محمد التابعي ''دنجوان الصحافة''.. نجاح بدايته ''طبق بسبوسة''
كتبت - نوريهان سيف الدين:
لم تكن تعرف تلك الاسرة المصرية القادمة من "السنبلاوين- دقهلية" لقضاء مصيفها السنوي على شواطئ مدينة بورسعيد أن طلفها سيولد هناك، و ليس أي طفل، فهو الذي سيستحوذ على جل أضواء "صاحبة الجلالة"، و يتوج "أميرا" على أقلام عشاق بلاطها.
"محمد التابعي محمد وهبة" أو من لقب بـ"أمير و عميد الصحافة المصرية"، مولود في 18 مايو 1986، عاش سنوات عمره الاولى متنقلا بين أكثر من مدينة مصرية، فشهادة التوجيهية (الابتدائية) حصل عليها من "المدرسة الأميرية" بالمنصورة، ثم انتقل للقاهرة مع اسرته و التحق بـ"المدرسة السعيدية"، لكنه لم يستمر فيها طويلا، و اتجه إلى "الإسكندرية" ليلتحق بمدرسة "محرم بك الداخلية"، و يحصل منها على شهادة البكالوريا (الثانوية)، ليلتحق بعدها بـ"كلية الحقوق- جامعة فؤاد الأول (القاهرة)، و يحصل فيها على شهادة "الليسانس" في 1923.
وظيفته الأولى كانت في "إدارة التموين" بديوان محافظة السويس، و انتقل بعدها مرة أخرى لـ"القاهرة" للعمل موظفا بـ"قلم الترجمة" بمجلس النواب (الشعب)، و خلال تلك الفترة؛ كان يمارس الصحافة تحت اسم مستعار، بعد أن بدأ حب الصحافة يسري بداخله منذ أن كان بالجامعة، و كتب مقالا باللغة الانجليزية يرد فيه على مقال إحدى الصحف الإنجليزية المنتقدة لمظاهرات الطلاب، و بعدها كتب مقالات عن موضوعات متعددة كانت السياسة و انتقاد الاحتلال هما الأبرز فيها.
"الآنسة حكمت" و "حندس" .. توقيعاته الأشهر في بداية حياته الصحفية، فبعد أن بدأ بالكتابة في صحف صغيرة، إلتحق بـ"الأهرام" كناقد فني يوقع مقالاته باسم "حندس"، و تميز اسلوبه بالسخرية و الانتقاد المتزن الموضوعي، و يعد انتقاده لـ"يوسف بك وهبي" في مسرحيته "غادة الكاميليا" هو الانتقاد الأشهر في مسيرته في النقد الفني و المسرحي، حتى أن "عميد المسرح العربي" علق فقال: "كان بارعا في أن يعطيني السم مغلفا بالسكر".، أما "الآنسة حكمت" فكان توقيعه أثناء اشرافه على "باب نسائي" بمجلة "روز اليوسف".
رحلته مع روز اليوسف بدأت في "محل حلواني"، فاعجابه بالفنانة المسرحية "فاطمة اليوسف" الشهيرة بـ"روز" جعله يتابع اعمالها، و ما كان منها إلا أن دعته لتناول "طبق بسبوسة" في أحد محلات الحلوى بـ"شارع سليمان باشا"، و هناك؛ فاتحته أنها نجحت في الترخيص لمجلة أدبية فنية، و هو الامر الذي اسعد "التابعي" و وافق للانضمام لكتيبة "روزاليوسف" بجانب كبار الكتاب و الصحافيين وقتها، و نجح بلمساته أن يرفع توزيع و سعر المجلة من "5 مليمات " إلى "قرش صاغ" دفعة واحدة، ليستقيل بعدها من "الوظيفة الميري" بالبرلمان ليتفرغ للكتابة بالمجلة.
كان "التابعي" هو الصحفي المصري الوحيد المرافق للأسرة الملكية في رحلتها إلى اوروبا 1937، و ذلك عقب تولي "الفاروق" عرش مصر، و كان من هناك ينقل تفاصيل و كواليس الرحلة السعيدة و تزلج الأميرات الصغيرات على ثلوج جبال سويسرا، و علامات الحب و الاعجاب المتبادلة بين "الملك الشاب" و "صافيناز ذو الفقار" نجلة وصيفة الملكة، و هو ما تحقق بعد عودة الرحلة و إعلان خطبة "فاروق و صافيناز"، التي حول اسمها فيما بعد إلى "فريدة".
ارتفع سهم "التابعي" و سانده اسلوبه الرشيق في التفكير في استصدار مجلة خاصة به، إلا أن "الجيب الفاضي" كان عثرة أمام تحقيق حلمه، لكن رجل الاقتصاد الأشهر "طلعت باشا حرب" عندما علم نية "التابعي" ساعده و اعطاه قرضا من "بنك مصر"، و كان ضمان القرض "قلم التابعي"، و بالفعل اصدر مجلة "أخر ساعة" في 1934، و اختار لها الاسم زميل التابعي الصحفي الشاب "مصطفى أمين"، و حصل على "5 مليم" مكافأة رمزية عندما استقروا على الاسم أثناء جلوسهم بـ"مقهى الامفتريون" بمصر الجديدة.
اجتذب "التابعي" أعمدة قيام "روز اليوسف" و اخذهم معه إلى "أخر ساعة"، فكان رسالم الكاريكاتير الأرمني "صاروخان" هو ابرز الانتقالات وقتها، و شكلا "التابعي و صاروخان" ثنائيا متميزا، فكان "التابعي" يكتب المقالات الساخرة و يعطي الشخصيات اسماءً هزلية، و يقوم "صاروخان" بتحويلها إلى "كاريكاتير".
"دونجوان الصحافة" .. فالصحفي الوسيم المقرب من الأوساط الراقية و البلاط الملكي اجتذب قلوب النساء، و كانت علاقاته النسائية تشمل المصريات و الأجنبيات على حد سواء، ورغم زواجه من السيدة "هدى قرني" وغيرتها الشديدة عليه، إلا أن عدة اسماء ارتبطت معه بعلاقات عاطفية من بينها "ابنة بديعة مصابني، الممثلة فاطمة رشدي، أمينة هانم البارودي"، إلا أن "أسمهان" المطربة و الممثلة و "الأميرة" كانت الابرز في "أجندة غراميات الصحفي الوسيم"، وأعلنا بالفعل خطبتهما، إلا أن القدر كان اسبق ليضع مشهد النهاية في حياة "أسمهان"، وتموت غرقا قبل اتمام زواجهما.
ظل "التابعي" منتقدا قويا لسياسات القصر والانجليز والحكومات المتعاقبة، إلا أن الصراع الاشهر كان بين "قلم التابعي اللاذع" و بين "محمد محمود باشا- رئيس الوزراء"، ووصل الصدام ان أغلق له له "الباشا" صحيفته مصدرا قرارا بمصادرة المجلة.
كان "التابعي" محور للأحداث في عديد من الكتابات، نذكر منها سيرته الذاتية بتقديم الكاتب الصحفي صبري أبو المجد"، و "غراميات عاشق في بلاط صاحب الجلالة" بقلم "حنفي المحلاوي"، و قام الفنان "حسين فهمي" بآداء شخصيته في مسلسل "هوانم جاردن سيتي"، كما كتب "التابعي" كتب: من اسرار الساسة و السياسة، أحببت قاتلة، ليلة نام فيها الشيطان، اسمهان تروي قصتها.
عاش "التابعي" حياة الأمراء، إلى أن رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم (24 ديسمبر 1976)، و شيعت جنازته من "عمر مكرم" تقدمها "سيد مرعي- رئيس البرلمان" و رفيق عمره الصحفي "مصطفى أمين"، الذي نعاه قائلا "و رحل عميد الصحافة".
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: