لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

ثقافة المطبخ وتاريخ الغذاء بين ''كتابات مبهجة.. وكتابات مؤلمة''

01:20 م السبت 04 أكتوبر 2014

ثقافة المطبخ وتاريخ الغذاء

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

(أش أ) - حسام إبراهيم :

بقدر ما قد تكون الكتابة عن ثقافة المطبخ مصدرا للبهجة خاصة مع أعياد واحتفالات كعيد الأضحى المبارك فإن بعض الكتابات او الآراء الصادمة تتحول إلى كل ما هو نقيض للبهجة والفرحة، لا لشيء إلا لرغبة البعض في البحث عن شهرة زائفة أو إثارة الجدل حول مسائل تدخل في سياق المقدسات لملايين البشر.

ومن الطبيعي أن تخصص الكثير من الصحف ووسائل الإعلام مساحات كبيرة الآن للحديث عن ''مطبخ عيد الأضحى''، وفنون الشواء او ''الباربكيو'' تماما كما أنه من الطبيعي والمحمود أن تتناول مغزى نحر أضحية العيد.

والطعام في الثقافة الغربية كما هو في ثقافات عديدة يقترن بقدر من البهجة كما يؤشر كتاب جديد صدر بالإنجليزية، لـ''كين الابالا''، وعنوانه ''قارئ تاريخ الغذاء مصادر اساسية''، كما أن المؤلف مؤرخ متخصص في تاريخ الغذاء وهو في هذا الكتاب يتطرق طقوس البهجة عندما يجتمع البشر معا لتناول الطعام كما يتحدث عن اتجاهات الثقافات المختلفة حيال الغذاء.

ويوضح كين البالا، أن ''الغذاء يساعد في تعريف الهوية'' فيما التاريخ الغذائي لمجموعة إنسانية، ما يكشف الكثير عن ثقافتها ويتوغل من منظور تاريخي ثقافي في ألوان الطعام لأرض الرافدين، ومصر القديمة والإغريق والرومان وإنجلترا في العصر الفيكتوري، محتفلا بحب الإنسان للطعام عبر الزمان والمكان.

وفيما يستعيد البعض هنا بالحنين ''ذكريات مطبخ أبله نظيرة''، و نظيرة نيقولا صاحبة أول وأشهر موسوعة عربية في المطبخ، وفنون الطهي والتي تعد علامة مصرية في الثقافة الغذائية ابان القرن العشرين، قد يحق التوقف عند مغزى كتاب جديد صدر بالإنجليزية عنوانه ''براعة فن الطبخ السوفييتي''، والذي تتناول فيه المؤلفة انيا فون بريمزين، افانين وألوان المطبخ والمأكولات في عصر الاتحاد السوفييتي قبل ان يدخل في ذمة التاريخ، وكجزء لا غنى عنه من التأريخ الثقافي الشامل لهذا العصر.

ولن يكون من الغريب ان تحظى برامج تلفزيونية عن مأكولات صحية تحافظ على بياض ونصاعة الأسنان باهتمام كثير من المشاهدين او تلك التي تتحدث عن الغذاء الذي يساعد على تقوية الذاكرة مثل ''الفراولة'' و''الملفوف''.

كل ذلك يدخل في سياق المبهج والمحتفل بالحياة وثقافات الشعوب، اما ما كتبته فاطمة ناعوت، عشية الاحتفال بعيد الأضحى فيبدو منتميا بامتياز للكتابات النقيضة للبهجة والمناقضة للاحتفال بالحياة فيما تتوالى الانتقادات وسيل من الاستهجان عبر مواقع التواصل الاجتماعي حتى الصحف ووسائل الإعلام بشأن ما ذكرته ناعوت حول نحر الأضحية في عيد الأضحى.

ولعل الكاتبة الصحفية، فاطمة ناعوت، وهي تنال من سنة الذبح في عيد الأضحى '' مثيرة موجة من الغضب بين مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي أرادت ان تحاكي على اي نحو الممثلة الفرنسية الشهيرة بريجيت باردو، التي اطلقت منذ سنوات مقولات تعترض فيها على ذبح الأضاحي.

وفيما يدافع اي مثقف يستحق هذا الوصف عن حرية الرأي والتعبير فانه يرفض في المقابل اي عدوان او إساءة لأي دين او عقيدة ونيل من المشاعر الإيمانية لأي إنسان في هذا العالم، ومن هنا كانت موجة الغضب التي شملت الكثير من المثقفين حيال ما كتبته فاطمة ناعوت، بشأن ذبح الأضاحي والخوض في المقدسات.

ولم تسأل ناعوت، نفسها او تتوقف ولو قليلا عند اللحوم التي يتناولها البشر في كل مكان ومن كل لون ودين بصرف النظر عن أسلوب الذبح، وبطابع الحال فإنها لم تكترث كما هو واضح بالمشاعر الإيمانية لملايين وملايين المسلمين بين أربعة أركان المعمورة وهي تحول عيد الأضحى لمذبحة تساق فيها ملايين الكائنات البريئة على حد فهمها المعوج.

ومن الصعوبة بمكان تلمس عذر لناعوت، او الزج ''بالليبرالية في الموضوع''، وهي تزيف المعاني، وتعتدي على مشاعر ملايين البشر، وهم يحتفلون بعيد الأضحى فإذا بها تتحدث عن ''شهوة النحر والسلخ والشي ورائحة الضأن التي جعلت الإنسان يلبس الشهية ثوب القداسة''، فيما تصف ذبح الأضاحي ''بأهول مذبحة يرتكبها الإنسان كل عام منذ عشرة قرون ونصف.

وكان يمكن لها لو أرادت ان تكتفي في صمت بما تريده من طعام سواء ''صحن سلاطة''، او ''قطع خبز مقدد بزيت زيتون''، كما تقول دون ان تجهر بالسوء على صفحتها بموقع الفيس بوك، وتسخر من الذين يقيمون شعائر دينهم وتستخف بمشاعرهم قائلة :''اهنأوا بذبائحكم ايها الجسورون الذين لا يزعجكم مرأى الدم ولا تنتظروني على مقاصلكم، انعموا بشوائكم وثريدكم وكل مذبحة وانتم طيبون وسكاكينكم مصقولة وحادة''.

وبعيدا عن هذا السياق المثير للانقباض، والمضاد للبهجة في عيد الأضحى الحافل بالمعاني النبيلة للتضحية والفداء تتجلى العلاقة بين الثقافة والغذاء والهوية في تلك الأيام المباركة او التي يصفها التعبير المصري الدارج والعبقري ''بالأيام المفترجة''.

ولبعض كبار المثقفين والمبدعين في مصر كما في العالم قصص حافلة بالتشويق على موائد تفنن في إعدادها لفيف من ''الآباء الثقافيين'' مثل العلامة المصري الراحل، محمد محمود شاكر.

وكثير من كبار المثقفين المصريين والعرب اطلقوا على الطعام الذي كانوا يتناولونه في بيت العلامة محمد محمود شاكر، اسما دالا وطريفا وهو ''طعام أهل الجنة''، لما كانت هذه المائدة تتضمنه من ألوان الطعام الشهي.

وفي الولايات المتحدة، التي باتت تضم كتلة سكانية كبيرة من المسلمين يتسع نطاق تطبيقات ثورة الاتصالات والعصر الرقمي لتشمل المأكولات التي تتوافق مع الثقافة الغذائية لهذه الكتلة و''متاجر اللحم الحلال''، وقد تحرص بعض السفارات الأمريكية على ابراز ثقافة المطبخ الأمريكي في حفلات تنظمها وتتضمن المأكولات الوطنية في الدول التي تقام بها هذه الحفلات.

وللطعام والمطاعم مكانة يحتفى بها كثير من المبدعين في الغرب كما يتجلى على سبيل المثال في كتاب ''أنا فيلليني'' عن مسيرة المخرج والكاتب السينمائي الايطالي، الراحل فيديريكو فيلليني حيث يصف علاقته الوثيقة مع الممثل الشهير، مارشيلو ماستروياني، وبطل فيلمه ''حياة حلوة'' بأنها بدأت من ''علاقة مطعمية.''

طريف ما يقوله فيلليني، في هذا السياق عن علاقته بماستروياني ''كنا نلتقي عادة في المطاعم وكان يأكل الكثير من الطعام دائما وقد لاحظت ذلك لأن بيني وبين محبي الأكل صلة طبيعية ويمكنك ان تميز الشخص الذي يحب الطعام لامن خلال الكمية التي يستهلكها بل من خلال استمتاعه وتلذذه بما يأكل''.

ومن الطريف أيضا ان اللقاء تكرر كثيرا في المطاعم بين فيلليني، وشارلوت شاندلر، مؤلفة هذا الكتاب ولم تكن ''البيتزا'' الايطالية الشهيرة بعيدة عن ذكريات فيلليني في سياق حديثه عن بلدته ''ريميني'' التي زارها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بعد غادرها في شرخ الشباب لروما.

وها هو يقول :''تنامت ريميني واعيد بناؤها بعد القصف ولكن على نحو مختلف، كان مستحيلا اعادة ما ينتمي الى العصر الوسيط لذلك فهي اشبه ما تكون بالمدن الأمريكية، ومع ان اعادة البناء جرت بمساعدة الولايات المتحدة فان الأمريكيين غير مسؤولين عن البيتزا الرديئة، لقد تغيرت ريميني من غير اذن مني''.

انه فيلليني، عملاق الفن السابع الذي يقول ''خلال الحرب العالمية الثانية والفترة التي اعقبتها كنت اكتب في المطبخ لأدفئ نفسي قرب موقد الطبخ، وقد يكون لذلك تأثير في كتابتي آنذاك وان صح هذا فإنني اتركه لأولئك الذين يحبون التأمل في الماضي وان كنت لا احب ان يبدد طالب ايام شبابه في كتابة اطروحة عن كتابات فيلليني في المطبخ''.

بل إن روما التي وقع في هواها من اول نظرة اقترنت في البداية كمدينة في ذهنه بالطعام كما يقول ''لما رأيتها اول مرة انطبع في ذهني ان الناس فيها يأكلون في كل مكان متلذذين بأشياء بدت شهية للغاية، نظرت من نوافذ المطاعم الى المعكرونة وهي تلف على الشوكات، رأيت أنواعا من المعكرونة اكثر مما كنت اعرف، كانت هناك محلات الجبن المتلألئة ورائحة الخبز الساخن المنتشرة من المخابز وحوانيت المعجنات.

لم يتعامل فيلليني، مع حوانيت المعجنات كما يرغب لأنه لم يكن يملك في تلك الأيام التي هبط فيها روما من المال ما يكفي حتى وجبة واحدة في اليوم، ولذلك قرر أن يصبح غنيا بحيث يستطيع تناول ما يشتهي من المعجنات.

غريبة قصة هذا المبدع الايطالي الكبير وابن ''تاجر الجبن البارمي''، مع الطعام فمع أن والديه وفرا له طعاما شهيا في طفولته كان مستعدا كما يقول بعد وجبة كبيرة وطيبة في البيت ان يقف أمام المخبز المجاور ضاغطا وجهه على زجاج نافذته، معجبا بكعكة فاخرة ومتمنيا لو كان في جيبه ما يمكنه من شرائها.

وبالتأكيد لم تكن المطاعم بعيدة عن قصة زواجه بالممثلة الايطالية، جيوليتا ماسينا، حيث يستعيد ذكريات طريفة في هذا الكتاب-الذي ترجمه للعربية عارف حديفة - عن بداية العلاقة بينهما في ايام الشباب وخواء الجيوب يقول ''هتفت لها ودعوتها إلى الغداء، واخترت مطعما جيدا كان من المطاعم الحديثة آنذاك''.

ويضيف فيديريكو فيلليني، ''كان صعبا القيام بأقل من ذلك اذ كان مظهرا من مظاهر الاحترام واعترفت لي جيوليتا فيما بعد بأنها احضرت معها نقودا زائدة للمساهمة في دفع ثمن الفاتورة ان لم يكن معي مايكفي،كانت بالغة للعذوبة واكدت انها ليست جائعة وحاولت ان تطلب اخف المأكولات وأرخصها'' .

الحب والمطاعم والذكريات الطريفة لزوجين تجدها في هذا الكتاب وفيلليني يقول :''شجعتها على طلب كل ما هو فاخر على قائمة الطعام غير انها ظلت تنظر إلى الأسعار، لم تعرف جيوليتا انني عرجت على المطعم ونظرت الى لائحة الطعام قبل ان ادعوها للتأكد من قدرتي على الدفع.

وفى كتابه ''الجغرافيا الثقافية''، يؤكد مايك كرانج، الأستاذ فى جامعة دورهايم البريطانية، على ''المعنى الثقافي'' للطعام موضحا ان المأكولات علامات واضحة على الثقافات المختلفة حول الكرة الأرضية.

ويضيف انه كثيرا مايطلب من طلابه ان يتأملوا من اين جاءتهم اخر وجبة لأن اقتفاء اثر كل المواد المستعملة في انتاج تلك الوجبة يكشف عن علاقة اعتماد على عالم بأسره من العلاقات وشروط الانتاج.

لكن كتاب البروفيسور كرانج، لم يتطرق لقصة ''البط الدمياطي''، في رمضان حيث يندر أن تخلو أي مائدة افطار في اول ايام الشهر الفضيل بهذه المحافظة المصرية من البط، وبما يشكل بامتياز ''ثقافة غذائية مميزة لأبناء دمياط''، حتى ان النظرة الشعبية لعدم تناول البط في اليوم الأول من رمضان تعني ان هناك شيئا جوهريا مفقودا.

والطريف ان ثورة الاتصالات لم تكن بعيدة عن ''البط الدمياطي في رمضان''، فهى بعض المحال المتخصصة في هذه الوجبة الرمضانية تعلن عن منتجاتها عندما يحل الشهر الفضيل على مواقع التواصل الاجتماعي والهواتف المحمولة.

ولا جدال أن مائدة عيد الأضحى، تدخل في اعز الذكريات لكثير من المصريين الذين يسترجعون ''صحن الفتة الشهير''، بيد الأم الحبيبة ولم شمل كل أفراد العائلة الكبيرة في الأيام الخوالي حول مائدة العيد.

وفى ظل العولمة أضحت كل نكهات العالم فى شوارع المدن الكبرى وتنتشر المطاعم القادمة بمطابخ ما وراء البحار فيما يتأمل مايك كرانج، مؤلف كتاب الجغرافيا الثقافية فيما يسميه ''بتسويق تداعيات معانى المكان''.

ويرى مايك كريج، ان مطاعم مدينة مثل نيويورك تشكل مكانا للتدفقات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية مضيفا :''المطعم كمكان تحدث فيه المنتجات الثقافية وتتكاثر وتتخطى الحدود القومية'' فيما يتوقف مليا أمام سلاسل مطاعم المأكولات السريعة التي تعبر عن الثقافة الأمريكية.

وفى المقابل فان بعض العقول التي تعمل في ثقافة الغذاء بالمعنى الواسع في مصر والعالم العرب عمدت للتركيز على الأكلات المصرية والشرقية في مطاعم بدت وكأنها نوع من الاستجابة لتحدى انتشار ثقافة المأكولات السريع.

وتنزع هذه المطاعم التي ترفع شعار الأصالة، و''اكل زمان'' لاختيار مسميات مصرية وشرقية خالصة بل ان بعضها يستعير اسماء اماكن وشخصيات وردت في أعمال لكبار الكتاب المصريين والعرب وخاصة أديب نوبل نجيب محفوظ دون ان تتنازل عن الاستفادة بمنجزات الحداثة مثل التواصل الإلكتروني عبر شبكة الانترنت مع الزبائن الذين تهفو بطونهم ''لطاجن عكاوي أو بطاطس باللحمة او بط محشو ناهيك عن الأرز المعمر''.

واذا كان الصينيون، لم يغفلوا حتى عن صناعة ''فانوس رمضان''، وتصديره للدول العربية فلن يكون من المثير للدهشة ان ثقافة الغذاء الصيني باتت طرفا في سياقات الغذاء المعولم بينما تتنافس المطاعم الصينية فى جذب الزبائن على موائدها فى كثير من المدن العربية.

وهكذا تدور معركة محتدمة وطريفة ودالة بين ''المحاشي المصرية''، و''الفتة الشامية''، و''الكسكسى المغربي''، و''المنسف الأردني''، و''المقلوب الفلسطيني''، و''الجريش السعودي''، و''الدولما العراقية''، و''الحريرة التونسية''، من جانب وبين المأكولات الصينية مثل ''لفائف الديم سوم''، او ''الديم سوم سوشي''، و''العجائن بالجمبري . ''

وبالذكاء التجاري والتسويقي الصيني، لم تنس المطاعم الصينية المنتشرة في العالم العربي المقبلات المتعددة و''لفائف سبرينج رول''، ناهيك عن الشاي الصيني بنكهات عديدة من الأعشاب والزهور البرية و''حلوى كانتون'' وحتى ''النارجيلة'' للمدخنين.

ولم لا اليس الطعام- كما يقول مؤلف كتاب الجغرافيا الثقافية-، يعتبر دون شك البضاعة المستهلكة الجوهرية إلى ابعد حد والجزء الأساسي والضروري من حياتنا إلى اقصى حد، هذا صحيح تماما كما انه من الصحيح استنكار الاعتداء الفظ على الثقافة الغذائية لملايين البشر في هذا العالم ، كفى قسوة وان تخفت للمفارقة في ثياب الرحمة.

كفى رغبة في إفساد كل فرحة، ولو كانت فرحة العيد، سيبقى نحر الأضحية، ومائدة عيد الأضحى، وطبق الفتة في جوهر الثقافة الغذائية لهذا الشعب، وستبقى طقوس البهجة وساقية المواويل وأهداب القنديل، وابتسامة على وجه طفل يفتح صدره المبتهج بنشوة النيل العظيم.

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا

هذا المحتوى من

Asha

فيديو قد يعجبك: