إعلان

جيران ''الغرق''.. الأول ''مشطوب'' والثاني ''مبسوط'' والثالث ''العوض على الله''

11:58 م الثلاثاء 29 أكتوبر 2013

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت - إشراق أحمد:

تشابهت ملامحهم والحياة بمكان جمع جيرتهم، والخطر الذي مر على تعرضهم له أسبوعان، لكن مواجهة كل منهم كانت مختلفة؛ فبين غرق ''العشش'' والأراضي والبيوت، حال أهالي ''عزبة الجمّال''، التابعة لمركز الصف بمحافظة الجيزة، الذين أضحوا مع غياب شمس أول أيام عيد ''الأضحى'' المنصرف، في دائرة جديدة من النداء لكل من يهمه الأمر.

''فتحية''.. بين ''العشة'' والاسم ''المشطوب''

جوار أرضها كما اعتادت، وقفت ''فتحية'' ترعى ماشيتها، شاكرة لله أنه لم يصيبها مكروه وقتما غمرت المياه '' العزبة''، قراريط قليلة أشارت لها السيدة الخمسينية ''من البيت ده للبيت ده''، و''عشة'' من الخوص هي كل ما تملكه عليها، إلى جانب ''جاموسة'' وهبها لها ''رجل خير''؛ من حليبها تدر ما يعينها على الحياة.

تلك الأرض بالنسبة لـ ''فتحية'' بيتها ''إحنا عايشين هنا''، وإن كانت لا تنكر الغرفة التي تملكها ببيت العائلة ''حق الورث''، لكنها يومًا لم تكن مصدر راحة لها ''مش مستريحين فيها عشان بيت عيلة وكده''.

هنا تعيش السيدة الخمسينية، وأبناءها الاثنين معًا، تقضي نهارها في تربية الماشية التي خصصت الأرض من أجلها ''ربية''، كما تطلق عليها، ومع ابنها ''محمد'' ابن الثانوية العامة، و''جمال'' الذي يعمل بصناعة الطوب كحال أغلب سكان ''العزبة''، ممن لا يعملون بالفلاحة، وبالليل تجمعهم غرفة بيت العائلة.

ثمانِ أفراد، بإضافة زوجة ابنها وأبناءه، كاد تسريب المياه الذي حدث أن يقضي على ما يملكونه من ماشية وقطعة أرض صغيرة لاتزال تظهر فيها المياه لولا ''التبن'' و''البوص'' الذي استعانت به ''فتحية''، لتُعجل من جفاف المياه وحتى تستطيع السير عليها وعودة ماشيتها بها.

لم تحصل ''فتحية'' حتى الآن على التعويض الذي خصصته وزارة التضامن ''واحد ابن حلال الله يسامحه شطب اسمي''.. هكذا قالت حسبما أخبرها موظف الوزارة، ولم تجد شيئًا أمامها بعد محاولة الحديث سوى الدعاء ''الله يسامحه هعمل إيه يعني''.

''حسني''.. الرجل ''المبسوط''

يعرفه جميع أهالي ''عزبة الجّمال''، لا يمر على منزل حاملًا بيده عصا خشبية يتوكأ عليها بين الحين والآخر، إلا ملقيًا السلام، وأمام البيوت التي أصابتها المياه، وقطعة أرض زال عنها خَضّار الزرع على عكس غيرها؛ يفصصه بيت هنا وأساس بعض آخر تغمره المياه ''سِمِل'' كما يُطلقون عليه، أشار ''حسني'' أن تلك أرضه بعد أن غمرتها مياه '' الترعة'' وجرفت عنها '' البرسيم'' المزروع بها.

''حسني'' الرجل السبعيني ذو الجلباب ''الفلاحي'' البسيط والملامح السمراء، يعد أغنى من يسكن هذه البيوت ذات الطابق الواحد، على حد قوله، وتأكيد جيرانه من أهالي ''العزبة''؛ حيث يملك أكثر من جرار وقطع أرض ومنزل، لم تصبه المياه بشدة كحال غيره، ولهذا السبب لم يحصل على الـ''2000 جنيه''، التعويض الذي خصصته وزارة ''التضامن والشؤون الاجتماعية''؛ فالرد الذي جاءه ''قالوا لي عشان أنت مبسوط مش محتاج''، على حد قوله.

''أم مريم''.. جارة ''المصرف''

استندت إلى باب البيت الخالي إلا من حصيرة غطت جزء من أرضه وثلاث صور زينت حائطه الأسمنتي، اثنين لـ''البابا شنودة'' والأخرى ضمت ''العذراء'' التي على اسمها كان اسم ابنتها ذات الست سنوات ''مريم''.

منزلها الأقرب لمصرف المياه الذي هو بالنسبة لها ''أساس المشكلة''، وعلى أعتابه وقفا ''روماني'' و''مريم'' يلعبا فوق الردم الجديد الذي وضعه ''الجيش'' مؤخرًا، ليكون حائل بين البيوت والمياه التي لفظها المصرف واستقبلتها البيوت والأراضي الزراعية.

''أم مريم'' بدا على ملامحها الضيق، فتلك المرة الثانية خلال شهر تغمر المياه بيتها؛ ففي الأولى لم يجيبها أحد ولجأت وزوجها إلى إخراج ما بالمنزل حتى جفت المياه، أما هذه المرة، فثوان معدودة أحاطت المياه بهم، لتسرع وزوجها سائق النقل ''على الله''، لإنقاذ ما بالبيت لكن لم ينجح الأمر تمامًا كما المرة الأولى ''حاجتنا كلها باظت، اللي لحقوه خرجوه بره واللي ما لحقوهوش خدوه من قلب المياه وطلعوه فوق السطح''.

أثار المياه ظهرت على منتصف حائط البيت؛ فالوضع هنا كان أشد عن غيره من البيوت حسبما قالت ''أم مريم'' التي هرعت وقتها لتتمكن فقط من إنقاذ بعض الطيور والملابس بالرف الأخير من الدولاب ''المياه كانت عالية وأهي لسه بتنشف لتحت يا دوب آخر دور من الدولاب لحقت منه الحاجة، وأهو باظ وأترمى فوق السطح''.

''أم مريم'' ليست كحال بعض الأسر التي لم تحصل على تعويض وزارة التضامن، بل حصلت عليه لكن زوجها قبله على مضض '' خد العوض لكنه مش قابله، قال لي مش هنقبل العوض، العوض على الله، وكمان مش عارفين جاي منين، هناخد ريعه وهشتغل واصرف على اللي باظ''.

''نفسي المخر يتصلح، غير كده مش نفسي في حاجة''.. قالتها '' أم مريم''، بينما تقف تحت سقف فشل ''القش'' والخشب الموضوع من تغطيه جميع أركانه، ففي الشتاء لا مكان لأي من أسرة ''أم مريم'' تحت هذا السقف، بل سقف الغرفة الخشبي يجمعهم، وعلى الرغم من ضيق الحال وما سببته المياه من تلف إلا أن ''أم مريم'' على يقين بأنها '' ما أزعلش على اللي راح مني خالص''.

متابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان