لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

صلاة وهتاف وغناء.. نساء فلسطين يقاومن المحتل بالغضب

12:08 م الأربعاء 06 أغسطس 2014

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- دعاء الفولي وإشراق أحمد:

منزل يتسع للجميع، به لوحات رُسم عليها العلم الفلسطيني، كلمات في حب الوطن، رسومات تُخبر عن الأرض المسلوبة، وخارطة الوطن العربي؛ متعلقات تستقبل الدالفين لمقر "الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية" بمنطقة وسط القاهرة، نساء ارتدين الأسود، أخريات تلفحن بالزي الفلسطيني وتوافدن إلى المقر، "يوم الغضب" كذلك أطلق منظمو الاتحاد على فعاليات المؤتمر المُقام، محاولين طرح القضية بشكل أوسع، أما الحاضرات فلكل منهن قصة تروي نضال نساء فلسطين، تفاصيل حكاياتهن يجمعها الحنق على ما ارتكبه العدوان الإسرائيلي بحق الأرض والعرض، لا يملكن سوى تنفيس الوجع، لعل الصلاة والهتاف والغناء يشفي ما بالصدور.

جلباب أسود وحجاب بنفس اللون، لا يختلف سمتها شيئًا عن النساء المصريات، غير أنها فلسطينية، بصعوبة دخلت القاعة المزدحمة متكئة على كتف ابنتها، ما إن يأتي الحديث عن غزة تحديدًا حتى تجهش ببكاء يتخلله كلمات قليلة "بنتي وإخواتي وعيلتي كلها هناك.. ما إلهم إلا الله"، فهو كل ما تملكه للتعبير عن غضبها، بخان يونس ولدت "فوزية محمد" عام 1948"وياريتنا فضلنا هناك مجيناش" تقولها، فقد جاءت مع الزوج من الأردن عقب حرب 1967 ولم تعد، لا يزالون بمكان مولدها لكن تحت القصف "بكلم بنتي في التليفون بتقولي مش لاقيين ناكل ومش عارفين ننزل نجيب حاجة..اللقى يوم اللقى يا أمي".

وقت حرب 67 أنجبت ابنتها "انتصار"، فرت بها بمفردها دون الزوج الذي كان خارج البلد، مع ابنتين أخرتين أكبر سنًا "سبت أهلي وناسي"، ابنتها التي جاءت معها إلى يوم الغضب بالاتحاد تلتقط طرف الحديث "أمي بعد ما ولدتني كسروا الاسرائيلين عليها الباب وكانوا هيطخوها بالنار"، بشكل ما استطاعت الأم الهرب في الأحراش "وكانت هترميني في الزرع من كتر خوفها"، منذ تلك اللحظة لم تعد الابنة لفلسطين "أسمع عنها من قرايبي.. نفسي أروح حتى لو فيه حرب".

"لا بنام ولا باكل.. والله ما بعرف رمضان والعيد عدوا إزاي"، تقول الوالدة الفلسطينية، مشاركتها في اليوم جاءت نتيجة عجزها عن مساعدة أبناءها المحبوسين بأرضهم "لعلنا نعرف نعمل لهم حاجة".

على طاولة مواجهة للجمع، جلست "عبلة الدجاني" رئيسة الاتحاد، "إيناس مكاوي" العضو بجامعة الدول العربية، وبعض متحدثين مندوبين عن الحزب الناصري والاشتراكي، كلمات حماسية وهتافات حادة كانت المميزة لأقوالهم، من الحديث عن ضرورة نشر القضية الفلسطينية على نطاق دولي إلى عدم اختزالها بقطاع غزة فقط، وحتى رصد بعض الدول التي ساندت الشعب الفلسطيني كالبرازيل التي سحبت سفيرها وبوليفيا التي اعتبرت إسرائيل دولة إرهابية، وغيرهم.

بين الحضور كان غضب "رويدة أبو خاطر" وحزنها كأنما ريح عليلة متشبعة بذكرى الموطن "والله ما انساش ترابها ولا ريحتها..لو فتحوا الطريق والله لاروح"، صامتة ترسم على وجهها ابتسامة، يهتز لسانها بكلمات الماضي "لحمة حمرا جيت" تقولها السيدة السبعينية يوم نزوحها إلى مصر عام 1948 برفقة أهلها، لتستكمل عمرها السبعيني بعيدًا عن بقية الأخوات والأقارب حتى يومها هذا، مرتان زيارة للقدس في عمرها لا تنساها، الأولى في أعقاب 18 عامًا انقطعت عن الانجاب لكن بعد ذهابها "ربنا أداني محمد بعدها"، والثانية عقب وفاة وليدها الثاني، حينها منعتها قوات الاحتلال بعد أن رأت اسم عائلتها.

بغتة اقتطعت الصمت بكلمات ذو صوت رخيم "إذا كان جرمي أني فلسطينية فليشهد التاريخ أني مجرمة" منذ سن السابعة تحفظ "كواكب أبو لبن" تلك الجملة، في مدارس وكالة الغوث (الاونروا) بالأردن بعد النزوح وقت حرب 1967 تعلمتها، لتظل ترددها بغضب أينما ذهبت لمناصرة القضية، حرمان من الأهل الذين لم تراهم في عمرها الخمسيني سوى مرة واحدة العام الماضي، وقتل تراه على الشاشات دون حول ولا قوة لها سوى تلك الكلمات، علها تسمع كل فلسطيني تحتضنه أرضها أن قلوب نظرائهم معهم.
لا ابتسامة تحملها سوى أبنائها الثلاث "نفسهم يروحوا"، يقسم عليها ابنها الكبير أن تعلمه بأي أخبار عن قوافل تذهب إلى هناك، فقد جاءت الحرب بما لا تشتهى أنفس عائلة "أبو لبن"، إذ كان مقرر قضاء العيد بغزة لكنه حال العدوان.

أغاني من التراث ظل الجمع يرددها سويًا، يُزيّلها صوت أحد الحاضرات "هنرددها ليوم الدين تسقط تسقط إسرائيل"، الحديث في المؤتمر لم يبتعد عن الدور العربي المفقود بتلك الاعتداءات الوحشية على آل فلسطين، كما أشاد بدور المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها، حيث أكدت رئيسة الاتحاد أن القصف رغم مافعله بالمنازل والعائلات غير أنه وحّد الفلسطينيون تحت لواء المقاومة والوقوف ضد العدوان.

قرب منصة الحديث كانت "عبير صنصور"، غير الرداء الفلسطيني لا ترتضي لها زيًا، ودون كلمات الأشعار القائلة في أرضها لا تعرف ردًا، يحمل غناء "صنصور" غضب العدوان الجائر وعزة المقاومة حينما تشدو "منتصف القامة أمشي.. مرفوع الهامة أمشي.. في كفي قصفة زيتون وعلى كفي نعشي"، غصة بالقلب بعد مقتل 28 من عائلة زوجها "عياد" خلاف المفقودين إثر قصف بيتهم بمنطقة الشجاعية لا يخفف عنها سوى ابنتها "مريم" ذات الثلاثة أعوام كلما تذكرت فعلتها وقتما ذهبوا لتقديم العزاء لأقارب أحد المعارف، انحنت الصغيرة تجلب حجارة من الأرض، احتفظت بثلاثة، تعجبت الأم حتى قالت لها "تا نضرب بيهم إسرائيل" لتظل بين الحين والآخر تأتي بكل شيء في البيت من مطرقة مخبرة والدتها برغبتها في الانتقام من المحتل.

لم تنقطع مغنية التراث الفلسطيني بالاتحاد عن الذهاب إلى فلسطين كلما استطاعت، لكن اليوم لا تملك غير الاطمئنان على والدة زوجها -85 عامًا- عبر الهاتف، والتي تقضي مع اثنين من أبناءها في "كافيتريا" بعد قصف منزلهم، تنغلق أمامها أبواب محاولة إحضارها إلى مصر ولا يواسيها سوى كلمات فلسطينية "والله لزرعك بالدار يا عود اللوز الأخضر واروي هالأرض بدمي تتنور فيها وتكبر".

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك: