لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

سائقو الشاحنات الثقيلة.. ''الشقا'' أمامهم و''ليبيا'' خلفهم

08:00 م الثلاثاء 20 مايو 2014

سائقو الشاحنات الثقيلة.. ''الشقا'' أمامهم و''ليبيا

كتبت- إشراق أحمد:

يلقون بأجسادهم على مقعد القيادة، مسافة يقطعونها في سبيل ''الرزق''، راحة ينشدونها مع كل ''طلعة''، مشقة يتحملونها رضًا و''مجازفة''، فما ولاهم عن قبلة بلادهم؛ سوى أمل في حياة هانئة؛ الأمان غايتهم بها، وقد وجدوه بوجهتهم إلى أرض الجمهورية الخضراء لسنوات، لكن الحال سرعان ما تبدل، أمضى الفرار مما ظنوا فيه الضيق إلى براح يستنزف دمائهم، وخوف ما ذاقوه من قبل رغم المعروف أنه رفيق الطرقات الخالية؛ اعتداء، وسرقات، قتل، واحتجاز هكذا بات سائقو النقل الثقيل بين رحى طريق مصر وليبيا من أجل توصيل ''حمولة''.

ما يقرب من 3000 سائق يعملون بطريق السلوم- ليبيا، حسبما ذكر ''محمد عبد المنعم'' رئيس رابطة النقل الثقيل، توقف عملهم مع اندلاع الثورة الليبية، ليعودوا مرة أخرى مع دخول قوات حلف ''الناتو'' وسقوط نظام ''معمر القذافي''، لم تبد أي إشارات مختلفة لدى أي سائق تمنعه عن السفر إلا بعد مقتل ''إبراهيم الديب'' أحد السائقين من كفر الزيات في مارس 2013، حيث نأى البعض بنفسه عن الذهاب لفترة من الوقت تأثرًا بالحادث، لكن في الشهور القليلة الماضية تكررت حوادث الاحتجاز للشاحنات المصرية، كثيرًا منها يأتي بسبب ''الضغط'' للإفراج عن ليبيين محتجزين بمصر.

في كل مرة يزداد العدد، من 20 سائق تم احتجازهم في أكتوبر 2013، إلى 50 شخص في الفترة من 29 مارس 2014 حتى السادس من إبريل، وأخيرًا 400 سائق تم احتجازهم بمنطقة ''أجدابيا''، والذي جاء بسبب اعتصام عدد من الموظفين وأفراد الأمن من أجل صرف مستحقاتهم، من ''كفر الزيات'' كان أغلب السائقين، فبها أسطول شاحنات نقل كبير يعمل بطريق ليبيا، أمضى الخوف حصاد يزداد طيلة الأعوام الثلاث حتى أن أغلب السائقين ''مابقتش تطلع حاليًا'' على حد قول رئيس رابطة النقل الثقيل.

مقتل الصديق يغلق الباب

عام وثلاثة أشهر؛ يحصي ''مفرح الفقي'' أيامه جيدًا، به تبدل الحال إلى آخر، عادت الأقدام إلى موطنها الأول؛ طريق الأسفلت الداخلي، تعيد خطواتها في زحام ''أكل العيش'' بين أبناء الوطن، تاركة براح الصحراء الذي احتضنها طيلة ثمان سنوات، من كفر الزيات إلى ليبيا ذهابًا وإيابًا كان ''الفقي''، قائدًا لشاحنة نقل ثقيل، بضائع أدوات منزلية وغيرها ينقل، ثلاثة أيام بالطريق يمكث الرجل الأربعيني، وأسبوع بالجمارك أقصى تقدير إذا تطلب الأمر، هذا أكثر ما كان يعانيه، متحملاً وعثاء السفر مقابل ''راحة ولقمة حلوة'' يجدها جراء ''طلعة'' أو أكثر إلى البلد الحدودي الشقيق حتى ذلك التاريخ الذي انقطع بعده عن العمل بـ''ليبيا''.

لم يعلم ''مفرح'' أن تلك المرة ستكون آخر عهده بطريق السلوم، ''إبراهيم الديب مات''، تداعى الخبر إليه وهو بطريق العودة، اهتز كيان الرجل، فـ''الديب'' زميل للطريق طيلة سنوات عمله، وابن محافظة واحدة، عن 44 عامًا توفى، تاركًا وراءه 5 أفراد من عائلته.

''كان رايح محمل'' أبصره ''الفقي'' في لقاء أخير، بينما هو عائدًا بعد تفريغ حمولته، تصدى الرجل الأربعيني لمحاولة سرقة شحنته بمدينة ''البيضاء'' في ليبيا، حدثه سائق على الطريق أن شيئًا أصاب إحدى العجلات، توقف ''الديب'' في حين مَن تصدوا له كانوا يرتدون زي ''شرطة'' على حد قول ''الفقي''، احتد سائق النقل الثقيل في الحديث معهم، فما كانت إلا ضربات بمؤخرة السلاح انهالت على رأسه حتى سقط مضرجًا بدمه، ظنوا أنه أغشي عليه ''ولولا كده كان دفنوه في الصحرا مكانه'' حسب تعبير زميل الطريق، 4 أيام حتى عاد ''الديب'' إلى أرض الوطن جثة هامدة بمساعدة أحد الليبيين.

مرات عديدة تعرض بها ''الفقي'' للاعتداء وسرقة أمواله على حد تأكيده، ليس هو فقط ''اتخن واحد راح هناك اضرب واتسرق فلوسه''، فالحياة مقابل الأموال معادلة محسومة للأولى، لكن موت صديقه أغلق الباب أمام السفر مرة أخرى ''نفسية الواحد تعبت'' قالها والد الأربعة أبناء، ليعود إلى الطرق الداخلية التي فر منها -رغم عمله بها قرابة 12 عام-، وما كان ذلك سوى لراحة يبتغها، ففضلاً عن النظير الجيد الذي يحصده ''الفقي'' مقابل ''الطلعة'' إلى ليبيا، وكان يبلغ في أقل الأحوال 1000 جنية، ففي مصر مهمة النقل إلى غزل المحلة على سببيل المثال مقابلها 100 جنية و''الشغل شغل اعتقال'' على حد وصفه، لا نوم نظير تحصيل أجر أيام متوالية، كذلك وزن الحمولة الذي يصل بـ''ليبيا'' إلى 10 طن مقابل 70 في مصر.

لا شكوى من السائق أو صاحب الشاحنة لأي جهة في أي من المرات ''الكثيرة'' على حد تعبيره التي تضرر بها جراء السفر لكن لا سبيل سوى العمل، فالسيارة مصدر رزق لبيوت عدة ''هنعمل إيه نروحوا نموتوا يعني؟'' قالها الرجل الأربعيني بلهجة ساحلية، فكل ما يريده السائق هو الأمان، أن يعود الطريق لحالته ''كنا بننام في الجبل حتى ولو لشهر''.

نار الوطن ولا جنة الحدود

الأسبوع الماضي عادت فكرة السفر إلى ''ناصر عبد الواحد'' لكنه تراجع ''عرفت إن زمايلنا محجوزين فخوفت''، بين العمل شهر والتوقف حال ''عبد الواحد'' منذ وفاة ''الديب'' الذي يعد أقدم السائقين، وعلى يده تعلم السائق الأربعيني ''اشتغلت معاه تباع''، توافر الشغل والمقابل المضاعف يغري السائقين للعودة مرة أخرى مفضلين ''المجازفة'' على حد قول ابن كفر الزيات، فكلما زادت، ارتفع نظيرها، ورغم قناعة السائق أن المحصلة المادية متقاربة إلى حد ما غير أن الحال بمصر لم يغنِ من ذلك شيء ''الوضع هنا سيء وهناك أسوأ''.

بطريق السويس، في شهر رمضان الماضي، وقبل الإفطار بربع ساعة، 500 متر تفصل بينه و''التباع'' عن كمين القوات المسلحة، وبينما يتناولون الطعام خرج مسلحون مطالبين إياهم بأموالهم؛ ثلاثة تليفونات محمولة وألف وخمسمائة جنية تم سرقتهم دون حراك ''ساعتها ربنا اللي يعلم اللي جوايا كان إيه''، غاص قلب الرجل بصدره انكسارًا ''واحد بياخد من جيبي فلوسي وأنا مش عارف أعمل حاجة''، تشبثت أقدامه بالأرض لم يتقدم ببلاغ بالواقعة ''اتكسفت أدخل قسم الشرطة أو أروح للجيش هقول له إيه''.

تعرض السائق الذي تجاوز عمله بليبيا نصف عمره حتى بات شعاره ''ليبيا والعودة''، ثلاثة جوازات سفر انتهت لكثرة أختامها جراء سفره إلى هناك، لذلك ذكراه لا تأتي إلا بانفعال يزداد مع اجتراره كلمات القنصل المصري بليبيا حينما قال ''أنت جاي هنا ليه''، فما كان جوابه ''وأنت إيه اللي مقعدك هنا''، الحاجة والاضطرار مع قلة العمل جراء الأحداث المتوالية على البلاد، جعلت الحدود ملاذ لـ''أبو البنات''، وغيره من السائقين.

لم يكن الحال قبل الثورة الليبية كما الواقع، الدخول من الجمرك بمنطقة ''مَساعد'' على الحدود المصرية الليبية كان دون رسوم أو تفتيش بينما الآن التربص بالسيارات المصرية بات أمرًا طبيعيًا على حد قوله حال حمل السلاح الذي أمضى حسب وصف السائق ''زي السجاير'' بأيدي الصغير والكبير، إلى جانب السرقات التي تتم بالحظيرة الجمركية وبالبلدان ولا تتمثل فقط في سلب البضائع.

''كل بلد صغيرة تحرر ايصال وتتكلم يتقال لك هو كده كل منطقة لها نظام'' قال ''عبد الواحد'' فمن يخالف القول لن يجد سوى إشهار السلاح بوجهه، وكثيرًا ما حدث حتى المرة الأخيرة التي جاب بها ليبيا في مارس الماضي.

بمنطقة ''سيرت'' منتصف ليبيا، العاشرة صباحًا تم إيقافه من قبل أفراد يتحلون بزي ''ميري''، لاقوا سيارته بالتفتيش، لاحوا تكسيرًا بحمولة العصائر التي كان ينقلها، اعترض السائق على الطريقة، بيده كان هاتفًا محمولاً، سلبه ذلك ''الشرطي''، وما لبث أن رفض ''عبد الواحد'' حتى انهالت الرصاصات أسفل قدمه ''دمنا هرب''، فاضطر الرجل قسرًا وسائقي عربية أخرى قادوها من المنوفية أن يرحلوا في صمت، ليكتشف ''عبد الواحد'' بعدها سرقة ما يقرب من ألف دولار كانت بالسيارة.

جميع شحنات البضائع لا تأتي بأسماء المورد أو المستورد فقط وزن الحمولة التي بينها مورد مصري و''مخلص'' ليبي ينتظر بالجمرك، وهو ما يتسبب في العديد من الحوادث مثلما وقع مع ''عبد الواحد'' قبل عام، شهر كامل تم احتجاز السائق بالبضائع، أراد ''المخلص'' سرقتها، أجبره على ترك السيارة، وجواز سفره، فما كان إلا البقاء بمنطقة ''مَساعد'' حتى مجيء المصري الذي ظل يوعده بالقدوم قرابة تلك الفترة، نشب وقتها عراك بالأسلحة لم يفصله سوى الشرطة، وتوقف السائق شهرين عن السفر ''كانوا بيدوروا عليها عشان بوظت عليهم السرقة''، فهكذا الأمور إذا لم تتصاعد لن يحصل أحد على حقه حسبما قال.

يعمل الآن ''عبد الواحد'' بطريق السويس، الغردقة ومرسى علم، الإهانة التي يتعرض لها خارج البلاد أهون عليه أن يلقاها ببلاده، هكذا اتخذ قراره إلى أن تعود الأمور إلى نصابها، محملاً الإعلام واقع كبير مما يتعرض له المصريين بشكل عام والسائقين خاصة في ليبيا، فكلمة بسيطة يمكن أن تنذر بالسوء على واقعهم، لاسيما في وجود بلدان كانت مناصرة للثورة الليبية حينها ومناهضة لها.

الجهة الشرقية ناحية ''بني غازي'' كانت أفضل معاملة من طرابلس بعد الثورة، حتى أصبح الحال كله سيان ''من ساعة لما اتقال إن قذاف الدم في مصر وإنها مش هترجع رجال الأعمال الليبيين وبقينا أحنا بنحاسب على الكلام ده كله''.

يحزن ''عبد الواحد'' كلما تذكر حادث سرقته بطريق السويس مع الاستسلام لقلة حيلة باليد أمام ''رزق'' ليس وفير، ويضيق صدره ذرعًا لسنوات مضاها سعيًا على الطريق، مع ذكرى صورة رفع العلم المصري خفاقًا في بلدان ''ليبيا''، والتي ما فارقته منذ دخوله في مارس 2011 مع الشاحنات المصرية الوافدة حاملة المعونات وقت دخول حلف ''الناتو'' وتوقف إطلاق النار، فعلى جدران الحدود الجمركية بـ''مَساعد'' ظلت تستقبله كلمات ''شكرًا للمصريين والجيش المصري''.


لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان