لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

ناس لها لبس العيد وناس لها ''تقشير الشامي''

12:25 م السبت 04 أكتوبر 2014

كتبت-إشراق أحمد:

طفل يقبض على يد أبيه أو أمه، يقفز قلبه لرؤية الزي الجديد، فيتسنى له الشعور حقًا بقدوم العيد؛ تلك الصورة المثالية لطقوس الاحتفال بأيام العيد، بين أب يحاول جاهدًا إدخال السرور على قلب أبناءه، وأولاد ينتظرونه بصبر فارغ، لا مكان لها في حياة أخرين، ليسوا بيتامى الاباء، لكنه يُتم الحال، فصار لزامًا عليهم المعاونة رغم صغر أعمارهم من أجل البقاء، رسم ابتسامة يتشاركونها مع غيرهم ممن قُدر أن تأتيهم وسائل السعادة طوعًا، ولهذا اضطر صغار قرية الحوارس بسوهاج ''تقشير الدرة الشامي'' من أجل شراء ''لبس العيد''.

قبل قرابة الأسبوع دلف أحمد السيد إلى إحدى الفصول السبع للمرحلة الإعدادية التي يدرس لها بمدرسة الحوارس للتعليم الأساسي، مشهد الطلاب دون الزي المدرسي، والأقدام التي لا تتقبل الأحذية وتتمسك بـ''الشبشب'' رداء لها طوعًا وكرهًا، لم يكن الملفت للانتباه فقد اعتاد ذلك طيلة 3 سنوات منذ بدأ العمل، لكن خلو الفصل –المسجل فيه 58 طالب- إلا من 15 فقط، ''السيد'' ليس من النوع الذي لا يبالي لأمر الطلاب طالما هناك من سيتلقى عنه، لذا سأل أحد الطلاب عن غياب هذا العدد الكبير، لتأتيه الإجابة ''كل سنة وأنت طيب يا أستاذ موسم''، ظن أن الغياب ''عشان العيد''، فأتاه النفي والتصحيح على لسان ابن الصف الثالث الإعدادي بلهجة أهل الصعيد'' لأ غايبين عشان بيجشروا شامي يستاذ''، وما عنى الصغير إلا أن رفاقه يعملون في تقشير الذرة الشامي.

اكتملت الصورة لدى الأستاذ عقب تلك الكلمات، فسر التواجد للكثير بالطرقات يقشرون الذرة، صغار وكبار يفعلون ذلك، نسى ''السيد'' أنه ''موسم'' وحينما يأتي يخلع الطلاب تلك الصفة ويهرعوا للعمل، وتصادف قدوم عيد الأضحى مع موسم زراعة الذرة، فالعمل في حد ذاته لهؤلاء الصغار لم يعد محط تعجب، إذ اعتاد أن يسأل عن سبب غياب أحدهم، فيأتيه الرد ليس لأنه مريض أو لا علم لزملائه أو حتى الصمت بل ''عشان شغال على توك توك النهاردة.. شغال في الأرض..'' وغير ذلك من الأعمال.

غياب هذا العدد من الطلاب مع الأسبوع الثاني من الدراسة ليس في ذلك الفصل بل المدرسة بشكل عام، ووجود القليل دفع الأستاذ لتوجيه السؤال لهم، عن عدم غيابهم مثل رفاقهم خاصة بعد كلمات تلميذه ''اليومية بـ60 جنيه يستاذ''، لتضيف الإجابة مزيد من الاكتشاف التي ظلت تلاحقه منذ عمله عن تلك القرية التي لا تبعد عن وسط المدينة حيث يسكن سوى نصف ساعة، ''اللي قاعدين دول كانوا غايبين بيقشروا الأسبوع اللي فات لما الموسم زنق والعيد قرب أغلب العيال غابت عشان يعملوا كام يومية جيبوا بيها لبس العيد'' قالها الصبي بتحويل القاف إلى الجيم سمة لسان الصعيد.

لم يكن يلق الأستاذ العشريني العمر بالاً حينما يعلم بعمل أحدهم، خاصة أن طبيعة القرية الفقر، فضلاً أن إمكانية عمل الابن لمعاونة أسرته غير المقتدرة أمر وراد ''لكن الرد لمس معايا خاصة أن العدد مش قليل'' حسب قول ''السيد''، غير أن الخيوط ظلت تجتمع، وتشكل صورة القرية التي يعتبرها ابن سوهاج مختلفة كليةً عن المدينة، بات تفسير ''البؤس'' الغالب على وجوه الكثير منهم، ندرة الالتحاق بالمرحلة الثانوية ليس فقط لأن المدرسة تبعد عن القرية لكنه الحال الذي نشأ عليه غالبية أهل ''الحوارس''، ويتمثل في فخر أحدهم أنه يعمل ''وراجل وكسيب''.

لا يجد ''السيد'' مبالغة في وجود 70 في المئة من كل فصل يدخله لا يتعدى طموح التلاميذ بها الذين لا يتجاوز أعمارهم الـ13 عاماً ''عايز أخلص وأخد الدبلوم وبعدين أدخل جيش سنتين عشان أسافر بره''.

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ... اضغط هنا

 

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان