأفضل للبشرية، وفيما ظل بعض المحيطين به يثبطون عزيمته، كوّن سليمان الحلم على مدار خمس سنوات، حتى استطاع منذ عام فقط أن يحصل على منحة، ليصبح الطالب العربي والمصري الوحيد بمعهد "كالتك".

بهدوء ظل سليمان يعمل على مشروعه، حصل على دورة تدريبية تابعة للاتحاد الأوربي، عقب تخرجه، عن كيفية التقديم في المنح الدراسية المختلفة "وبالفعل بعت لجامعات كتير لكن كان الرد بالرفض"، سبب الرفض وقتها كان عدم وجود أبحاث علمية أنجزها سليمان، فنشر الأبحاث في مجلات مُعتبرة هو ما يُظهر مجهود الباحث، وقبل أن يشرع سليمان في ذلك، اتجه لعمل الماجستير "جامعة شبرا مش من الجامعات المعترف بيها برة فعملت الماجستير عن الموجات الكهرومغناطيسية في هندسة عين شمس".

في تلك الفترة كانت حياة سليمان أشبة بمطحنة "كنت بشتغل في الحكومة وباحث في الجامعة الأمريكية وباحث في جامعة زويل"، لكي يوفر وقتًا لعمله الخاص تعين عليه الذهاب للوزارة يومين فقط في الأسبوع " كنت بشتغل 24 ساعة يعني بجمع شيفتات الأسبوع كلها في يومين"، هكذا يصبح لديه متسع للجامعيتن الأخرتين والماجستير، وبين ذلك الازدحام لم يسرد الشاب العشريني شيئًا عما يفعل "اللي حواليا معظمهم فاكرين إني شخص فاضي ومبشتغلش.. وأنا مكنتش بحب أتكلم كتير".

مرارًا أخبر سليمان أصدقائه أنه سينضم لجامعة كالتك وسيحصل على نوبل "كانوا بيقولولي يابني هيخدوك ليه؟ دة نسبة القبول هناك 4% وبيتقدم الالاف كل سنة..اشمعنى انت؟"، لم يُعر الشاب المصري انتباهه لأحد، استوعب نقاط ضعفه ساعيًا وجعلها تختفي "الطموح كان غالبني جدًا"، رغم ذلك فسؤال "اشمعنى انت؟"، تردد في ذهنه يوميًا، فهو مُدرك أنه "لازم تبقى عامل حاجة فريدة عشان يقبلوك دونًا عن بقية الناس".

خلال 3 سنوات من الإرهاق البدني والنفسي، استطاع سليمان، أن ينشر 12 بحثًا بمجلات علمية مرموقة، حتى أن أحد أساتذة الهندسة الذي كان مسئولًا عنه خلال الماجستير رفض اختباره "قاللي انا واخد الدكتوراه من سنة 67 أول مرة يجيلي طالب ناشر 12 بحث في 3 سنين بس فمش هسألك"، ليحصل على شهادة الماجستير بدرجة 3.9 من 4.

في تلك الأثناء كانت مراسلة الطالب النجيب مستمرة مع الجامعات المختلفة "اتقبلت في جامعة نيو كاسل وإمبريال كوليج بس كنت حاطط عيني على كالتك"، مع جامعته المفضلة قام بمراسلة جامعات أخرى، منها ستانفورد وإم أي تي، ولم يكن عليه سوى الانتظار مع استكمال عمله.

في العام الماضي وبأحد الأيام، كان سليمان يتصفح الإيميل الخاص به، لتصله رسالة من أحد الأساتذة بـ"كالتك" مُعلنًا قبوله في منحة الجامعة كطالب دكتوراه "مفروض أنها بتوفر أماكن إقامة للطلاب وبتدي فلوس كمان عشان نصرف على نفسنا ونبقى متفرغين"، أخذ الشاب يتقافز في أرجاء المكان "مكنتش مصدق إن دة حصل"، في الأيام التالية جاءته رسائل أخرى من جامعة ستانفورد وإم أي تي تُعلن قبوله أيضًا كطالب دكتوراه، لكن ابن منطقة شبرا لم يتردد في الاختيار.

في نفس الوقت أرسل له الباحث الذي أصبح مُشرفًا عليه في "كالتك" يقول "وجودك كمصري معي سيكون شيئًا مُشرفًا ومُختلفًا"، وبدأت رحلة الشاب في أمريكا، بالجامعة التي تضم 31 عالم حاصل على جائزة نوبل، منهم الدكتور أحمد زويل، رئيس قسم الكيمياء بالمعهد.

"دكتور زويل كان أول حد تواصلت معاه بعد ما اتقبلت"، ذهب سليمان للمُشرف عليه في جامعة زويل، مُخبرًا إياه عن النتيجة، ليقوم الأخير بإرسال إيميل للعالم المصري "قاللي إنت فخر لينا وتشرفني أول ما تيجي ونتقابل"، لازال سليمان يذكر صدماته المتتابعة حين دخل المعهد للمرة الأولى منذ 9 أشهر "انا كنت بمشي بخبط في ناس واخدة نوبل.. مكتبي جنبه دكتور واخد نوبل وبعديه مكتب زويل.. والناس دي أخلاقها عالية جدًا ومش مغرورين".

الدكتوراه التي يُحضرها سليمان، في الموجات الكهرومغناطيسية، تهدف لمحاولة تسهيل استقبال الإشارات الآتية للأرض من الفضاء وفرز الإشارات القادمة لمعرفة الخطر منها والجيد "في معهد كالتك بنحاول نستكشف الكون ونسهل عملية الاستقبال"، صار جزءً من وكالة ناسا للفضاء أيضًا "حاليا انا باحث مساعد هناك"، فالمعهد تابع لإدارة الوكالة.

العمل في "كالتك" مُرهق للغاية "بنشتغل 16 ساعة على الأقل في اليوم"، في البداية استاء سليمان من ذلك، لكن مع الوقت تعود "الناس ف المعهد تقريبًا مبتروّحش.. بيخلصوا شغل ويناموا على الكنب.. الدكاترة مبيخرجوش من المعمل إلا عشان ياخدوا القهوة بتاعتهم ويرجعوا تاني"، الضغط كبير كذلك على الطلاب العاديين "فيه حالة انتحار هناك كل كام شهر" يحكي سليمان أنهم أحضروا أخصائيين نفسيين للتحدث مع الطلاب الذين يبدو عليهم آثار الاكتئاب بسبب الدراسة.

رغم ذلك فالإبداع هو العامل الأهم الذي لاحظه الشاب المصري "الطلبة اللي جايين من الثانوية العامة بيتعلموا يحلوا المشاكل من وهما صغيرين.. على عكس عندنا الطلاب بتتعلم تحفظ"، كان ذلك أكثر ما أراد سليمان نقله لمصر بعد عودته، فالعلم هُناك يُدرس مرتبطًا بالطبيعة المُحيطة وليس فقط كلمات موجودة في الكُتب على حد قوله.

كان صوت أم كلثوم يسطع من مكتبه حين قابله سليمان لأول مرة، رحّب به دكتور زويل بشدة، قبل أن يقول له "أنا فخور بيك.. عاوزك تركز وتتعلم هنا كل حاجه عشان هيكون ليك دور لمصر يوما ما وانا محتاجك قدام فى شغل كتير"، منذ ذلك الحين سعى لمقابلة علماء حصلوا على نوبل للاستفادة من قصصهم ونقلها للناس، وقبل ذلك التقى بالدكتور عصام حجي والذي يعمل بنفس المعهد، إذ أبدى إعجابه بذهاب سليمان، لأن "كالتك" عادة يُفند المتقدمين حسب جامعاتهم "الدكتور اللي انا شغال معاه اخترني من 630 طالب منهم هنود وأمريكان وهما متقدمين جدًا في العلم"، حتى أن حجي وزويل ذهبا لـ"كالتك" بعد حصولهما على الماجستير في جامعات أجنبية.

رودولف ماركوس هو العالم الأول الذي قابله سليمان ضمن سلسلة يسعى لاستكمالها "حاصل على نوبل في الكيمياء سنة 92"، كانت فرصة لن تتكرر للشاب "كلمني عن بحثه اللي فاز بيه وإزاي العلم ممكن يسخر التحديات اللي بتواجه البشرية"، هدف سليمان الأهم من المقابلة كان رفعها على صفحة فيسبوك ونقلها للشباب، كي يتأكد اليائسون أن الأحلام تتحقق في النهاية، فيما أخذ سليمان عهد على نفسه أن يقابل العلماء الحاصلين على الجائزة، فلربما غيّرت تلك المقابلة حياة أحدهم.

خلال الأشهر التي أقامها طالب الدكتوراه بـ"كالتك" استطاع تحسين استقبال إشارات الفضاء بنسبة 25%، تعين عليه أسبوعيًا تقديم تقرير عن عنه أمام لجنة مكونة من أكثر من باحث، بعضهم حاصل على نوبل، كان الأمر عسيرًا، لكنه استمتع بالتجربة التي من المفترض انتهائها خلال أربع سنوات، وتؤهله للعمل في وكالة ناسا عقب حصوله على الدكتوراه.

يرى سليمان أنه لم يقدم شيئًا ضخمًا في مجاله إلى الآن، قرر خلال إجازة قصيرة يقضيها بمصر أن يحاضر بأكثر من مكان للحديث عن تجربته، فهناك مُحاضرة غدًا الأربعاء بجمعية مصطفى محمود الفلكية، وأخرى تتحدث عن المنح وكيفية الحصول عليها السبت القادم بكلية طب قصر العيني، لا يريد الشاب من الآخرين شيئًا سوى التمسك بأحلامهم المُعلقة، والابتعاد عن العراقيل التي يضعونها لأنفسهم، أو كما يقول "الموضوع صعب بس ممكن".

فيديو قد يعجبك: