مالالا .. أشجع فتاة في العالم
كتب - محمد الحكيم:
بعدما أفاقت ''مالالا يوسفزاي'' من الغيبوبة التي تسببت بها ''طالبان'' كانت لا تعلم الكثير من الأشياء، لأنها ظنت أنها قُتلت، وظنت أنها كانت تحلم وأن ما يحدث مجرد وهم ولا علاقة له بالمنزل أو المدرسة، لكنها لاحظت أن ما حدث لم يكن حلماً ولكن بعض الذكريات.
الممرضات، والأطباء كانوا يتحدثون باللغة الإنجليزية وتذكرت أنها لم تكن في باكستان، وكل ما كانت تريده ''مالالا'' الفتاة الباكستانية هو الذهاب للمدرسة، حيث كانت تقيم بـ ''وادي سوات'' الذي أتخذته طالبان مقراً فعلياً للحكم، وفرضت أيدولوجية متشددة بمنع الموسيقى، أو إظهار وجوه النساء، ومنع الفتيات من التعليم والذهاب للمدرسة، ولتحديها إرادتهم ورفضها البقاء صامتة، حاولت طالبان قتل الفتاة ''مالالا'' التي تبلغ من العُمر 15 عاماً، وبأعجوبة نجت من الموت وكشفت عن الحقائق المتعلقة بالسلطة والتعليم، والتطرف، والمساواة.
ما يقرب من عام صارعت مالالا الموت بدعم من والدها ''ضياء الدين'' الذي تحدث مع مذيعة شبكة ''سي إن إن'' الإخبارية ''كريستيان أمانبور'' في البلدة التي يقيم بها بشارع 92 بنيويورك.
وقال أبو ''مالالا'' في حديثه لـ ''أمانبور'': ''قيل لنا أننا نقاتل من أجل الإسلام، لذلك ظننت أنه ينبغي علينا التفكير في الأمر أكثر''، بينما قالت ''مالالا'': ''لهذا السبب أردت أن أقول لطالبان التعامل بسلمية، لأن الجهاد الحقيقي يكون من خلال الكلمات، وهل هذا الجهاد الحقيقي؟ فأنا أجاهد الآن من أجل الحصول على حقوقي، وحقوق كل فتاة''.
عندما استيقظت من الغيبوبة التي استمرت لمدة أسبوع سألت عن أمها وأبيها، بكتابة ذلك على قطعة من الورق، أثناء تنفسها من خلال أنبوب مثبت في حلقها منعها من التحدث، وكان أول شيء فعلته هو حمدالله على أنها مازالت على قيد الحياة، وأن والديها في آمان وسيأتون لزيارتها في أٌرب وقت ممكن.
وتابعت ''مالالا'': ''السؤال الثاني الهام جداً بالنسبة لي هو مَن سيدفع تكاليف العلاج؟ لأنني لا أمتلك أي مال، وعلمت أن أبي يقوم بإدارة مدرسة، لكن مباني المدارس كانت مستأجرة، والمنزل أيضاً كان مستأجر، لذلك ظننت أنه حصل على قروض''، ما يعني أن الفتاة التي يبلغ عمرها 15 عاماً ، بعد إصابتها برصاصة في الرأس على يد طالبان كانت قلقة من كيفية سداد فواتيرها الطبية.
كانت مالالا في العاشرة من عمرها حينما حكم ''طالبان'' وادي سوات، لذلك بدأت في كتابة مذكراتها التي تحمل عنوان ''أنا مالالا'' وأهم ما كتبته: ''مونيبا وأنا قرأنا كتب عديدة وتمنينا أن نكون مصاصي دماء، خاص أن حركة طالبان وصلت للحكم في الليل مثل مصاصي الدماء، وبدأت تتحدث عبر راديو إف إم، ليلاً، والجميع أطلق على تلك الإذاعة ''إذاعة المُلا إف إم''.
وتابعت: ''في البداية، رسائلهم كانت تبث بصورة مباشرة لتتحدث مع الجمهور المتدين، بما في ذلك أمي، وببطء أصبحوا أكثر راديكالية، وطالبوا من الناس التخلي عن أجهزة التلفزيون، وألا يستمعون للموسيقى''، وأضافت ''مالالا'' لـ ''أمانبور'' '' راديو المُلا كما كانوا يطلقون عليه أعلن بأن الطالبات غير ملزمين بالتعليم، بل لا يسمح لأي فتاة الذهاب للمدرسة وإذا ذهبت فالجميع يعرف ما سيحدث لها، وهنأوا الفتيات اللاتي لبوا الدعوة''.
وكتبت ''مالالا'' في مذكراتها: ''ملكة الجمال إذا توقفت عن الذهاب إلى المدرسة، ستذهب إلى الجنة''، وحين التجول في مسقط رأسها ''مينغورا'' في وادي سوات، لمعرفة ما يحدث سنشاهد النساء يتم جلدهن في الشارع، ورجال مقطوعة رؤوسهم، لكن ''مالالا'' تحدت هذه الدعوات وذهبت إلى المدرسة كالمعتاد، واستمعت للموسيقى الغربية مثل ''جاستين بيبر''، و ''سيلينا غوميز''، التي كانت مولعة بهما، واستعاضت عن زيها المدرسي بملابس مدنية، لتجنب لفت الانتباه، وكتبت أنها كانت ترتدي ملابس مثل ملابس ''هاري بوتر'' كما هو مبين في الفيلم الوثائقي الذي كتبه ''آدم إيليك'' ''نيويورك تايمز''.
وفي ذات مرة أجرى تلفزيون ''باشتو'' مقابلة تلفزيونية مع أطفال المدارس وكانت من ضمنهم ''مالالا'' التي كانت تقيم في وادي سوات، وبعد فترة قصيرة تحدثت إلى الإذاعة الوطنية، وتلفزيون ''جي إي أوه''، ولم تصمت أبداً مالالا عن المطالبة بحقوقها، بل صرخت من أجلها على الرغم أنها كانت معرضة هي وعائلتها للقتل، لذلك كان عليها أن تتحدث وبعد ذلك تُقتل.
وتمكنت شبكة ''بي بي سي'' الوصول إلى والدها الذي كشف عما يحدث تحت حكم طالبان، وشاركت ''مالالا'' بنفسها للحديث قائلة: ''وأنا في طريقي للمدرسة سمعت رجلاً يقول لي أنه سيقتلني في الثالث من يناير 2009، لذلك أسرعت وأنا أشاهد الرجل الذي كان يتتبعني، وهو يتحدث عبر هاتفه المحمول، ويهدد شخصاً آخر''.
وفي معرض حديثنا عن ''مالالا'' لا يمكننا أن نتحدث عن والدها ''ضياء الدين'' ففي معظم العائلات الباكستانية حينما تولد فتاة يحدث نوعاً من الشفقة والتعاطف مع الأم والأب لأنهم يعتبرون أن الأولاد الذكور هم الأكثر قيمة من الفتيات، لكن هذا لم يكن يؤمن به ضياء الدين الذي قال: ''عادة ما أقول للناس لا تسألوني عما فعلته فقط اسألوني عن الشيء الذي لم أفعله، فهذا هو الأكثر أهمية، وهذا الشيء الوحيد الذي لم ألإعله، وأنا لم أرتكب المحرمات، أو أخالف التقاليد، لكي أقوم بقصّ أجنحة ابنتي ومنعها من الطيران''.
فمن المستحيل الوقوف عند ضياء الدين وابنته وعدم الشعور بوجود نضج في التفكير بينهما وحُب أيضاً فقد كانت الأكثر قيمة في حياته، بل كانا أصدقاء، وحينما سئلت ''مالالا'' عن شجاعة أبيها، ليس إخلاصه لها، قالت: ''أتذكر أثناء العمليات الإرهابية لم يتحدث أحد وأبي كانت لديه الجرأة وتحدث ورفع صوته، ولم يكن خائفاً من الوقت في ذلك الوقت، ولا يخاف أيضاً الآن''.
وضياء الدين هو مُعلم لغة إنجليزية كان يدير مدرسة ''خوشال للفتيات'' التي كانت تذهب إليها ''مالالا''، وكان يقول لطالبان: ''أنتم تفجرون مدرستي وتقولون هذا مخالف للدين، أنتم تقتلون الناس وتقولون لي أن أصمت ولا أقول أي شيء، وأعتقد أنه من الأفضل أن أموت لمواجهة هذا الموقف، بدلاً من أن أعيش 100 عاما ًمن العبودية''.
وحينما تواصلت ''مالالا'' مع وسائل الاعلام الأمريكية والدولية كانت تشعر بالقلق من أن يصاب أبيها بالضرر بسبب طالبان، التي قد تعتبره قليل الأدب ويعاملونه بصورة غير آدمية، وفي نفس الوقت كان ضياء الدين هو المشجع لابنته لكي تتحدث في اللقاءات التلفزيونية، والشخصيات الدولية.
وحينما سألت المذيعة الامريكية ''أمانبور'' ضياء الدين: ''هل تشعر بالمسئولية تجاه الإعتداء الوحشي الذي حدث مع ابنتك؟''
فرد قائلاً: لا بشكل قاطع، وأبداً.
من ناحيتها قالت الحكومة الباكستانية: '' لا يمكن حماية 400 مدرسة في وادي سوات وعلى الجميع أن يتوب هناك''، وعلق ضياء الدين: ''على الرغم من دور الحكومة لحماية الفتيات من الجلد، لكنهم لم يستطيعوا حماية أي مؤسسات في سوات حتى أن الكثير من الرجال تم ذبحهم في الساحة، فعلى ماذا أتوب؟''.
يذكر أن مالالا كانت تريد أن تعمل طبيبة، وليس لأن والدها كان مدير مدرسة فقط، لكن لأن المجتمع الباكستاني يحتاج لمهنتين لابد أن يعمل بهما الإناث الطب، والتعليم، وحصلت على التشجيع من قبل أبيها، وعلقت ''مالالا'' على ذلك قائلة: ''لاحظت أنني حينما أصبح طبيبة، سأساعد مجتمعي الصغير فقط، لكن حينما أصبح سياسية يمكنني أن أساعد وطني بكامله، فالأطباء في وطني يعالجون المرضى المصابين بجراح قاتلة لذلك أنا أريد أن أقوم بإيقاف الأشخاص الذين يتسببون في عملية القتل.. فأنا أريد أن أكون رئيسة وزراء باكستان ''.
وتابعت: ''في وادي سوات، قبل أن تحدث العمليات الإرهابية كنا نذهب للمدرسة، خلال حياة عادية وأحمل حقيبة ثقيلة، وأقوم بتأدية واجباتي اليومية، وأحصل على درجات عالية، وحينما جاء الإرهابيون توقفنا عن الذهاب إلى المدرسة وعرفت حينها سبب ذهابنا للمدرسة''، مضيفة: ''الإرهابيون يخافون من التعليم، وقوته، لذلك عانت تلك القوة من الحياة القاسية التي لا يمكن تصورها، عقب محاولة إغتيالي وأنا أشتري كتاباً يتحدث عن الرحلات الترفيهية''.
وعلقت على محاولة قتلها: ''لقد أرتكبوا خطأ كبيراً حينما قالوا لي خلال قتلي أنهم يدعموني، وأنهم لم يريدوا قتلي، والحقيقة أنهم يستطيعون قتلي لكنهم سيقتلون مالالا فقط، وهذا لا يعني أنهم سيقتلون القضية.. قضيتي التعليم والسلام، إضافة لحقوق الانسان، والمساواة التي ستظل على قيد الحياة.. هم يستطيعون أن يطلقوا النار على جسدي لكنهم لا يستطيعوا إطلاق النار على أحلامي''.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة واغتنم الفرصة واكسب 10000 جنيه أسبوعيا، للاشتراك ... اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: