''الصورة الحلال ما بتضيعش''.. قصة 16 سنة من البحث عن ''الغريب''
كتب- محمد مهدي:
الصورة تحمل بين تفاصيلها حياة.. تُنقذ لحظاتنا الأهم من الاندثار بفِعل الذاكرة الخَربة، تحفظها بومضة ''فلاش'' أبد الدَهر، لنعتني بها، ونخبأها بعيدا عن عبث العابثين، فتصبح متاحة طوال الوقت لإلقاء نظرة عليها، نعانق بها ذكرياتنا، نلتحف بالماضي، ونلتمس فيها دفءً مفقود، لكن أحيانا تضيع تلك المتعة عندما نترك صورنا في يدٍ غير أمينة، وهذا ما ابتعدت عنه ''أسماء يس'' مطورة برامج الحاسوب الآلي، التي قضت 16 عام من عمرها تبحث عن صاحب صورة التقطتها في طفولتها.
بداخل غرفتها، في أدراج مكتبها، تُفتش ''أسماء'' بين الحين والآخر عن شيء ما، سريعا ما تلتقط صورة قديمة تضم مشهد لرجل يحمل طفل وعلى ملامحهما ابتسامة كبيرة، تتأملها جيدا، تتأكد أن جودتها لم تتأثر من مرور السنوات، فيما تستدعي ذاكرتها قصتها مع تلك الصورة.
''الموضوع بدأ برحلة لمدرستي السلام الثانوية بنات في سنة 1998''، برداء المدرسة خرجت ''أسماء'' من منزلها نحو المدرسة، معها شنطتها المزينة برسوم جميلة، وزجاجة مياة، وكاميرا صغيرة مِلك لشقيقها، وهناك انطلقت مع زميلاتها إلى متحف الشمع والمتحف الجيولجي والحديقة اليابانية، لتندمج وسط أصدقائها في اللعب والتقاط الصور ''فجأة ظهر عمو ومعاه طفل وطلب مني أصوره''.
ارتبكت الفتاة في بداية الأمر، وأخبرت الرجل أنها لن تأتِ مرة أخرى إلى الحديقة، وهناك صعوبة في الوصول إليه وتسليمه الصورة ''بس هو كان مصمم وقالي مش مهم بس صورينا''، وافقت بفرحة، وامسكت بين يديها الكاميرا، والتقطت الصورة ، سَلمت على الطفل وتركتهما ''بس وعدت نفسي أني لازم الصورة توصلهم'' قالتها بتحدي.
الفتاة الصغير تَكبر، والصورة بحوزتها سجينة الأدراج بعدما قامت بطباعتها، تطمئن عليها من آن لآخر، وبداخلها حِلم تُخطط له لكي يتحقق ''قررت إني أول ما هأشتغل هأعمل إعلان في جريدة الأهرام عشان أوصل لأصحاب الصورة'' حققت نصف الحِلم وفشلت في النصف الآخر ''قدرت اشتغل بس مقدرتش على فلوس الإعلان الصراحة''.
تعاملت ''أسماء'' مع الصورة كأنها أمانة يجب أن تُرد لأصحابها، فظل الأمر يؤرقها حتى هداها تفكيرها إلى اللجوء إلى ''فيس بوك'' ومحاولة نَشر الصور من خلالها، والوصول إلى أصحابها عبر أكبر عدد من ''الشير''، وكانت تتوقع أن يهتم بعض الناس وأن يبلغ عدد انتشار الصورة إلى 1000 ''شير'' على الأكثر.
بعد ساعات من نَشر الصورة وكتابة قصتها في سطور، انهالت المشاركة من عدد كبير من المهتمين بالأمر وصل عددهم إلى 7000 شخص قاموا بـ ''شير'' للصورة، وتحول صندوق الوارد للصفحة الشخصية لـ ''أسماء'' إلى مهبط لرسائل لا حصر لها ''كنت بسهر أقرأ الرسايل لأنها ممكن تساعدني، وكان بيوصلي تشجيع كتير للي بعمله''.
وتيرة الأحداث بدت سريعة لـ''أسماء'' التي أتخذت من ''فيس بوك'' سبيلا لإدخال الفَرحة على رجل وطفله بصورة قديمة، وتوافد عليها عدة أشخاص يزعمون صلتهم بصاحب الصورة، لكنها ارتبكت بعض الشيء بعد اختلاط الروايات ''حسيت أني في فيلم الغريب بالظبط، اللي يقولي دا مات، أو دا قريبي وعيان، وناس بعتتلي صور شبهه جدًا''.
أيام مرت، انشغلت مطورة برامج الحاسب الآلي عن حياتها الاعتيادية وانغمست في رحلة البحث عن صاحب الصورة، قبل أن يراسلها أحد الأشخاص معبرا عن سعادته باهتمامها ''طِلع وسيط من صاحب الصورة اللي شافها واتبسط جدًا''.
ارتاح قلب ''أسماء'' أخيرا، وصلت الأمانة لأصحابها، تاركة بداخلها تجربة حلوة لا تنسى، وشعور بالفَخر لعزمها الذي لم يقل يوما وامتنانها لاهتمام الجميع الذي دفع عجلة البحث إلى دروب مختلفة ''لو نشرتها في جرنان مكنتش هتنتشر بالشكل دا''.
'' الناس في مصر محتاجة حاجة حقيقية ترجع تجمعهم تاني حتى لو بسيطة'' تقولها ''أسماء'' عن كم ردود الفعل التي تلقتها من تشجيع لموقفها، وطلبات الكثير لمساعدتها، والمساعي التي وجدت في أروقة ''فيس بوك'' للوصول إلى صاحب الصورة.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: