بعد مرور أربع سنوات.. قصة أم ضاع حق ابنها الوحيد في "زحام" ثورة يناير
-
عرض 3 صورة
-
عرض 3 صورة
-
عرض 3 صورة
كتبت- نيرة الشريف:
منزل متواضع.. وأم تبكي علي في ركوعها وسجودها، لا تميز من كلماتها سوي كلمة "يارب"، وصورة كبيرة بعرض الحائط للشهيد الذي فقده المنزل ولم يحظ بأي حق من حقوقه في البلد التي استشهد ليعيد لها حقوقها، كُتب عليها "يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلي ربك راضية مرضية"، وجه باسم في الصورة وهادئ كأنه يملأ بابتسامته الهادئة كل ركن بالمكان.
هذا هو منزل الشهيد سامي صلاح محمد، أحد شباب ثورة يناير، لم يتجاوز عامه الثامن والعشرين من عمره بعد، لم يتردد في أن يضحي بحياتهم لتطهير بلادهم.. ربما خطر ببال سامي عندما نزل مظاهرات ثورة يناير أنه مهدد بفقد حياته، لكن لم يخطر بباله أن الظلم الذي رآه في بلده ونزل لمجابهته تاركا ورائه كل شيء، عمله وماله وخطيبته وأسرته سيمتد ليصل حتى لتقرير وفاته، إذ لم يُكتب في شهادة وفاته أنه توفي في المظاهرات، وحُرمت أسرته من أي تقدير قد تحصل عليه.
"ابني مكانش محتاج فلوس ولا وظيفة، كان عنده ورشة ومصنع خراطة ملكه بيشتغل فيهم، وخاطب ومجهز شقته اللي كان المفروض يتجوز فيها قبل ما يموت بشهر واحد، وعنده عربيته، لكن نزل المظاهرات لأنه كان شايف الظلم اللي في البلد، مقالش أنا مالي." هكذا بدأت فاطمة واسطي -52 عاما- حديثها، وتضيف قائلة" أنا مكنتش عاوزاه ينزل المظاهرات دي، جه يوم 25 يناير يتكلم مع أخته، سمعت كلامه وفهمت إنه نزل، جيت قلت له لو نزلت تاني أنا هسيبلك البيت وامشي، كنت فاكراه ممكن يرجع عن اللي في دماغه، لكن عرفت من أصحابه برضه بالصدفة إنه نزل يوم 26".
تركتب الأم المنزل بالفعل عندما علمت بنزوله مرة أخرى "لكن يوم 28 قلبي أكلني عليه، رجعت البيت، لكن مكانش موجود، سألت أصحابه اللي كانوا معاه قالوا أنهم سايبينه في ميدان التحرير وهييجي بعد شوية، الليل قرب يخلص والولد مرجعش، وهو اللي كان مبيتأخرش في ليلة عن البيت، فضلنا ندور عليه من يوم الجمعة في كل المستشفيات وكل المشارح، مكنّاش شايفين قدامنا، ولا عارفين هنلاقيه حالته أيه بعد اسبوع غياب، بعد الدوخة دي، ولاد الحلال قالوا لنا إن فيه جثث كتير يوصل عددهم لمئات الناس راحوا بهم مول أركيديا وحطوهم هناك، وجمعوا بطاقاتهم الشخصية وخلوها مع إمام مسجد في مكان ورا المول اسمه رملة بولاق، روحوا دوروا معاه علي بطاقة ابنكم ولو لقيتوها هيبقي في الجثث اللي في المول."
هنا يتدخل والد الشهيد قائلا "روحت للشيخ ده ودورت علي بطاقة ابني عنده ولقيتها معاه، قالي يبقي هو كده في الجثث اللي موجوده في المول، مول أركيديا حصل فيه أكتر من حريق وقت المظاهرات، واليوم اللي روحت أخد فيه ابني من هناك كان تاني حريق يحصل في المول، جبنا الإسعاف تنقل الجثة وطلعنا بيها علي مستشفي معهد ناصر، موظف الاستقبال الموجود كان اسمه مجدي عبد الله، كلم دكتور الاستقبال بتاع المستشفي واسمه منير فخري، سأله يكتب ايه في تقرير الوفاة، الدكتور سأل ناس في وزارة الصحة ورجع قال لموظف الإستقبال يكتب أكتر حاجة موجوده في الجثة، فقاله هكتب حرق 100%، أنا قلت له إن ابني بعد ما استشهد في المظاهرات الناس راحت بيه مول أركيديا وفضل في المول اسبوع لغاية ما لقيناه فجسمه اتحرق في الحرايق اللي كانت بتحصل في المول، لكن ده مكانش سبب وفاته، رد عليّ الموظف لو عاوز تكتب أنه استشهد في المظاهرات يبقي هتستني لما نشرح الجثة والولد ريحته طلعت، هتستني أيه تاني، روح ادفنه حرام عليك"
تقطع الأم الحديث باكية "وكيل النيابة قالنا روحوا شوفوا مين قتل ابنكم ومين اللي ولع في أركيديا، وأصحابه اللي كانوا موجودين وهما بيغسلّوا جثمانه قالوا إن الولد مضروب برصاصة في رقبته، ومضروب بآلات حادة في أكتر من مكان في جسمه، راحوا يشهدوا في النيابة لكن وكيل النيابة رفض يسمعهم، غير إنهم مصورينه وحاطين صوره علي النت وهو معاهم في المظاهرات وعاوزين يشهدوا بده"، جاوز عمر والد الشهيد الستين عاما، اعتاد العمل في ورشة خراطة قبل أن تأكل الماكينة ذراعه، ومن وقتها يعمل سامي معه قبل أن يكبر وينفق على المنزل.
يشتد بكائها قائلة "أنا مش عاوزه فلوس، أنا وأبوه مستعدين نكتب لهم تنازل كتابي عن أي تعويض مادي، أنا بس عاوزه أشوف تقدير ابني زي باقي الشهداء، حي الوراق باعتلنا موظف وقال إن الشارع اللي أحنا فيه هيتكتب باسم ابني، لكن بعد ما شاف تقرير الوفاة تراجعوا وقالوا لازم شهادة من النيابة تفيد استشهاده في المظاهرات، واخدوا منّا الفرحة اللي عشمونا بيها، مديرة مدرسة جنبنا كانت عاوزه تعرض علي الوزارة إن المدرسة تبقي باسمه بس برضه مقدرتش بسبب تقرير الوفاة، أنا هبيع الورشة والمصنع ونعيش بثمنهم، والشقة بكل تجهيزها وأثاثها هتبرع بيها لأي شاب عاوز يتجوز.. ربنا ما يدوق أم طعم حرقة القلب علي ولدها الوحيد"
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: