فاطمة طاهر.. سيدة إذاعة ''القرآن الكريم'' الأولى
كتبت-إشراق أحمد:
تكشف الشمس عن نور ربها الذي أشرقت به الأرض، ينضبط المؤشر، يتقافز الطلاب في طريقهم، أيديهم تقبض على الحقائب المدرسية، نسمة الصباح تداعب ملامحهم الصغيرة، يتخللها صوت صغار مثلهم ينطلق عبر الأثير يشدو ''نبينا الهادي محمد عن سائر الخلق اصطفاه'' يتبعه صوت رخيم ينطلق في نطق الحروف ''براعم الإيمان.. برنامج يعده ويقدمه فاطمة طاهر''.. برنامج نشأ في ظلاله أجيال عديدة، بينما كانت مقدمته تحمل لقب سيدة ''إذاعة القرآن الكريم'' الأولى.
15 عامًا ظلت المشرفة اللغوية تعمل بالبرامج الموجهة، تستمع إلى صوت ''أبله فضيلة''، تطرب لها ويزداد شغفها بتحقيق حلم تقديم برامج للأطفال، حتى جاءت الفرصة ''إذاعة القرآن الكريم'' تعلن عن الحاجة إلى مذيعين، أسرعت ''فاطمة'' وقد تحلت بشجاعة اعتمادها بالإذاعة إلى مكتب رئيس ''القرآن الكريم'' وقتها ''كامل الجندي''، طلبت منه الالتحاق بالإذاعة، وجود النساء محظور بالإذاعة، لم يتقدم إليها أحد قط لمعرفته السبب، لم تعبأ المذيعة الشابة بذلك، والمفاجأة أن رئيس الإذاعة جاء مرحبًا، لكن ذلك لم يكن كافيًا لبدء العمل؛ عقدت لجنة البرامج الدينية بمجلس الشعب جلسة لبحث الأمر وجاءت الموافقة لأول صوت نسائي يدلف لستديوهات إذاعة ''القرآن الكريم''.
الشهادة كان أول زفير لـ''فاطمة'' تبعه تكرار الحمد على القرار الذي أبلغها به رئيس الإذاعة، لتبدأ سيدة إذاعة القرآن الكريم الأولى تحقيق الحلم، مع ''عبد البديع القمحاوي'' مقدم برامج الأطفال في الإذاعة حينها، شاركته برنامجه ''براعم الإيمان..أحباب الله''، بفاصل قصير من التسبيح ''سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر'' بدأت به ''فضلوا ده عشان مايبقاش في إثارة والموضوع لسه جديد''، حب العمل ورؤية أولى خطوات الحلم رفعت عنها الرهبة لكن القلق والحرص على عدم الوقوع في أي زلة ظل رفيقها.
مشوار ضم 51 عامًا أمام الميكروفون حمل كثيرًا من المفارقات، تحلت به ''فاطمة طاهر'' بيقين ''إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه''، حلمها بين الإذاعة والتدريس كان، ورغم ذلك الدخول لساحة مبنى الإذاعة لم يكن مرتب له ''لقيت إعلان طالبين مشرف لغوي في البرامج الموجهة''، تقدمت عام 1963 الشابة خريجة الألسن المتقنة للغة الإسبانية، لتبدأ رحلتها التي لم تخل في اليوم الأول من مواقف تدفعها للأمام.
''زميلتي كانت في غزة بتسجل مع قوات الطوارئ الدولية'' كانت ''فاطمة'' قيد التعيين لم تعلم شكل الإذاعة إلا وقت الاختبار الذي واجهته فور تقدمها للعمل، ثلاثة برامج تقدم بالتتابع ''الإسباني، والبرتغالي الموجهة إلى البرازيل، وأخيرًا العربي الموجة إلى أمريكا''، اضطرت المشرفة الشابة في ذلك الوقت الإشراف على جميع المذيعين، البرامج كانت تبث على الهواء مباشرة، انتهى الأول والثاني، وحان وقت البرنامج الثالث لكن المذيع لم يأت بعد؛ تعطلت سيارته بالطريق ولابد من بديل ''مدير البرامج قال لي ذيعي البرنامج بداله'' لم تدرك ''فاطمة'' الأمر ''أذيع إزاي ده أول يوم ليا''.
''هنا القاهرة'' بكيان يملأه رهبة الموقف انطلقت أولى كلمات ''فاطمة'' موجهة إلى أمريكا وباللغة العربية، علامات إشادة ظل يشير بها المهندس الإذاعي الذي اضطر مرافقة المذيعة بالاستوديو لمعاونتها في تقديم الحلقة ''زمان المذيع بيعمل كل حاجة.. يشغل الاسطوانات ويطلع اللحن المميز لكن أنا ماكنتش أعرف أعمل كده وقتها''.
جواب شكر حصلت عليه ''فاطمة'' من مدير البرامج صباح اليوم التالي لتقديمها البرنامج مصحوبًا بكلمات لا تنساها ''أنقذتي الإذاعة''؛ نقشت المذيعة الشابة أولى بصماتها داخل أرجاء المكان الذي كان جزء من حلمها.
إما مذيعة أو مدرسة أطفال تمنت أن تصبح الابنة الثانية لآل ''طاهر''، ما التحق من عائلتها أحد بالإذاعة ومع ذلك لم يعترض أبيها وزوجها على عملها، رغم ما تطلبه لفترة من الوقت الذهاب في وقت متأخر من الليل ''كانت عربية الإذاعة بتيجي تاخدني الساعة 12 بليل وساعات أخلص والنهار طالع مع بتوع اللبن'' تقولها مازحة مدينة بالفضل للزوج الذي ظل خير الرفيق والمعين حتى وفاته العام الماضي، حتى أن ''ماما فاطمة'' –لقبها بالإذاعة- تبدل بها الحال، تأثرت حتى المرض فانقطعت عن الإذاعة من حينها.
حزن انتاب سيدة ''براعم الإيمان'' بعد خطابات أرسل إليها لا تخرج عن سؤال ''إزاي واحدة تقدم في إذاعة القرآن الكريم''، الإسلام أنصف المرأة وكرمها؛ تؤمن ''فاطمة'' بذلك لهذا لم تتخل عن استكمال مشوارها وتحقيق النجاح الذي حدث بالفعل مع أول خطاب شكر لها بعد تقديم حلقات البرنامج وحدها، حيث قرر ''عبد البديع القمحاوي'' ترك البرنامج لـشريكته، لتتولى ''فاطمة'' إعداده وتقديمه في شكل جديد.
''كنت بروح لهم في كل حته..النوادي والمدارس..'' تسافر إلى الإسكندرية، والمحلة وكفر الشيخ والمنوفية وغيرها توجهت من أجل نقل صوت الأطفال، مرتلين للقرءان، موجهين أسئلة لضيوف الحلقات من الأساتذة والشيوخ، الأطفال عشق والدة الأبناءالأربعة، دموعهم سهم يقتسمها لا تستطيع الصمود أمامه ''كان في أطفال بيقرأوا القرآن غلط لكن أمام دموعهم مكنتش بقدر ما أسجلش معاهم''، الأناشيد والأدعية كانت وسيلتها كي لا ينكسر خاطر الصغار.
15 عامًا و''فاطمة'' وحيدة بإذاعة ''القرآن الكريم''، ينساب صوتها بتقديم برنامج الأطفال، وكذلك برامج للمرأة أشهر ''نساء مؤمنات''، التي حرصت على تقديمها لإظهار فضل الإسلام ومكانة المرأة فيه عكس ما يحدث بالواقع، وبرامج أخرى ''مساجد لها تاريخ''، حتى بدأ توافد النساء على الإذاعة، تولت تدريبهن، وتوارثن عنها برنامجها وتجددن فيه فبات ـ''طلائع الإيمان'' يستكمل مسيرة مقدمته، مستقلاً عن البرنامج الأول، ولم تعد سيدة واحدة بل ثمانية ووصل الأمر لترأس ''هاجر سعد الدين'' الإذاعة التي كان دخول المرأة إليها ''ممنوع''.
كثير من الشخصيات لاقت ''فاطمة'' لكنها لا تجد في ذلك مصدر للتباهي، فقط عمل تحبه فمن الطبيعي أن تؤديه بإخلاص، تحتفظ بشرف اللقاء، كلمات ومواقف حدثت به لكن سردها لا يأتي إلا في دائرة حب ذلك الأثير، تتحدث عن استضافة الشيخ ''محمد الغزالي'' ورؤية القاريء ''عبد الباسط عبد الصمد''، والمناضل الكوبي ''جيفارا؛ جمعتها الصدفة به بعد تغيبت المذيعة المقرر أن تدير اللقاء، نابت عنها ''فاطمة''، كلمات خرجت من المناضل عن أمريكا، ارتابت المذيعة لتوتر العلاقات بين البلدين الكوبي والأمريكي، الحوار كان مسجلاً، تحدثت إلى مديرها عن شكوكها في إلحاق الضرر بمصر، ورغم إخباره لها بالحل ''قبل الكلام ده قولي عملا بحرية الرأي وإن مصر على الحياد''، غير أنها لم تطمأن إلا بعد إذاعة الحوار.
في منزلها بمدينة نصر تمكث المذيعة سيدة ''براعم الإيمان''، وقد ناهزت الثامنة والسبعين من عمرها، تلتمس دفء الإذاعة وأطفالها في الأحفاد، تقص عليهم الحكايات، يطالبونها بالحديث عن عملها، تعلم أن الأمر بالنسبة لهم ''قصص''، أما هى فتاريخ تدعو الله أن يبقيها إياه ومن قبله حب الناس، تروي لهم في خجل عن شخصيات جمعها بهم الميكروفون أو طرقة الإذاعة، ينشرح صدرها بلقاء ''حسام'' صديق البرنامج المداوم على الاتصال بها مذكرًا لها بيوم العيد قبل ثلاثين عامًا حينما سجلت معه ''تكبيرات الإحرام، وتبتسم بتذكر صوت الصغير الذي لاقته بمدرسة في ''المنيل'' فباغتها بكلمات لازال رنين لحنها يطربها ''أحمد يا حبيبي ..أمن وسلام دنيا الإسلام''.
الإذاعة في ذكراها الـ80.. توتة توتة ''مفرغتش'' الحدوتة
الإعلامي الكبير حمدي الكنيسي.. الأديب الذي سرقه الإعلام.. (حوار)
مصراوي داخل إذاعة القرآن الكريم.. لمّا بدا في الأفق ''نور''
مصراوي يرصد قصة "هنا القاهرة".. على أثير "الحنين" يتوقف مؤشر العاصمة
في ذكري إنشاء الإذاعة .. أصحاب الأثير الإلكتروني ''على الحلم باقون''
''سعيد'' .. 60 سنة راديو سمع وبيع
عملاق الإذاعة ''بابا شارو'' .. حكاية مذيع المصادفة ''بروفايل''
راديو ''انتيكة '' معبود الجماهير.. ''قصة للأطفال''
''ساعة لقلبك''.. فاكهة الإذاعة المصرية
عبد الخالق يحييكم من داخل السجن: ومن الراديو ''حياة''
إذاعيون يكتبون لمصراوي عن عملهم بالإذاعة المصرية
''نضال'' الأزهري.. الحياة من خلال إذاعة القرآن
مستمعون يكتبون عن "نوستالجيا" الإذاعة المصرية
حازم دياب يكتب: هوامش عن فائدة السمع في ذكرى انطلاق الإذاعة
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: