لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

الأسير الفلسطيني المُحرر ''ياسين أبو خضير'' يروي حكاية 26 عام بسجون الاحتلال

12:31 م الأربعاء 01 أكتوبر 2014

ياسين أبو خضير الأسير الفلسطيني المُحرر

كتبت- دعاء الفولي:

في أحلام يقظته والنوم لازال يتذكر، ياسمينة أمه التي زرعتها في مكانه الخالي بالمنزل، وجه صديقه المبتسم رغم القهر، سلاح المعتدي يهدده كل صباح، يحرمه وصل الأحباب، أسوار السجن الذي لم يبرحه لمدة 26 عاما، دلف إليه باتهامات صنعها المحتل الإسرائيلي على عينه، خرج منه شخصا جديدا، لا يعرف عن العالم الخارجي قدر إلمامه بحياة الأسر، صعوبة التجربة تركت في ''ياسين أبو خضير'' آثارا لن يمحوها عمره المتبقي.

شعفاط، القدس، 27 ديسمبر من العام1987، شاب لم يكمل عامه الثالث والعشرين بعد، القوات الإسرائيلية تلقي القبض عليه بتهمة الانتماء لخلية عسكرية تابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وتم إدانته بطعن وقتل إسرائيليين، جاء الحكم بـ28 عاما، قضاها إلا عامين، تبدأ القصة منذ انتفاضة الأقصى عام 1985، كان ''أبو خضير'' حينها طالبا في الكلية الإبراهيمية ''اتقبض عليا بتهمة التحريض على تنظيم مظاهرات ودخلت سجن بئر السبع''، وفي عام 87 ألقت قوات الاحتلال القبض عليه ومجموعته بزعم إعادة التحقيق معهم.

لم ينكر الأسير المحرر اهتمامه بالسياسة، نشأ في عائلة معروفة بأنشطتها ضد الاحتلال ''المحيط اﻻجتماعي شكل وعيي منذ الصغر''، استهل حياته في صفوف اتحاد لجان طلاب الثانوي ومن ثم في جبهة العمل الطلابي الجامعي ولجان العمل التطوعي، عائلته ليس لها نشاط سياسي فقط، بل هنالك 18 أسير منها يقبع بسجون الاحتلال.

''عشت في أكثر من سجن''، بدأت رحلة ''أبو خضير'' في سجن بئر السبع، مكث به 10أشهر، بعدها نُقل إلى سجن الرمله ومن ثم عسقلان، حيث بقى هناك 15 عام على فترتين بينهما عام ونصف في سجن شطه ثم الرمله مره أخرى وتم ترحيله إلى سجن هشارون، قاضيا آخر 6 سنوات في سجن ''الجلبوع''، عندما يُعتقل أحدهم من القدس يتم ترحيله إلى مركز شرطة يُسمى ''المسكوبية''، وبها مركز تحقيق رئيسي للشرطة والشاباك _جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي_ وهو مكان معروف بسمعته السيئة وظروف الاعتقال القاسية والأساليب الوحشية المستخدمة مع المسجونين.

''أيامي الأولى لدى الشرطة كان العنف والضرب المبرح هو الأسلوب الرئيسي بالتحقيق.. لم أستطع الوقوف على أقدامي لأيام''، غصة في الحلق تصحب الأسير الأربعيني عندما يحكي عن هذه الأوقات، اعتمد تحقيق الشاباك حينها على الضغط النفسي ''كانوا بيعزلونا فترات طويلة بزنازين صغيرة''، البعض لم يفلتوا من تعذيب جسدي على أيدي العاملين بالجهاز، كالأسير ''عبد الصمد حريزات'' الذي استشهد بأيديهم في التسعينات، بعدها تدخل الجهاز القضائي الإسرائيلي وخفت وطأة التعذيب الجسدي، وأحيانا تستطيع أجهزة التحقيق الإسرائيلية استخدام العنف المعتدل بشكل قضائي ''بيسموا الحالات دي القنبلة الموقوتة.. كأن التعذيب هو الخيار الوحيد المتاح''.

في السجن كان النظام صارم، لم يستطع ''ياسين'' التخلص من صداه حتى الآن، الاستيقاظ في الخامسة والنصف صباحا، يليه الإفطار، ثم عد المسجونين في طابور الصباح، ساعتان للرياضة من الثامنة وحتى العاشرة صباحا، اعتاد ''أبو خضير'' السير فيهما، ثم يدخل الأسرى الغُرف حتى الثانية عشر ظهرا، لتبدأ فترة طعام الغداء، والنصف الثاني من اليوم، يعقبه القيلولة، واجتماعات للنقاشات الثقافية أو القراءة ومشاهدة التلفاز، لتنغلق الأضواء بالسجن في وقت العشاء.

يبدو حال السجن لمن بالخارج جيدا، فالقراءة والريا        ضة والأحاديث مكفولة للأسرى، غير أن ذلك لم يبعد عنهم نيران التعنت من قبل قوات الاحتلال، والتي إن لم تتخذ شكل جسدي، فقد ركزت على التعذيب النفسي طوال فترة الحبس ''الإجراءات المتبعة والقوانين بحد ذاتها تعذيب''، يبدأ الأمر من منع زيارات الأهل من الدرجة الأولى، مرورا بحجب الخروج إلى الساحة لأيام، وعدم إعطاء تصاريح لأهالي الأسرى للزيارة من منطقة الضفة أو غزة، وتفضيل أسرى بعض المناطق عن غيرهم، وأخيرا منع الأسير حتى من ملامسة أطفاله ''إدخال الأطفال لزيارة والدهم خلف الزجاج تكون كل شهرين وبإذن خاص''.

لم يتوقف القهر عند ذلك فمنذ عام 2004 تم حرمان الأهالي من إدخال مواد غذائية للأبناء وطعام السجن سيئ للغاية لا يصلح لبشر فيضطر الأسرى لشراء غذائهم من كانتين السجن بأسعار باهظة وأحيانا كثيرة يتم منع أنواع معينة من الأغذية دون إبداء الأسباب، لم يستطع المسجونين تحسين تلك الظروف حتى مع موجات إضرابهم عن الطعام سوى بشكل جزئي.

عام 1992 قرر الأسرى السياسيين الدخول في إضراب عن الطعام، وكان نقطة فاصلة، جعل ظروفهم المعيشية داخل السجن أفضل، لكن الإدارة دائما ما حاولت إعادتهم إلى المربع الأول، وسحب الإنجازات باستخدام مبررات وذرائع واهية، كما لجأت قوات الاحتلال وقتها لقمع المضربين، سواء بنقلهم من سجن لآخر لإرهاقهم، أو رش الزنازين بالغاز المسيل للدموع ''في أحد المرات استمر إطلاق الغاز المسيل داخل الزنازين لمدة أسبوع كامل''، وقد تلجأ الإدارة لطرق أخرى؛ منها عمل حفلات شواء في ساحات السجون حال الإضراب، ترك الإنارة مشتعلة، استخدام مكبرات الصوت، أو بث اغاني صاخبة، رغم الاعتداءات المتكررة، لم يفقد ''أبو خضير'' وأصحابه الأمل في الإضراب، حتى أنهم أعادوا الكرة عام 2004 ''لكن فشل وبسببه تم سحب إنجازات حققناها عام 92''.

ترانيم الوجع تضرب قلب السجين المُحرر بين حين وآخر، الوجوه لا تبتعد عنه، من قابلهم بالداخل وصاروا عائلته، حتى أنه عندما خرج لم يعرف معظم أفراد أسرته الحقيقة ''علاقتي بمن في القبور والسجن أقوى''، بين أيام الحبس هناك مواقف لا تُنسى؛ يوم وفاة والدته، كانت الأقرب له، اعتادت زيارته رغم تعب الإجراءات وتقدم العمر، بصباح أحد الأيام طلبه نائب ضابط السجن ''ظننت إنه هيعطيني مخالفة أو سأذهب للمحاكمة''، سأله عن صحة والدته، فأجاب ''أبو خضير'' أنها بخير وقد زارته منذ أسبوع، لكنها مصابة بمرض السكري ''فقال لي مباشرة أنها ماتت ويمكنني الاتصال بالأهل لمدة عشر دقائق''.

''ياسمين'' و''صبار'' حدثته الوالدة عنهما في الزيارة الأخيرة له، كيف كانت ترويهما انتظارا لخروجه ليكمل ما بدأته ''ماتت الياسمينة بعد وفاة أمي والصبار لازلت أعتني به''.

أصبحت أفق السجن ضيقة عقب رحيل حبة القلب، وعدم استطاعته الخروج لدفنها، لعدم وجود استثناءات للسجناء السياسيين، لم ينتهِ الألم عند تلك المحنة، فسقوط بغداد عام 2003، كان ضربة ثانية ''العراق وسوريا ومصر هم عمق العرب بدأت المأساة بسقوط العراق وحال العرب يسوء من بعدها.. وتزامن سقوط العراق مع ذكرى مذبحة دير ياسين''.

يعيش الأسرى السياسيين بأقسام خاصة يسمونها ''الأقسام الأمنية''، على حد قول ''أبو خضير''، يتوزعون بها حسب انتماءاتهم التنظيمية، ولكل تنظيم برنامجه الخاص ونظامه الإداري الذي يدير نشاطه، هذه الاستقلالية الذاتية محكومة بالجسد العام للأسرى، حيث هناك لجنة وطنية هي أعلى هيئة بالسجن ويتمثل بها كل التنظيمات وقراراتها ملزمة للعموم وتحدد السياسة العامة في الأقسام، وإلى جانبها لجنه الحوار وتعبر عن الأسرى أمام ادارة السجون وتتحدث باسمهم وتنقل مطالبهم للإدارة وتلتزم بالسياسة التي تحددها اللجنة الوطنية العامة ولكن لها مساحة تحرك.

كل الطرق لمقاومة الاحتلال مشروعة، هكذا يؤمن ''ياسين''، التعليم كان أكثرها إتاحة حال أسره ''هو تحدي للظروف اﻻستثنائيه التي نعيشها''. عندما تم القبض عليه كان يدرس الصحافة والإعلام ''أثناء اعتقالي أنهيت البكالريوس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية وعندما تم منعنا من الدراسة على يد نتانياهو كنت أدرس للماجستير في الديمقراطية متعددة المجاﻻت''، يطمح لإنهاء ما بدأه داخل المعتقل، لكن عقب توقف شروط إطلاق سراحه التي تنتهي آخر العام الحالي، والتي تتضمن المنع من السفر ومن دخول الضفة والتوقيع لدى الشرطة لمدة عام.

لم يخرج ''ياسين'' ضمن الصفقة المعروفة إعلاميا بـ''صفقة شاليط''، لكن من خلال اتفاق بين السلطة الفلسطينية وقوات الاحتلال الإسرائيلي عقب مطالبات بضرورة الإفراج عن الأسرى الموجودين في سجون الاحتلال قبل اتفاقية أوسلو _ انعقدت بين الاحتلال ومنظمة التحرير الوطني 1993_، ''كنا 104 أسير وتم استثناؤنا من كل الإفراجات لذا بعد الضغط جاء الإفراج عنا على أربع دفعات''، خرج ''ياسين'' ضمن الدفعة الثالثة، وكان أحد شروط الإفراج عن الجمع عدم لجوء السلطة الفلسطينية إلى المنظمات الدولية، موعد الإفراج المُحدد طبقا للاتهامات كان أول عام 2016، لذا فوجيء عندما تحرر قبل ميعاده بعامين.

''عند الخروج كان بانتظاري الألاف من الناس''، لفترة من الزمن لم يستوعب ''ياسين'' الحالة، اغتراب راوده عقب الخروج من أرض السجن، خاصة بعد وفاة والدته ''هي أكثر من افتقدت وجوده عندما أصبحت حرا وكذلك بعض إخوتي الذين ماتوا وأنا بالسجن''، تعطلت قدرته على حفظ الأسماء والوجوه لكثرتها ''ابن أخي سلم عليا 3 مرات وعرفته في المرة الثالثة''، أصبح الأسير المُحرر أقل تعايشا مع من حوله، صارت عباراته حادة مقتضبة وانتقاداته لاذعة، يحاول التأقلم مع الواقع الذي ابتعد عنه لمدة 26 عاما، إطلاق سراحه كان منذ تسعة أشهر، لكنه يعتبر حياة الحرية جديدة لحد ما.

''أن أكمل الماجستير وأبني حياتي الأسرية وفق فهمي وتفكيري''، اقتراب الخمسين لم يقضِ على حلم ''أبو خضير''، يستمسك بتلابيب الأمنيات، يتمنى المساهمة بما لديه من إمكانيات في تطوير المحيط ونقل أفكاره إلى أكبر عدد من البشر وأن يستطيع تحسين وضع المرأة بالمجتمع، وأخيرا أن يزور الضفة، ربما يُسمح له بذلك يوما، ففضلا عن شروط إطلاق السراح، لا يستطيع أهل القدس زيارة الضفة، إلا أنه عندما تحين الفرصة سيرى أخته التي تسكن خلف جدار الفصل العنصري في الضفة، لا يُبعده عنها سوى خمس دقائق فقط ''لها بنات وأحفاد لم أرهم حتى الآن سوى على النت.. وهي ليس لها حق دخول القدس'' لم يفكر في خرق شروط إطلاق سراحه ولو بفعل بسيط ''لأنهم بيقدروا يجددوا الاتهامات في أي وقت ويرجعوني الأسر تاني''.

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان