لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

''سعد الشاذلي''.. شجاعة جزاؤها ''النفي'' و''السجن'' و''الخيانة''

07:30 م الأحد 10 فبراير 2013

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت - نوريهان سيف الدين:

وصفوه بـ''العقل المدبر'' لحرب أكتوبر، وهو صاحب خطة ''المآذن العالية'' التي أتاحت للجيش المصري العبور وتحقيق النصر، ورغم عبقريته العسكرية و أياديه البيضاء إلا أنه القائد العسكري الوحيد في حرب أكتوبر الذي لم تكرمه الدولة في حياته، بل سجنوه وشوهت صورته بالخيانة.

عامان مرا على وفاة الفريق ''سعد الدين الشاذلي''، ولم ينطفئ نجمه يوما، وإن كان عانى الانزواء والتجهيل في سنين عمره الأخيرة، ومحاولة طمس اسمه من التاريخ، وتشويه صورته في عيون جيل أكتوبر والأجيال اللاحقة، إلا أن التاريخ يأبى ألا يرد للشرفاء اعتبارهم حتى وإن واراهم الثرى.

ولد ''سعد الدين محمد الحسيني الشاذلي'' في الأول من أبريل عام 1922 بمحافظة الغربية، والتحق بالكلية الحربية وعمره 17 عاما فقط، تخرج فيها عام 1940 برتبة ملازم، ويشارك في ''الحرب العالمية الثانية''، ويرفض الانسحاب بالقوات أمام القوات الألمانية، ويبقى بالجبهة وحيدا ومن معه من جنود يدمرون معدات ''جيش هتلر''.

تضع الحرب أوزارها، ويعود ''الشاذلي'' ليلتحق بصفوف الجيش المصري بسلاح ''الحرس الملكي''، ويشارك ضمن سرية السلاح في ''حرب فلسطين 48''، و يعود بعد أن تذوق الجيوش العربية مرار الهزيمة، لينضم إلى ''الضباط الأحرار'' في 1951.

للفريق ''الشاذلي'' أيادٍ بيضاء على الجيش المصري؛ فهو مؤسس أول فرقة مظلات بالجيش عام 1954، انضم لقوات الجيش أثناء ''العدوان الثلاثي 1956''، وكان ضمن القوات المصرية بحروب اليمن 1965، وبعد ''نكسة 1967'' أسس مجموعة قوات خاصة عرفت باسم ''مجموعة الشاذلي'' وكان وقتها برتبة ''لواء'' بالجيش.

براعة ''الشاذلي'' العسكرية تجلت وقت حرب يونيو 67؛ حين انقطعت الاتصالات بينه في الجبهة وبين غرفة القيادة، واتخذ قرارا جريئا بأن يعبر ومعه ''مجموعة الشاذلي'' المؤلفة من 1500 فرد جيش، واستطاعوا تخطي وعبور الحدود الدولية والوصول داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة في أول يوم لحرب ''5 يونيو''؛ وحين عاد الاتصال بينه وبين غرفة العمليات أمر بالانسحاب، واضطر للرجوع بقواته وسط سيناء، وكانت إسرائيل قد سيطرت عليها تماما دون غطاء جوي يحميه ومن معه من جنود، وعاد سالماً بنسبة خسائر في المعدات لم تتجاوز 20%، وكان آخر قائد مصري ينسحب بالجيش من سيناء.

اكتسب ''الشاذلي'' شهرة واسعة داخل صفوف الجيش، ويتم تعينه قائدًا للقوات الخاصة والصاعقة والمظلات، وبعد مجيئ ''السادات'' للحكم يُعيَـن ''الشاذلي'' رئيساً للأركان بالقوات المسلحة، وينشب خلافاً بينه وبين وزير الحربية حينها ''الفريق محمد أحمد صادق'' حول الخطة الأنسب لبدء الحرب واسترداد الأرض .

ويأتي ''المشير أحمد إسماعيل'' وزيرا للحربية، وهو على خلاف قديم مع ''الشاذلي'' منذ أن كانا ضمن ''القوات المصرية بالكونغو 1960''، والصراع حول إعطاء الأوامر من العميد ''إسماعيل'' للعقيد ''الشاذلي''، وهو ما كان يرفضه الشاذلي.

''المآذن العالية''.. تلك التي وضعها العبقري ''الشاذلي'' كخطة لاسترداد سيناء، واعتمدت على عدم مقدرة إسرائيل إلى حرب طويلة الأمد خوفاً من خسارة قواتها البشرية، واعتمد ''الشاذلي'' على الهجوم بطول خط القناة لعمق 12 كم في سيناء، وأن يكون البحر المتوسط شمالاً وخليج السويس جنوباً هم أجناب حماية الجيش، عندئذ ستضطر إسرائيل إلى صف جنودها ''عرضياً''، ووقتها ستكون خسائرهم البشرية فادحة.

اكتسبت ''المآذن العالية'' اسمها من قصة طريفة؛ فالشاذلي احتاج إلى ''ميكروفونات'' تصل برسائل القادة إلى الجنود في الميدان، واحتاروا في ماهية الرسالة المذاعة وتفيد تقدم القوات، فرأوا أن ''الله أكبر'' هي أقصر رسالة تفيد انتصار القوات، وكان كل ''ميكروفون'' بمثابة مأذنة تُكبر وتعلن تقدم جنود مصر.

أصدر السادات أوامره بـ''تطوير الهجوم لتخفيف الضغط على الجبهة السورية''، وهو ما رفضه ''الشاذلي'' ورأى أن الجيش لن يستطيع الوفاء طويلاً بهذا الأمر، وهو ما تحقق بالفعل ونتج عنه ''ثغرة الدفرسوار''، والتي كادت أن تقلب موازين الحرب رأساً على عقب لصالح إسرائيل لولا قرار وقف القتال.

ويرى ''الشاذلي'' أنه لا بديل عن الانسحاب حتى لا تدمر القوات المصرية، إلا أن ''السادات وأحمد إسماعيل'' يرفضون الانسحاب لعدم تكرار آثاره النفسية كما في ''النكسة''، وهو ما سكب الوقود على النار بين ''الشاذلي'' وبين ''السادات وإسماعيل''، ليصدروا قرارا بتسريحه من الجيش بعد شهرين فقط من حرب أكتوبر، ويعين سفيراً لمصر في البرتغال.

تمر السنوات، ولا يستطيب للقائد العسكري ثنايا ''اتفاقية كامب ديفيد'' بين مصر وإسرائيل، وينتقدها بشدة، وهو ما يضعه بمأزق يصل حد ''تشويه السمعة و اتهامه بإفشاء أسرار الدولة الحربية'' وملاحقته قضائياً، ويذهب للجزائر كلاجئ سياسي لمدة 14 عاما، وهناك يكتب مذكراته حول حرب أكتوبر والثغرة.

العودة لمصر كانت في 1992، وفور وصوله المطار ألقي القبض عليه، وصادروا الأوسمة والنياشين، وأجبر على قضاء مدة الحكم عليه بالسجن دون محاكمة رغم أن القانون المصري ينص على أن الأحكام القضائية الصادرة غيابياً لابد أن تخضع لمحاكمة أخرى، وتوجه إليه تهمتي ''إصدار كتاب دون موافقة مسبقة عليه''، ويعترف الشاذلي بهذه التهمة، والثانية هي ''إفشاء أسرار الدولة العسكرية''، وهي ما أنكرها، ورغم حصوله على إفراج فوري، إلا أنه يظل بالسجن 18 شهرا، ويخرج ليعاني التجهيل وانحسار الأضواء.

يرحل ''الفريق الشاذلي'' قبل تنحي ''مبارك'' بيوم واحد فقط ''10 فبراير 2011''، ويعرف شعب مصر كله أن بطلاً وفارساً عاش بينهم في طي الكتمان، و تخرج مطالب كبيرة بالاختيار بين اسمه و''الشهداء'' لإطلاقها على محطة ''مبارك'' بمترو الأنفاق، وبعد أن كانت مذكراته محظورة لسنوات طويلة، خرجت للنور، إلى الآن هي ضمن الكتب الأكثر مبيعاً في السوق المصرية.

يشاء القدر أن يأتي تكريم ''الفارس المحارب'' في نفس يوم تكريم ''السادات'' من أذاقه عذاب التجهيل والإقصاء، ويمنحه الرئيس مرسي ''قلادة النيل العظمى'' وتتسلمها أسرته، بعد أن كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة قد أعاد له ''نجمة سيناء'' لأسرته بعد تنحي مبارك بأيام قليلة .

فيديو قد يعجبك: