''محمد'' في أول يوم دراسة.. ''ضرب'' و''لعب'' و''زحمة''
كتبت- دعاء الفولي:
لا ينزعج ''محمد راشد'' ذو الثلاثة عشر عاما من الدراسة بشكل عام، يومها الأول بالنسبة له فرصة كي يلتقي الأصدقاء في المدرسة التي تبعد عن منزله شارع بمنطقة الهرم، غير أن ثمة تفاصيل يمر بها طالب الصف السادس الابتدائي كل عام، كأنها تنتمي للمناهج المقررة عليه، فمن البحث عن الفصل لمدة لا تقل عن الساعة إلا ربع حتى تعرضه للضرب من بعض الزملاء أو التوبيخ من أحد المعلمين دون أن يعرف سببا ذلك.
السادسة صباحا ينطلق الفتى مبكرا من منزله الصغير، خوفا ألا يُسمح له بالدخول ''وصلت لقيت زحمة كتير ومحدش عارف فصله فين''، لا يفيده أحد بمعلومة ''اللي يقولي دور فوق ومدرسة زعقلتي عشان سألتها أربع مرات عن الفصل''، لم يجد مخرجا إلا الذهاب لمكتب أحد المسئولين بالمدرسة ''عطاني ورقة بفصل ساتة خامس وطلعتله.. ودخلت نفس الميس قالتلي مين قعدك قولتلها عمو اللي تحت فسابتني''.
ينقسم أصدقاء ''محمد'' إلى جزئين ''شطار وعيال بليدة''، لا ينتمي هو إلى أحد الفئتين، لكنه يسعد بوجود المتفوقين معه بنفس الفصل، لذا عندما جاءت أحد المعلمات لاصطحابهم لفصل آخر أصابه ضيق ''وجابت بدالهم ولاد مش شاطرين أوي.. طب ليه متسبش معانا ناس كويسين في الفصل؟''.
لم يحصل طالب الصف السادس الابتدائي على مواد علمية اليوم، فالمدرسة تعتبره يوم تحضيري، هناك تفاوت بين المعلمين في التعامل معه وزملاءه الذين يزيد عددهم في الفصل الواحد عن ستين تلميذ ''أول مدرس دخل لنا كان كويس وقالنا انا ممكن اخليكوا آخر السنة تغشوا وتعدوا بسهولة''، رغم علم ''محمد'' أن الغش خطأ، لكن قلبه يستريح للمتساهلين معهم، ومن لا يتخذون الضرب منهجا، وهم قليل في مدرسته على حد قوله ''كل واحد وليه عصاية بيضرب بيها''، لذلك يصنفهم إلى ''مدرسين أشرار وكويسين''.
والد محمد يعمل حارس لأحد العقارات، تعوّد الصغير القيام بتوصيل طلبات لزبائن أحد الصيدليات خلال الإجازة، وفي الدراسة لا ينقطع العمل ''مبيعطلنيش، وساعات بذاكر مع الدكتور في الأجزخانة''، من العصر إلى المغرب هي فترة استذكار ''محمد''، بعد تفكير قرر أنه يريد أن يصبح ضابط شرطة، إلا أنه لا يعرف الكيفية ''هاخد الدبلوم الأول وبعدين أشوف''، لم يحصل العام الماضي على مجموعة تقوية رغم أن بعض المدرسين ''ممكن يستقصدوني.. بس الحمد لله نجحت''، ينوي أخذ مجموعتين تقوية في مادة الدراسات الاجتماعية واللغة الإنجليزية.
لم تنتهِ تفاصيل يومه الأول بعد، ذلك الطالب الذي يعرفه من المنطقة ''ضربني بخشبة وروحت اشتكيت لمدرس يعرفني وجه ضربه''، يعمل حساب لأولئك الذين يكبرونه جسدا لئلا يتطاول أحدهم عليه ''ببعد عنهم بس ساعات برضو بيضربوني''، لا يتبع الصغير في بداية الموسم الدراسي ''الشقاوة'' منهجا ''عشان محدش يعلم عليا في أول السنة''، غير أن الحال يختلف مع أواخر أيام الامتحانات ''بنقف أنا وصحابي نهزر مع العيال ونضربهم''.
''أكتر حد فرحت لما شوفته انهاردة مستر أيمن''، العام الماضي قريبا من انتهاء الفصل الدراسي الثاني، دخلت قوة شرطية المدرسة، ألقت القبض على ''أيمن'' مدرس اللغة العربية والتربية الدينية، رأى ''محمد'' الواقعة بتفاصيلها ''لأنه كان في الفصل عندنا بيدينا دين''، لم يعرف سبب حبسه، يترامى لمسامعه أن اللحية هي ما جلبت رجال الشرطة ''بس مستر أيمن معملش حاجة لحد ومش بيضربنا''، لا ينخرط التلاميذ بمدرسة ''رمسيس'' في السياسة على حد قول ''محمد'' الذي لا ينشغل سوى باللعب في الفسحة والدروس ''فيه مرة مدرسة عندنا جات حاطة أحمر وأخضر ومعاها علم مصر وكان بعد مظاهرات وقالتلنا انتصرنا وخلونا نغني تسلم الأيادي''.
يتفنن بعض مدرسي ''محمد'' في الضرب، عندما يسمع كلمات من قبيل ''الضرب ممنوع في المدارس'' لا يتمالك نفسه من الضحك رغم مأساوية الوضع، أحدهم يمتلك عصا خشبية يستخدمها مع من قصر في كتابة الواجب المطلوب ''بناخد بالعشر عصيان.. وساعات الميس تسيبنا لآخر الحصة وبعدين تجمع كل واحد عليه كام عصاية وتضرب''، آخر يتعامل مع الطلاب المخطئين بـ''خرطوم لونه أزرق''، يقول عنه الفتى أنه الأكثر وجعا وسط الأدوات الأخرى، لا يخلُ الأمر من ''خرزانة'' طويلة تمسك بها أحد المدرسات بينما تجلس على ''الدكة'' الصغيرة أمام الطُلاب تلوح بها في وجوههم؛ هذه الذكريات يسترجعها ''محمد'' مع بدء السنة الدراسية، لعلها أكثر ما يؤرقه، لا يطلب سوى تقليص عدد العصيان التي يأخذها من عشرة إلى واحدة فقط ''مفروض المدرسين يفهمونا الصح الأول لو عملنا حاجة غلط.. ربنا يستر علينا السنة دي''.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: