مشرحة زينهم.. ''اللي عايز تلج لله''
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
كتبت - دعاء الفولي ويسرا سلامة:
في هذا الشارع الضيق وبجانب بعضها البعض تراصت الثلاجات؛ ''رمسيس''، ''رابعة'' و''النهضة''؛ تلك التصنيفات هي بطاقة تعريف كل ثلاجة منهم؛ فكل مكان قد أرسل حصاد أجساد من لفظوا أنفاسهم على أرضه، لتبقى تلك الأجساد في الثلاجات؛ تقطر دمًا ويبقى ذويهم خارجها تقطر قلوبهم حسرة على ذويهم الموجودين داخل الثلاجات.
لطخات الدم كانت في كل مكان، على الأرض، على السيارات التي تحمل ثلاجات الموتى، على ملابس العاملين والأهالي الذين قرروا المساعدة في نقل الجثث وحملها؛ أما الرائحة فكانت الأسوأ على الإطلاق؛ رائحة الجثث التي أوشكت على التعفن نتيجة تكدسها لأكثر من 4 أيام داخل الثلاجات، حتى أن الرائحة قد غطت على الكميات الكبيرة من ماء الورد ومعطرات الجو التي حاول جميع المتواجدين نثرها طوال الوقت على أرض المشرحة، بالإضافة لقطع الثلج الضخمة التي وقف أحدهم ينادي على الناس ليستعينوا بها ''تلج.. اللي عايز تلج لله''؛ علّه يبقي الجثث سليمة لحين يجدها الأهل، ويتسنى لهم أن يلقوا النظرة الأخيرة قبل مواراتها التراب.
عشرات الأهالي المكلومين اصطفوا في الطريق المؤدي لمدخل مشرحة ''زينهم'' بالسيدة زينب، يجتمع عليهم الحزن بسبب فقد ذويهم والغضب بسبب التباطؤ في خروج الجثث من المشرحة واليأس؛ لعدم عثور بعضهم على جثة أبنائهم في المستشفيات؛ فكانت ''زينهم'' هي الأمل الأخير لهم للعثور عليها.
أمام الثلاجات التي تحوى جثث الأحداث وقف ''سامي''، شقيق ''هشام عبد الفتاح''، ومعه أفراد أسرته بعد رحلة بحث مضنية عن جثته بين عشرات الجثث المجهولة، لم يدفعهم للبحث سوى ''صورة'' لجثته على الإنترنت عقب فض اعتصام ميدان النهضة، عرفوا من خلالها نبأ وفاته.
''شوفنا نص جثته سليمة والنصف الآخر محترق''.. بصوت يملأه الحزن وصف شقيق ''هشام'' آخر ملامح جثة شقيقه، والذي لم يفارقه سوى ساعة فض ميدان ''النهضة''، ولم يكن يعلم أنه اللقاء الأخير، تاركًا زوجة مكلومة وخمسة أطفال أكبرهم يبلغ من العمر 15 عامًا، بعد ''رصاصة'' أودت بحياته.
''دورنا في كل المستشفيات؛ القصر العيني، الدمرداش، ولم نجده''.. رحلة بحث تؤلمهم بجانب ألم الرحيل والفراق؛ فهم لم يجدوا جثة المتوفى حتى الآن، صورته وصورة بطاقته تحمل سنه الأربعيني وعنوانه هو كل ما يظهرونه لأي شخص يأتى إلى مشرحة ''زينهم''، لعله يجده في مكان ما.
''نبيل''، يبلغ من العمر 40 عامًا، لكنه لم يمت، أو على الأقل على حد علم قريبه الذي كان يسير بالقرب من المشرحة واضعًا كمامة على أنفه من شدة الرائحة والعجز يظهر على عينيه ''نبيل مختفي من يوم الجمعة، وإحنا لحد دلوقتي مش عارفين هو عايش ولا ميت ولا معتقل، دورنا عليه في كل حتة وفاضل هنا''.
الاعتقال على رغم صعوبته هو أهون من الموت بالنسبة لأهل ''نبيل'' وأسرته، الذين أكثر ما يؤلمهم هو ''الإعلام بيقول علينا إرهابيين، وإحنا محدش فينا مسك سلاح ولا عمل حاجة، وإخواتنا بيموتوا وبرضو بيقولوا عليهم إرهابيين، ومحدش متعاطف معاهم''.
بجانب كشوف المتوفين جلس ''سامي'' منتظرًا كالآخرين؛ فما إن بدأ كلامه عن الفقيد الذي ينتظره حتى يتضح أنها أنثى، وأنه ينتظرها منذ الصباح، ولكن لعل حاله أفضل فهو يعلم أنها موجودة داخل المشرحة ولن يحتاج لتلك الرحلة المعتادة للبحث عن الجثة.
''النهاردة عيد ميلادها، تمت 22 سنة''.. قالها ''سامي'' على وجهه ابتسامة خافتة يختبيء وراءها حزن شديد على فقده ''مريم'' ابنة خالة زوجته؛ فهي نزلت، يوم الأربعاء، وقت أحداث ''فض رابعة، كمن نزلوا وكان معها أولاد أعمامها وأقاربها الآخرين، وكل ما أرادته قبل الموت هو محاولة تصوير مصدر النيران بكاميرا ''موبايل''؛ فما إن رفعت التليفون حتى باغتتها رصاصة وأردتها فورًا.
''هي كانت ثورجية ودمها حامي''.. قالها ''سامي'' معلقًا على حال ''مريم'' وموقفها من المظاهرات بشكل عام ''هي كانت بتصور اللي بيحصل وقرايبها حاولوا يشدوها عشان ترجع بس مكنتش راضية، وكان على ضهرها شنطة، وبعدين كانت بترجع بضهرها ويا دوب بتلف تكلم حد؛ الطلقة جت لها من الضهر وخرجت من الأمام''، على حد قوله.
كانت ملابسات موت ''مريم'' أفضل من آخرين؛ فقد استطاع أهلها التواجد معها لحظة الوفاة بعدما استطاعوا نقلها لمستشفى ''فلسطين'' بشارع الثورة، وتم تحويلها بعد الوفاة بـ4 أيام على مشرحة ''زينهم''؛ لإتمام إجراءات تقرير الطب الشرعي.
''عبد الرحمن جودة''، أحد الأصدقاء المقربين لـ''سامي''؛ وأحد الذين ذهبت أرواحهم في فض اعتصام رابعة؛ حيث يروي ''سامي'' كيفية عثوره على جثة صديقه ''إحنا في الأول أعدنا يوم ونص تقريبًا بندور عليه مش لاقيينه، لحد ما شفت اسمه في كشوف الأسماء اللي ماتت في رابعة بالصدفة على فيس بوك''.
''كان هيتخرج السنة دي من كلية هندسة، وكان حافظ القرآن''.. هكذا لخّص ''سامي'' حياة صديقه ''جودة'' الذي قُتل بطلق ناري في الصدر، ولكن بسبب تسارع الأحداث فلم يعلم أحد ذلك سوى بعد موته بساعات كثيرة.
''قبل الظهر بشوية يوم الجمعة اتصل بينا ناس قالولنا إن جثة عبد الرحمن موجودة في مسجد الإيمان، روحنا على هناك، الحالة كانت صعبة في المسجد الجثث مرمية جنب بعض والريحة صعبة جدًا والدنيا زحمة، روحنا أخدناه وصلينا عليه المغرب في الأزهر، وخرجنا بيه دفناه في ترب الغفير، وغيرنا له الكفن قبل نزول القبر''.
نزول ''سامي'' ميدان رابعة العدوية للتظاهر جعله أكثر حنق على الأحداث خاصة مع فقدانه قريبته وأكثر من صديق له ''أنا كنت في الجيش، خدمت 3 سنين، وقفت في مشارح لما زمايلي في الجيش ماتوا وزعلت عليهم، بس مشوفتش اللي شوفته هنا، هنا مفيش رحمة''.
فيديو قد يعجبك: